سنن تغيير النفس والمجتمع

(الإنْسانُ كَلًّا وعدْلاً)

لجودت سعيد

على كل مسلم أن يستفيد من سنن الله تعالى عبر التأمل فيها ودراستها وإيلاءها الاهتمام الكافي، وسنن الله تعالى تتعلق بمراد الله عبر أوامره الشرعية وتوجيهاته الربانية، والأمة الإسلامية اليوم أحوج الأمم إلى الاستفادة من هذه السنن في التغيير الاجتماعي والنفسي باعتبارها قوانين وقواعد موجهة لحركة الإنسان فرديًّا وجماعيًّا من أجل بلوغ مراتب الرقي والتحضر والانعتاق من طوق التخلف والتبعية.

ومن هذا المنطلق تأتي أهمية هذا الكتاب المندرج في سلسلة سنن تغيير النفس والمجتمع.

وقد صدر المؤلف كتابه بقوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النحل الآية 76).

مقدمة ومدخل الكتاب

في مقدمة الكتاب يشير الكاتب إلى كونه وهو يفكر في تخلف المسلمين، وجد أن الأمر يستحق التفرغ له مع عدم إهمال أهمية المرأة في بحث أسباب هذا التخلف الذي يعاني منه المسلمون مما جعله يعتمد على بحوثهن وآرائهن لينشرها باسمه أحيانًا. أما في مدخل الكتاب فيذكر المؤلف كون هذا العصر يجب أن يكون عصر توجيه الإنسان عصر الذرة والفضاء والهرباء. ولعل ما جعل ابن خلدون باحثًا وعالمًا بارزًا تناوله في كتبه السنن والقوانين التي ترتفع بالبشر حضاريًّا وعمرانيًّا أو العكس.” والهدف الذي نروم إليه في هذا البحث هو أن يتبين القارئ أن البشر يمكنهم باستخدام السنن المتعلقة بتغيير النفس من دفع أو خفض مستوى الأفراد والمجتمعات حسي الهدف التي يروم إليها الإنسان الذي يقوم بهذه المهمة”، والصفة التي تمكن مولاها من الوصول إلى ما يرمي إليه يطلق عليها (الفعالية، والنمو، والمقدرة التأثيرية) وعكسها (اللافاعلية، أو السلبية، أو التخلف) وقد عبر القرآن عن ذلك في مثل الرجلين ،فقال: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (النحل:76).

وكلمة الكَل هي المقابلة لمصطلح اللافاعلية والسلبية، وكلمة الكَل القرآنية أعمق دلالة لأنها تدل على اللافاعلية وعلى عبء المرء على من يتولاه… أما كلمة العدل ففعاليته في الحق دائمًا.

والمثل أن يذكر شيئًا يمكن للإنسان أن يدركه الإنسان بسهولة يصل بواسطة ذلك المثل إلى شيء آخر أدق وأعمق يحتاج إلى انتباه.

إن المراد بهذا المثل هو التفريق بين فرد غير صالح للتكليف بأداء مهمة وشخص نشيط فعال آمر بالعدل، لكن الهدف من هذا المثل هو التنبيه إلى السبب وهو المفتاح الأول لتوجيه جهد الإنسان في تحويل الشخص من أن يكون كَلًّا إلى أن يكون آمرًا بالعدل وهو على صراط مستقيم، بدل أن يصير إلى أسفل سافلين ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الملك:22).

الفصل الأول

يعرف الكاتب الفعالية بكونها قدرة الإنسان على استعمال وسائله الأولية واستخراج أقصى ما يمكن أن يستخرج منها من النتائج واللافاعلية هي أن يكون الإنسان عاجزًا عن استخراج النتائج التي يمكن أن يحصلها من الوسائل المتاحة له فهذا هو الكَل.

1 ـ بيان الفعالية على مستوى الفرد

الفرد يمكن أن يكون فعالاً باستغلاله بفعالية ما أتيح له من وسائل الوقت العلم المال.

2 ـ بيان الفعالية في مستوى الأسرة

يمكن أن تتساوى أسرتان في الدخل ولكن الفعالة تكون حسنة الإنفاق حسنة الأخلاق والمعاشرة…

3 ـ بيان الفعالية في مستوى المجتمع

وقد انقسم العالم اليوم إلى مجتمعات فعالة (المتقدمة)، ومجتمعات غير فعالة (المتخلفة).

المجتمع الفعال: القاضي على مشاكله الأساسية فلا يتعرض لمكروه… (إن الكلالة جزاء الإعراض عن آيات الله في الأرض والسماء، وما أنزل الله من كتاب).

4 ـ بيان الفعالية في العالم

يساهم في فعالية الفرد جانبان:

1ـ جانب ما يبذله الفرد من جهد شخصي في جعل سلوكه متطابقًا مع مشكل المجتمع الذي يعيش فيه وذلك بترك رغائبه الشخصية التي لا تتلاءم مع مطالب المجتمع.

