التحليل الحِجاجِي في قصة نبأ الخصم (1)

قصة نبأ الخصم تقودنا إلى المقارنة بين نوعين من الأحكام، الأول الأحكام الثبوتية اليقينية المطابقة للحق والواقع التي لا تقبل الجدل وتصلح أن تكون سابقة قضائية يقتدى بها، وهذا النوع يرتكز بشكل أساسي على البراهين والحجج التي تقود إلى نتائج يقينية موثوق بها ولا تحتمل الجدل والنقاش، وبفضل ما توفر لها من شروط وظروف مناسبات الحال المعتادة لإنجاز الحكم، وتجريدها من المؤثرات وإزاحة أي غموض في عبارتها.

والنوع الثاني: الأحكام التي جاء منطوقها متماشيًا مع المحافظة على ما هو ممكن ومعتاد، وهذا النوع يرتكز على مظنونات عرضت باعتبارها حجج شبه منطقية تؤسس أرضية كافية للقناعة بتصديقها، فمن الملاحظ عليها أنها في أحسن الأحوال لا تحقق النتائج الموثوقة اليقينية، وإنما تحافظ على ما هو ممكن وتنساق ضمن المعتاد والفكر العام، ويظل الغموض في بعض عباراتها وعنصر المفاجأة والجدل حولها أمر غير مستبعد.

ولأن قصة نبأ الخصم لا تخرج عن أحد النوعين فإن هذا يشير حتمًا أن الحكم الذي توصل إليه داود عليه السلام لا يوصف بكونه صوابًا أو خطأً وإنما يكشف لنا درجة قوته، وفقًا للملابسات والوقائع التي قادت إليه.

أولاً: الوقائع والنتائج المترتبة عليها [سورة ص 21 – 26]:

القسم الأول: تضمنت الآيات من آية ” 24-21 ” بشكل واضح وبين وقائع القصة وملابساتها حتى انتهى إلى النتائج بالحكم:

أ- الزمن والمكان: {وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُا۟ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُوا۟ ٱلۡمِحۡرَابَ◇ إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ}

ب- المقدمة:

{قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٍ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَٰطِ}

ج- الدعوى والمؤثرات التي اعتنت بها:

{إِنَّ هَـٰذَاۤ أَخِی لَهُۥ تِسۡعٌ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةً وَلِیَ نَعۡجَةٌ وَٰحِدَةٌ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِیهَا وَعَزَّنِی فِی ٱلۡخِطَابِ}

د- منطوق الحكم وحيثياته:

{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِیرًا مِّنَ ٱلۡخُلَطَاۤءِ لَیَبۡغِی بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ الصالحات وَقَلِیلٌ مَّا هُمۡۗ}

القسم الثاني: نلاحظ أنه بنفس عنصر المفاجأة الذي بدأ بها القسم الأول بدأ هذا القسم بعنصر المفاجأة، وضحت الآيات “26-24 “

اكتشف داود عليه السلام أن نمط الحكم الذي توصل إليه لم يكن يلبي ما يطمح إليه وأنه قد فتن بمؤثرات جعلت الحكم دون الأحكام التي ترقى إلى درجة الثبوت اليقيني والأفضلية، {وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۝ فَغَفَرۡنَا لَهُۥ ذَٰلِكَۖ وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مأب}

التوجيه الإلهي:

الله سبحانه هو مصدر الحق وهو الضامن لتعليم عباده قال تعالى:

{یَاٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَةً فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ شَدِیدُۢ بِمَا نَسُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ

ثانيًا: التحليل الحِجاجي في قصة نبأ الخصم:

أ – عامل الزمن والمكان

لنقرأ أولاً: هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب

ضمن المنطق الحِجاجي أن أي حجاج يشترط فيه الموافقة المسبقة من طرف المتكلم والسامع، والحجاج المتعلق بالأحكام والفصل في الخصومات، يأخذ شكلاً منتظمًا يتعدى مسألة الموافقة المسبقة إلى الدقة في تحديد الزمن والمكان، فالسلوك المتبع هو تخصيص مكان الفصل بين الخصومات وزمن انعقادها وطرق السير فيها، ما يجعل ضمان انعقادها أمرًا حتميًّا يوجبه تحقيق العدل الذي هو الهدف الأسمى لأي سلطة، وفي حالة امتناع أحد الخصوم تقوم الجهة الحاكمة بإحضاره كرهًا.

