سيناء أرض التاريخ، أرض القمر والفيروز، والنخيل والبحر والحكايات والأساطير، أرض الله التي تجلى فيها لموسى عليه السلام، وأرض الفراعين، وبوابة مصر الشرقية وحدودها مع العالم.

هنا الصحراء تتعانق مع النخيل في غرام سيمفونى وحولهما طيور ” البلشون”، والسمان المقدس، والبحر الذي يلهم الشعراء أجمل قصائدهم الخالدة. وعلى شاطئ المتوسط الساحر، وعناق الصحراء الأثير، وقف البدوي في الليل وأشعل النار، وأنضج القهوة، لتبدأ حكايات السامر السيناوي البهيج، ورقصات السمر الفريدة: الدحية، الدبكة، المشرقية، المربوعة، على أنغام الأرغول، المقرونة، الشبابة، وتبارى الشعراء في رسم ملامح الجمال لبادية سيناء المصرية البديعة.

إنها سيناء، جوهرة مصر وزمردتها البيضاء، فخلف كل حجر حكاية، ولكل حدث حديث، ولكل اسم مثل شعبي، وموروث: “واللي ما بيعرف الصَّقِر يشويه”.

كما تنقسم إلى ثلاثة أقسام: بلاد الطور في الجنوب، بلاد التيه في الوسط، وبلاد العريش في الشمال، ولقد اشتق اسم سيناء من (سين)، بمعنى القمر. وقد عُرفت في الآثار المصرية، باسم (توشويت)، أي أرض الجدب. وفي الآثار الأشورية، عُرفتْ باسم (مجان)، المحرّفة عن (مَدْيَنْ)، وهو الاسم الذي أطلقه العرب على (شمال الحجاز، وجنوب فلسطين).

لقد شكلت الطبيعة الزمان، وألهمت الجبال والسهول جغرافيا المكان بهاءًا وخلودًا، وتمايزًا ليس له مثيل، فركب البدوي ناقته بين الجبال والمروج، وسلك البحر والنخيل ليتأمل جمال صنع الله عز وجل، وصور قدرته العظيمة، عبر البحيرة، والبحر، والجبل والسهل، فغدت أرض سيناء – شمالها وجنوبها، وشرقها وغربها- مثار جمال عالمي يصلح لأن يكون محمية للخلود والكمال الإلهي البديع.

وما يعنينا في هذا المقال هو الحديث عن محميات سيناء، وكيف نقرأ التاريخ الثقافي للمكان من خلال تلك المفردات أو الظواهر الطبيعية، فالمحميات هي إحدى مفردات هذا الموروث الثقافي الفريد التي تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية، والحفاظ على عناصر التنوّع البيولوجي وخاصة الأنواع المهددة بخطر الانقراض والبيئات الطبيعية التي تعتمد عليها، وكذلك مناطق التراث الثقافي من خلال الاستخدام الأمثل والحكيم للموارد المتاحة من أجل جيلنا والأجيال القادمة، كما تمثل المحميات إحدى ركائز التنمية المستدامة وذلك عن طريق تطوير سُبُل مستحدثة وغير تقليدية لاستغلال تلك الموارد دون الإضرار بها. وهو ما يعرف بالسياحة البيئية التي تعتمد على طبيعة المكان، كسياحة مراقبة الطيور والتي تعمل المحمية على تطويرها حتى تصبح مركزًا لجذب للسياحة المحلية والعالمية، كما تعد المحمية أيضًا من المناطق الهامة للدراسات العلمية والحفاظ على مناطق التراث التاريخي الموجودة بها في هذا المجال والجمعيات غير الحكومية وطلبة الجامعات وغيرهم من المهتمين بالبيئة.

لقد كانت سيناء على مر تاريخها معبرًا لمرور الجيوش والحملات من وإلى مصر، وطريقًا لقوافل الحج القديم، ورحلة العائلة المقدسة، وطريق الحرير القديم العابر للقارات والممالك والحضارات، ولعل اختلاط الثقافات والسكان على أرضها قد أحاطت المكان بتاريخ زاخر بالعظمة للحضارة المصرية، حيث عثر في سيناء كذلك على الأبجدية السينائية والتي تعد أقدم أبجدية في التاريخ، والوجود الإنساني قاطبة.

محميات شبه جزيرة سيناء

لقد منح المولى –عز وجل– سيناء العديد من الأماكن البديعة، ولقد خصصتها الحكومة المصرية كمحميات طبيعية لا يجوز الاقتراب منها، كي تتجدد الحياة البرية، ولا تنقرض الحيوانات والنباتات والأسماك والسلاحف والطيور، كما انقرض “النمر السيناوي”، وغزلان ووعول وثعالب وحيوانات سيناء البرية، وزواحفها ونباتاتها، فجاءت المحميات كأماكن خصصتها الدول لهذه الأنواع، لتحافظ على النوع من الانقراض، لأنها تمثل ثروة قومية، وسياحية، وعلمية و وبيئية، ومنطقة للعلماء والباحثين ليدرسوا طبيعة المكان وما به من كائنات، كما يأتيها الأهالي –من بعيد– ليشهدوا عظمة الخالق في الخلق. ولقد تنوعت المحميات في سيناء بين محميات طبيعية بحرية –كالتي توجد في شمال سيناء– وبين أخرى صحراوية بحرية كالتي توجد في جنوب ووسط سيناء.

أولاً: محميات جنوب سيناء: تضم المحافظة عدة محميات، تعد من أجمل محميات العالم كله، وهي: محمية رأس محمد، نبق، أبو جالوم، طابا، سانت كاترين.