2ـ جانب ما يبذله المجتمع من جهد على حمل الفرد على اتباع المثل الأعلى الذي قبله المجتمع وذلك بالعقوبات والغرامات وبما هو معنوي كالاحتقار والنبذ…

وبوسائل الترغيب: مكافآت، ترغيب، احترام…

الفصل الثاني

شروط الفعالية وهي شروط الثقافة والحضارة والنهضة:

1 ـ شروط الفعالية هي الأمور التي إذا توافرت لدى الإنسان حملته على أن يقوم بنشاط فكري وعملي أي تحمل على أن يستخدم عقله وهو وسيلة من وسائله في تأمل أحداث الكون.

2 ـ مما يدل على توجيه الإنسان تقريب المواضيع التي لم تخضع بعد سنن تسخيرها للإنسان بمقارنتها بأمثلة خضعت سنن تسخيرها للإنسان.

3 ـ إن الإنسان سواه الله تعالى وأبدعه إبداعًا عجيبًا قابلاً للتزكية وقابلاً لأن يكون في أحسن تقويم أو في أسفل سافلين.

4 ـ كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: قايس الأمور واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما تراه إلى أقربها أحبها إلى الله.

إن الأخذ بالأسباب لا يخرج عن قضاء الله وقدره.

5 ـ ابن خلدون يرى أن أحداث التاريخ لها أسباب يمكن أن يدحضها الإنسان ويؤثر فيها، ومن التفسيرات التي أتى بها المؤرخون:

ـ من قال إن الجنس هو السبب.

ـ من قال إن العوامل الجغرافية هي مسببة حركة التاريخ.

ـ من قال إن وسائل الإنتاج هي التي تسبب حركة التاريخ.

وهذه النظرات خف الافتتان بها. ونقضها توينبي وأتى بنظرية (التحدي) إلا أن مالك بن نبي الجزائري رد الباعث على الحركة في المجتمعات إلى الشعور بالخطر الأخروي وذلك من خلال تتبع الباقية على وجه الأرض.

ولإلقاء الأضواء على بعض الأفكار الهامة التي تسهم في الفعالية للإنسان نذكر بعضا منها على سبيل المثال:

1 ـ نظرية التاريخ

يقصد بالتاريخ الأحداث التي وقعت في شتى أنحاء العالم منذ بدأ الإنسان يترك أثرًا على الأرض إلا أن هذا المعنى تطور إلى جانب هذا المعنى معنى آخر، وهو البحث عن أسباب الأحداث. وهذه النظرية سبقتها نظرية أخرى ترى أن الإنسان لا دخل له في صنع التاريخ، وهي النظرية القدرية.

إن صنع الأسباب يكون بالاختيار لا بالحتم. ولكن حدوث النتائج حتم. والإنسان يغفل عن سنن الله، فإن سنن الله لا تغفل أن تأخذ طريقها دون شعور من الإنسان الفاعل، وحينئذ لن يتمكن الإنسان أن يرى للتاريخ أسبابًا، وإنما يرى أحداثًا حتمية، لا دخل لجهد الإنسان فيها، ومن هذه النظرية تنشأ القدرية.

2 ـ المسوغ

إن من شروط الفعالية حدوث شعور للإنسان أنه يملك شيئًا يمكن أن يقدمه للآخرين وهم بحاجة إليه. فحدوث هذا الشعور عنده يكون سببًا لفعاليته ونشاطه. ويمكن أن يتضح ذلك إذا نظرنا إلى العكس.

3 ـ (رغبًا ورهبًا)

لا بد من خوف ورجاء على أن يكون بينهما توازن لأن كلًّا منهما إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فتتحول شدة الخوف إلى اليأس، كما تتحول غلبة الرجاء إلى الأمن والغرور.

4 ـ الواجبات

كل لحظة يبذل فيها الفرد المسلم واجبه فإنه يسهم في بناء الحية الإسلامية، يقول مالك بن نبي الجزائري: “إن صنع التاريخ يبدأ من مرحلة الواجبات المتواضعة -في أبسط معنى الكلمة- الواجبات الخاصة بكل يوم، بكل ساعة، بكل لحظة، لا في معناها المعقد كما يعتقده أولئك الذين يعطلون جهود البناء اليومي بكلمات جوفاء، وشعارات كاذبة، يعطون بها التاريخ بدعوى أنهم ينتظرون المعجزات والساعات الخطيرة”.

الكتاب رغم صغر حجمه كتاب يستحق القراءة، كما يستحق أن يكون من الكتب المدرسية في المدارس والجامعات لما سيكون له من إيجابيات على المستوى الفردي والجماعي من أجل نهضة حقيقية مبنية على التبصر وعمق النظر من أجل التغيير.