وبالتأمل فإن خرق الخصوم لعامل الزمان والمكان ترتب عليه ردة فعل الطرف الثاني وهو المعبر عنه “ففزع منهم” هذه ردة الفعل الأولى من داود قابلها ردة فعل أولى من الخصوم، ووفقًا لمنطق الحجاج القضائية فإن ردة الفعل الأولى يترتب عليها التأثير في الموقف سلبًا أو إيجابًا.

وقد ترك هذا الفعل أثرًا أوليًّا مفاده، إن لم يكونوا أعداء فإن أمرًا مهمًّا قد استدعى دخولهم بهذه الصورة. ما جعله يأخذ الاهتمام بكل ما سيقولونه وهذا الاستعداد النفسي ما هو إلا تكوين رأي مسبق بينما في حقيقة الأمر أن ما سيقولونه قد يكون مهمًّا أو ليس مهمًّا صادقًا أو كاذبًا أو غير ذلك.

ب- الجو العام

اتسم الجو العام بالمفاجأة ورد الفعل والفعل المضاد ما يعني أنه لا يحقق شروط مناسبة الحال الذي يقتضي إنجاز الفصل بين الخصوم.

ج- الأشخاص والصفة

لنقرأ “خصمان بغى بعضنا على بعض

الطرف الأول: خصمان، وهما أخوان جمعتهما الرغبة في فصل الخصومة

ودفع الظلم والبغي، ولأجله فإن أحدهما هو المدعي والآخر هو المدعى عليه.

الطرف الثاني: وهو المستمع داود عليه السلام وصِفَته القاضي بينهم.

د- مقدمة الدعوى:

1- لنقرأ قوله تعالى: (خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق…)

بفحص هذه المقدمة يتبين أنها اشتملت على أمرين الأول مضمون القول واشتمل على:

أ- التعريف بالأشخاص

ب- الموضوع: الفصل فيما بينهما من خصومه.

ج- يطلبون الحكم بينهما وفقًا للقيم الكونية التي أشير إليها:

(الحق العدل عدم الشطط، الهدى إلى الطريق السوي) مما لا شك فيه أن هذه القيم مسلم بها إذا كانت مطلقة وفقط، أما أذا حددناها وطبقناها على قضية معينة فهي تعتمد على حالة تكون قابلة للفحص والاختلاف.

الأمر الثاني: الغرض الحِجاجي التي هدفت إليه المقدمة

أولاً: أزالت الأثر الذي أحدثه الدخول المفاجئ فلم يكونا أعداء وإنما هما خصمان يجدر أن يستمع داود إليهم باهتمام

ثانيًا: هدفت المقدمة نقل التصديق إلى ما سيقوله المدعي ثم نقلها إلى التصديق بالنتائج.

وبالمقارنة بالمنطق الحجاجي فإن المقدمة أو الاستهلال الذي يسبق الدعوى عادة ما يهدف إلى أحد الأمرين إما إلغاء حكم مسبقًا أو نقل التصديق بها إلى التصديق بالدعوى والنتائج وهذا ما حققته مقدمة نبأ الخصم بدت وكأنها رأي مشترك للخصمين وقاعدة ثابته من القيم الكونية، وعادة ما يحذر المستشارون القانونيون أن المبالغة في التأكيد على القيم الكونية ينبغي عدم التسليم بأنها تعكس صفة صاحبها فقد يكون العكس، وكذلك يتفق هذ الرأي مع رأي  فلاسفة الحجاج: “أن كل حجاج ينطوي على انتقاء مسبق يعتمد على عبارات القيم وتقديمها بطريقة خاصة وبلغة معينة وإلحاح يبدو للمستمع أنه يكون مبررًا وطبيعيًّا للوهلة الأولى يظهر طابعه المغرض بقصد أو بغير قصد حين يواجه بأدلة أخرى. “

ه- الدعوى:

لنقرأ قوله تعالى: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطابصيغت الدعوى ضمن روابط ومؤثرات عرضت كحجج شبه منطقية ذات طابع عام؛ بدت للوهلة الأولى بأنه من غير الممكن تجريدها وفصل بعضها عن بعض، وبتجريد الدعوى من المؤثرات تكون الدعوى على النحو التالي:

المدعى عليه سأل المدعي أن يكفله النعجة التي له “فقال أكفلنيها”.

الحجج شبه المنطقية:

1- الأسلوب المتبع لصياغة الدعوى

2- إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة

3- لي نعجة واحدة “فقال أكفلنيها”

4- “وعزني في الخطاب” غلبني في براعة قوله والعرب تقول في مثل هذه الحالة من عز شل أي من أحسن القول وساوم بالثمن أخذ.