ثانيًا: محميات شمال سيناء: تحوي المحافظة ثلاث محميات فريدة بها أندر طيور العالم، كما تضم العديد من الطيور والزواحف والسلاحف البحرية وغيرها، وهذه المحميات هي: محمية الأحراش برفح، محمية الزرانيق وتقع بين مدينتي العريش وبئر العبد، محمية بحيرة البردويل أو كما يطلق عليها “سبخة البردويل”، وتتبع مركز ومدينة بئر العبد إداريًّا، وسوف نُفَصِّلُ الحديثَ –هنا– على محميات شمال سيناء.

محمية الأحراش:

تعنى كلمة: أحراش، في معجم المعاني أنها: أراضٍ تغطِّيها الأشجارُ، حيث يعيش الأسدُ في الأحراش، وكان “النمر السيناوي” – الذي انقرض يعيش في وسط سيناء، في محمية سانت كاترين، وفي الأحراش بقلة. وجمع حرش أحراش، وحَرَشَ الضَّبَّ: هَيَّجَهُ لِيَصيدَهُ، حرَشَ الدَّابَّةَ: حَكَّ ظَهْرَها بِعَصًا لِتُسْرِعَ، فالأحراش مكان يضم الحيوانات والطيور والزواحف، كما تحيط بها الأشجار الضخمة العتيقة النادرة.

تقع محمية الأحراش في أقصى الشمال الشرقي لمدينة رفح المصرية، على الحدود مع غزة الفلسطينية، وهي إحدى المحميات الطبيعية، حيث تبلغ مساحتها 6 كم2، وهي ذات طابع خاص لوجود الكثبان الرملية المنتشرة والمثبتة بواسطة أشجار الأكاسيا والأتل، كما يصل ارتفاع بعض الكثبان الرملية إلى حوالي 42 مترًا فوق سطح البحر. وما يميزها وجود العديد من الآبار الارتوازية، وهي آبار خالية من التلوث وذات مياه منخفضة الملوحة تستخدم للشرب.

وتنتشر في المحمية أربعة أنواع من الأشجار، منها: المُثَبِّتْ للكثبان الرملية، ومنها ما يمثل مصدات طبيعية للرياح، وتعتبر هذه الأشجار نادرة – الآن – في مصر، وهي: أكاسيا سالنجا، الإتل أو العبل، الكافور الليموني، السرو العمودي. وتحلق فوق سماء المحمية العديد من الطيور الجميلة منها: القطا – الحمام البري – البومة – القنبرة – أبو فصاد – الشحرور – الحجل، العوسق، القنبر المتوجه – الغراب النوحي – بومة أم صخر. وفي فصل الربيع تكثر بها الصقور، والطيور الجارحة، كما يمر بها في فصل الخريف – طلبًا للراحة بعد الرحلة الآتية من أوروبا – طائر السمان والمرعى والهدهد.

كما تنتشر الثدييات في المحمية ومنها: الجربوع وهو من القوارض، القنفذ الإذاني، الأرانب البرية. وتحيط بالمحمية العديد من الزواحف مثل: قاضي الجبل، السقنقور، سحلية نعامة، الحرباء، ثعلب الفنك – قط الرمال – القنفد طويل الأذن – الضَّب – الورل – الأرانب البرية- الماعز الجبلي- الخرفان – الإبل. وتعد المنطقة أحد المصادر التي تسعى الدولة للحفاظ عليها وحمايتها، كإحدى المناطق المتوقع أن يكون لها آثار إيجابية على حماية التربة، والغطاء النباتي الكثيف وموارد المياه والحيوانات الثديية والزواحف، والطيور البرية المقيمة والمهاجرة.

منطقة الأحراش وترسيم الحدود مع فلسطين

وتأتى أهمية المحمية لوقوعها على الحدود مع غزة من أرض فلسطين، ولقد سكن بجوار المحمية أهالي المدينة من بدو قبيلة الرميلات، والسواركة، وبعض القبائل الأخرى، وقليل من الأسر الفلسطينية النازحة من غزة وخان يونس وغيرها، وأقامت لهم الحكومة المصرية مخيمًا أطلق عليه: “مخيم كندا”، وبمرور الوقت تزاوج السكان من البدو وأهل مدينة العريش، كما حصل هؤلاء تدريجيًّا على الجنسية المصرية. كما شهدت منطقة الأحراش “حادثة الحدود” ووصول “الطَّرَّاد البحري البريطاني” أثناء ترسيم الحدود المصرية الفلسطينية عام 1906م، حيث تم وضع العلامة (1) للحدود المصرية في منطقة الأحراش، بجانب شجرة “المقرونتين” وألواح الرخام الصخرية، وانتهاء بالعلامة (91) في طابا، وحتى رأس خليج العقبة. وقد نصبوا أول عمود في ميناء رفح على تل الخرائب (منطقة الأحراش) بعد ظهر الخميس في ٤ أكتوبر، وآخر عمود على رأس طابا الأربعاء في ١٧ منه عند غروب الشمس.

ولقد أثرت المحميات والأماكن الجميلة على حياة البدو الثقافية والاجتماعية، والنفسية، ففي وقت العصر، وقرب الليل، رأينا الأهالي يذهبون إلى المنطقة للتنزه، كما جاس الشعراء بين أشجار المحمية، ونباتاتها الصحراوية والساحلية، وساروا على شاطئ البحر المتوسط التي تقع المحمية بجواره، وعلى امتداده، وكتبوا -هناك- أجمل القصائد البديعة من الشعر البدوي “النبطي”، كما نصبت الحكومة المصرية معسكرًا للأمن المركزي –الآن– لحماية الحدود المصرية، ولمجابهة عمليات التسلل، والعمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت بعد ثورة 25يناير 2011م، وحتى الآن، والتي على إثرها تم نزوح سكان رفح إلى مدينة العريش، وإلى المحافظات المجاورة أيضًا.