علاج السرحان والتكاسل في الصلاة

إن الحصول على الوعي ليس منحة مجانية، فهو يحتاج إلى قدر محترم من الطاقة الروحية والنفسية، ويستدعي الدخول في حالة من الاسترخاء. فالوعي والاسترخاء وجهان لعملة واحدة، مالم تحصل على الاسترخاء لن تحصل على الوعي ومالم تحقق درجة مقبولة من الوعي والحضور والتركيز، لن تحصل على صلاة حقيقية تحقق معنى الصلة بين العبد وربه. إن لم تقم بادخار جزء من طاقتك مسبقًا قبل موعد الصلاة، سوف تشرد في صلاتك سريعًا وتجد نفسك تصلي على نحو آلي يشبه صلاة الزومبي.

يقول معظم المصلين إنهم يسرحون بعد اول دقيقة من الصلاة وإنهم تعبوا من محاولات التركيز والخشوع واستحضار الوعي أثناء الصلاة، ويستسلم جزء منهم للأمر الواقع وهم يأملون أن يجبر الله قصورهم وأن يتقبل صلاتهم على نقصها، ويواظبون على صلواتهم في مواقيتها على أتم وجه من حيث الظاهر، مطمئنين إلى عفو الله وكرمه الذي يحاسبنا على التقصير ويغفر القصور حين نعجز عن تأدية التكاليف بصورتها المثالية التامة مهما فعلنا. والبعض الآخر يحاول أن يبرر فيقول إن أفعال وحركات الصلاة المتكررة من الطبيعي أن توصل الذهن إلى حالة من الاستسلام للروتين والرتابة.

ولكن السبب ليس في طبيعة الصلاة، السبب الحقيقي هو أننا نعيش تفاصيل يومنا وطاقتنا دائمًا على حد الاستنفاد. الحقيقة أننا جميعًا مُستنفذون ومُستهلكون طوال اليوم مثل خرطوشه القلم الفارغة. نحن نستهلك طاقتنا على نحو كامل طوال ساعات اليوم والليلة ولا نحاول الاحتفاظ بأي جزء منها، وحتى الكمية المتواضعة من الطاقة التي نوفرها أثناء نومنا ليلاً، نبدأ بصرفها واستهلاكها مباشرة فور القيام من السرير في الصباح!

لذا فأنت قبل أن تشرع في الصلاة؛ تكون قد استهلكت _ تقريبًا_ كل طاقتك النفسية والبدنية والروحية، ما يجعلك تصل إلى أعتاب الصلاة بروح مُهلهلة وقلبٍ مُستهلك، فلا تكاد تدخل فيها حتى تخرج منها. لكن كلما أعطيت استراحة لحواسك ولمشاعرك قبل الصلاة، كلما كان ذلك أفضل للدخول في صلاة حيّة ملؤها الإحساس والتدبر والتأمل. كلما كان لديك قدر أكبر من الاسترخاء والهدوء أثناء اليوم كلما حافظت على قدر أكبر من طاقتك، وكلما أمكن استخدام هذه الطاقة في استحضار الخشوع إلى صلاتك.

والأمر يستحق التدريب والمجاهدة، فالمؤمن ينبغي ألَّا يأتيَ الصَّلاةَ إلَّا وهو نشيط البدَنِ والقَلب، حاضر الوعي والشعور، يحمله الشوق إليها. والا فإن صلاته التي لا يُصاحِبُها شُعور، سوف تُشبه في ظاهرها صلاة المُنافِقينَ الذين قال اللهُ تعالى فيهم: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} (التوبة: ٩)

انتبه إلى مصارف طاقتك الروحية والنفسية والبدنية، راقب أين تستهلكها، وادخر حصة يومية منها لصلاتك، وهذا شكل من أشكال المجاهدة التي تؤجر عليها. استدع الاسترخاء ليومك ما استطعت، حافظ على طاقتك البدنية والروحية كيلا تنضب وتنفذ وتمضي عمرك في أداء صلاة الزومبي.