ومن الملاحظ أن نمط هذا النوع من الأحكام يحظى بالقبول وفقًا لطائفة من علماء القانون والفلاسفة يقول پيرلمان: “إلى جانب الوقائع والحقائق هناك مظنونات أو قرائن وإن كانت لا تعرض لاعتبارها تمتلك نفس قوة الدلائل الموثوقة والوقائع.. إلا أنها تقدم أرضيات كافية معقولة خاصة إذا ما اقترنت بتجربة مشتركة وحس مشترك ومع ذلك قد يكذبها الواقع. ويظل عنصر المفاجأة غير مستبعد..”.

و- الحكم وحيثياته:

نجد أن حيثيات الحكم قد شملت عدد من المؤثرات عرضت على أنها حجج شبه منطقية لا ترقى إلى درجة الثبوت اليقيني غير أنها تصلح لأن تكون أرضية تؤسس القناعة بصدقها، وبالمقارنة بين وقائع القصة (بالدخول المفاجئ والمقدمة والدعوى والروابط شبه المنطقية التي اعتنت بها) وبين نمط هذا النوع من الحجاج نجدها متطابقة مع بعض المظنونات ذات الطابع العام:

– مظنون التصديق التلقائي التي تجعل تصديقنا لما يقال هو رد فعلنا الأول.

– مظنون الاهتمام الذي يجعلنا نفترض أن كل ما يقال لنا سيثير اهتمامنا.

– مظنون قرينة كون نوعية فعل ما تكشف صفة صاحبه.

– المظنون المتعلق بالطابع المعقول لأي فعل إنساني “.

هذه المظنونات ارتكزت على الفكر العام الذي يقول إن العادي هو ما حدث، وداود عليه السلام بحكمته ونظرته الثاقبة لم يخرج توصيفه للحكم عن هذا المعنى كما دل عليه {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض}.

ولكن هذ السلوك المعتاد لم يكن ملبيًا لطموح داود لولا أن جملة من المؤثرات، جعلته يرجح أن هذه النتيجة هي الأنسب في هذ الظرف.

وبفحص هذه المظنونات التي قادت إلى المعتقد بتصديقها فلا تظل ظنونًا يمكن نفيها يعارضها، -فمثلاً- من كان يظن أو يعتقد أن المطر قد نزل في الأمس على المنطقة “أ” لوجود أثر ماء هناك يقال: إن لديه معتقدًا أو ظنًّا، بينما من شاهد فعلاً نزول المطر في تلك المنطقة فهو قد علم بشكل يقيني وثابت، لا ينطبق عليه القول أنه يظن، كون الظن يحتمل التأويل ويكون قابل للنقاش والجدل.

وبتطبيق المظنون على الحالة المطروحة بالنظر إلى وقائع القضية سنكون هنا أمام مظنون رجح كفة المدعي، ما يلزم المدعى عليه بعبئ الدليل، وهو مفهوم أساس في الدعوة القضائية.

وحين تنطوي واقع هذه القصة على مظهرين اثنين في آن واحد برز أحدهما بفارق كبير يصدق عليه الوصف بذي مال أو صاحب النعاج التسعة والتسعين، بينما الثاني ليس له من الشيء إلا اسمه فشتان بين أخ يملك تسعًا وتسعين نعجة وأخ لا يملك إلا نعجة واحدة ثم يريد ضمها، ومع هذا الفارق والتباعد فإن الأخ المكثر يطلب ضم نعجة أخيه، إن الفكر العام يقول أرأيتم فحشًا أكثر من هذا!؟ فكيف إذا انضم هذا الأسلوب المؤثر إلى المؤثرات الأخرى، فضلاً عن تأثير الزمن والمكان، وقد أثار النحاة والأسلوبيون أهمية صياغة الأسلوب واختيار الزمن والمكان للتأثير سلبًا أو إيجابًا، ولكن كل هذه من المسلم أنها مؤثرات قابلة للنقاش.

