حرائق في حدائق ذاكرتي

(شيخي رضي الله عنه)

توضأ أمامي بجمال بهيج، صلى صلاة العاشقين.. كان فصيحًا، كان مليحًا، كان من الذين يناجون الملأ الأعلى، زفراته شاهدة شهيدة على ذلك..

من أشد اللحظات قسوة على قلبي وذاكرة روحي، تلك اللحظة التي ودعت فيها الشيخ إمام مسجد الحي الذي كان يسكنه، لحظة مرارة وتيه.. كنت أطمع في أن يأذن لي رضوان الله تعالى عليه بقضاء ليلة أخرى بصحبته، لكن ظهر لي من حزمه وعزمه أن الوارد الإلهي كان أثقل وأقوى من كل الروابط القلبية التي جمعتنا ولا تزال..

قالت نظراته، يا ولدي: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ).

عرفت من نظرته، أن قد: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ).

كان يحبني، فلم أرد أن أريه من حالي وضعفي وقلة حيلتي وعدم قدرتي على فراقه ما قد يحزن قلبه الشريف مثقال ذرة، جزاه الله خير الجزاء عني..

أردت أن أريه جميل غرس يديه المباركتين، وتجلدي للشامتين أريهم أني لجور الزمان لا أتضعضع.

هذا مقام الصبر فتجلد يا فتى الأحزانْ! الصبر حلية المؤمن، فالبس جبته..

قبلت يده الطاهرة النقية، عانقني بقوة وحرارة، وقال لي: استودعناك بيد الله، فقل باسم الله وامض حيث تؤمر..

لم ألتفت! بدأت أسرع في المشي حتى تغيبني الأزقة عن نظره.. كنت أتنفس بصعوبة، كنت أغالب الدمعة تماماً كالشمعة!

مر شريط السنين كبرق لامع أمام خيالي، صحبة دامت لسنوات مباركات، سلام الله أبداً مني لك ما بقيت وبقي الليل والنهار،

ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم يا شيخي..

وعهد المحبين لا ينقضي!