وإذا ما سأل المتلقي كيف جرت الوقائع في صمت تام من المدعى عليه؟

نلاحظ وبشيء من التدقيق أن هناك ما يشبه الموافقة،  فقد قدمت الدعوى بشكل ذكي جدًّا،  فقوله “إن هذا أخي” فيه شيء من المدح للأخ، إذا ما استبدل بوصف “إن هذا خصمي” أو “هذا الذي بغى علي” أو غيره، هذه الأوصاف تلفت انتباهنا إلى أن الدعوى قد حبكت بطريقة لا تثير حافظة المدعى عليه، ويتضح الأمر أكثر قوله “له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة” استدعاء هذه المقارنة الصارخة ليست عفوية، وسكوت المدعى عليه أمام هذا الخطاب لا يكفي أن يقودنا إلى التسليم في كل جزئيات الدعوى، لا سيما إذا ما دققنا في الجزئية الأخيرة التي جاءت عطفًا لما سبق وكأنها تحصيل حاصل وهي قوله: “وعزني في الخطاب” ومع أن هذه العبارة قد شابها الغموض، إلا أنها لو جاءت أول الدعوى بدلاً من أخرها لكان التفت إليها، ولعل التدقيق بهذه العبارة الأخيرة، هو الذي سيقودنا إلى الاطمئنان بأن توصيفنا للحكم صحيحًا كما تغني عن التأويلات الأخرى:

1- “وعزني في الخطاب” هذه العبارة صادرت حق الرد للمدعى عليه أو نستطيع أن نقول فوتت الفرصة لمعرفة وجهة نظره.

2- العبارة التي ساقها المدعي بحسن نية أو بغير قد شابها الغموض، فما هو هذ الخطاب؟

3- كان المكان المناسب لهذه العبارة أن تتقدم لتكون سببًا سابقًا لسؤال النعجة، وورودها أخيرًا يثير الشك في قول المدعي وعدم حسن نيته وعدم حرصه لتقديم تلك التجربة بموضوعية وتوضيح مناسبتها.

4- التسليم للمدعي بأن المدعى عليه غلبه بالخطاب لم يكن تصرف يدعمه الإجراء القضائي، لأنه ترتب عليه بأن خطاب المدعى عليه عديم الجدوى ولا يستحق النقاش وإنما هو مبرر فقط ليتمكن من أخذ نعجة أخيه.

5- إذا كان مجرد أن يقول المدعى عليه قولاً ضمن خطاب ليس مبررًا لاستحقاق المدعى عليه كفالة النعجة بنظر المدعي، فنفس الشيء يمكن تطبيق نفس الفرضية على أن يقال الأسلوب الخطابي الذي ساقه المدعي أنه لا يصلح بمفرده أن يكون حجة يتغلب بها على المدعى عليه. 

6- عدم مناقشة خطاب المدعى عليه ليس له تفسير سوى الظن بأن خطاب المدعى عليه إلى المدعي مفرغًا من أي حجة تصلح للاحتجاج بها، هو حكم مسبق قبل معرفة هذا الخطاب أو طلب إيضاحه من المدعى عليه.

7- أضف إلى ذلك أن امتداح الخصم لخصمه أو ذمه يستدعي عدم تصديقه في الدعوى القضائية كما أنها لا تقوِّي حجة المدعي وإنما تضعفه.

8- نلاحظ أنه قد غاب عنصر مهم وهي ظروف ومناسبة الحال حين قال: “أكفلنيها”.

الخلاصة:

ووفقًا لتلك الوقائع فإن نمط الحكم قد أنطبق عليه سمة النوع الثاني أي الأحكام التي جاء منطوقها متماشيًا مع المحافظة على ما هو الممكن والمعتاد والغالب، بناءً على ارتكازها على الفكر العام، وهذ النوع من الأحكام، ليس هناك ما يبرر الاعتراض عليه إلا من حيث درجة الأفضلية في حين مقابلتها بأحكام أخرى اعتمدت معايير أكثر دقة، أو بوجود دلائل تعارضها.

ولهذا كله آل التصور القرآني للبرهنة بدقة متناهية إلى تصور الدليل باعتباره مرتبطًا بنسق صيغت عناصره بشكل بين، وواضح ويبدو أنه بمعزل عن الفكر العام وعن كل المؤثرات ما استدعى لفت انتباه داود عليه السلام في الآية الأخيرة من القصة بعد أن بين كيف آلت إليه الأمور بسبب عدد من المؤثرات. تأكد داود عليه السلام بأنها فعلاً كانت وراء النتيجة التي توصل إليها بحكمه وقد لخص داود حيثيات الحكم بقوله {وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض} يعني ارتكاز الحكم على الفكر العام وما هو غالب ومعتاد وقد تبين لنا بأن منطوق الحكم لم يغير من الواقع شيئًا وإنما حافظ عليه، كما لم يشتمل على حكم مستقبلي وإنما جزئية بسيطة في الماضي حصرت حول قيمة السؤال، فكأن الحكم يقول يبقى الأمر على ما هو عليه وسؤال النعجة ظالم أي “ساقط القيمة لا يترتب عليه أي أثر”.