الثاني والعشرون من مايو هو اليوم العالمي للتنوع الحيوي. ويتجلى هذا التنوع في أشكال الحياة: المورثات/ الجينات، والأنواع الحيوانية، والنباتية (وتنوعها داخل الإقليم المعين)، والنظم الإيكولوجية (البحرية، والبرية). وتُقدر هذه الأنواع بما يزيد عن ثمانين مليونًا، لم يصنف منها سوى 1.4 مليون صنف: 750 ألف صنف حشري، 41 ألفًا من الفقاريات، وربع مليون من النباتات، والباقي من اللافقاريات، والفطريات، والطحالب وغيرها.

ورغم أنها تغطي 7% من مساحة اليابسة.. تحتوي غابات المناطق الإستوائية على 50- 90% من الأنواع الحية. حيث تضم 30% من الفقاريات البرية، و96% من المفصليات، وثلثي أنواع النباتات الوعائية.  وتزيد أنواع المخلوقات البحرية من 103 نوعًا في المنطقتين القطبيتين إلى 629 نوعًا في المناطق الاستوائية.

وتعتبر الشعاب المرجانية النظير المائي للغابات الاستوائية حيث تزخر بأنواع حيوية هائلة لا تقارن بمناطق أخرى. وتوجد بكثافة فى المحيطين الهندي، والهادي، وبخاصة في المناطق المدارية منهما. وتزخر بحيرات المياه العذبة، والجزر المنفردة برصيد هائل من الكائنات البحرية، والنباتية. وتوجد في بحيرات وادي الصدع الكبير بإفريقيا أنواع حية متميزة.. كمًّا ونوعًا. وتوفر الثروة السمكية ما يزيد على 15% من البروتين العالمي، وهناك العديد من المستخلصات المشتقة من الأعشاب البحرية تعنى بصحة وجمال الإنسان.

ولغذاء الإنسان.. يُستعمل أكثر من سبعة آلاف نوع من النباتات. وتشكل 20 نوعًا منها 90% من الغذاء المنتج عالميًّا. وتوجد ثلاثة أنواع رئيسة هي الأكثر استهلاكًا: القمح، والذرة، والأرز وتستحوذ على أكثر من 50 % من غذائه.

وبينما يوجد في كل فدان من الغابات الإستوائية بأميركا اللاتينية ما بين 40-100 نوع من الأشجار، في مقابل 10- 30 نوعًا/ فدان في غابات شمال شرق أميركا. أما فى غابات “بورنيو” بماليزيا فيوجد أكثر من سبعمائة نوع شجري/ 15 فدانًا، وهو يفوق أنواع الأشجار الموجودة بأميركا الشمالية. وتستغل النباتات البرية في صناعة الأدوية بقيمة حوالي 40 مليار دولار/ سنويًّا.

تهديد التنوع

كلما كَبر عدد أنواع المنظومة البيئية، كلما كانت أكثر إنتاجًا، واستقرارًا. وتُسرع بتجديد نفسها عند التغيرات البيئية العاصفة. لكن السؤال: ما هي المرحلة المفصيلة الحرجة التي تأذن بإنهيار منظومة بيئية؟. من نماذج معزولة.. تبين ظهور مؤشرات تؤدي لاختفاء أو دخول أنواع غريبة إلى تحول كبير في المنظومة. ومثال ذلك “القندس” الذي أدى اختفاؤه من السواحل الغربية لأمريكا الشمالية إلى إنفجار ديمغرافي لتوتياء البحر (خلد البحر/ السفور)، وتفكك المنظومة البيئية.

 ومنذ عام 1600 وحتى الآن.. انقرض 724 نوعًا بيولوجيًّا. ويوجد 3956 نوعًا مهددًا بالخطر، 3647 نوعًا معرضًا للخطر، 7240 نوعًا نادرًا. وهنالك 25% من التنوع الحيوي معرض لخطر الانقراض خلال 20-30 سنة قادمة. وفيما بين 1970-2005 انحفض معدل تواجد أكثر من 1400 نوعًا من الأسماك، والبرمائيات، والزواحف، والطيور، والثدييات بنسبة 27%. ومن أشد الأنواع تضررًا: الأنواع البحرية التي انخفضت أعدادها بنسبة 28% خلال (1995-2005). وقل عدد طيور المحيطات بنسبة 30% منذ منتصف التسعينات، بينما انخفض عدد الطيور المستقرة فوق اليابسة بنسبة 25%. ومن أكثر المخلوقات التي تضررت الظبي الإفريقي، وسمكة السيف “أبو سيف”، وسمك قرش المطرقة. وقد يكون “البايجي” أو الدولفين الذي يعيش في نهر “يانغتسي” أطول أنهار الصين قد انقرض تمامًا.

 ومن المقدر أن ما بين 30 – 35 % من البيئات البحرية الحرجة، مثل الأعشاب البحرية، والشعب المرجانية، وأشجار المانغروف قد دُمرت. ولا تزال النفايات البلاستيكية تقتل الحياةَ البحرية فضلاً عن التلوث الذي يخلق مساحات من المياه الساحلية تخلو من الأكسجين. فضلاً عن تنامي عمليات التعدين في أعماق البحار، وتزايدَ حرق الوقود الأحفوري بأنواعه (وانبعاثات الكربون) مما يؤثر على المناخ العالمي، ويجعل سطح البحر أكثر حرارة، فيتسبب في ارتفاعٍ في مستواه وزيادةٍ في حموضة المحيطات. مما يؤثر على نمو الشُّعب المرجانية، وكذلك على قدرة بعض الأنواع على التناسل؛ وقد تمثل هذه الظاهرة تهديدًا لأنواع من العوالق النباتية والحيوانية التي تُعتبر بمثابة الركيزة التي تستند إليها السلسلة الغذائية البحرية. هذا فضلاً عن الإفراط والاستزاف التجاري للأرصدة البحرية، والسمكية. حيث استنزف أكثر من نصف مصائد الأسماك فى العالم، واستُنفِد ثلثٌ آخر، وانهار تمامًا نحو 13 % منها.

علم بيئة جديد

يعيد اللحمة بين الإنسان، والكون. وفهم البنية الجوهرية التي تجعل الطبيعة كلاً يتجاوز الحدود والتجزئة التي فرضها العقل البشري. وهنا نحتاج أكثر إلى المثال الأخلاقي، فالأخلاق الحالية ليست على مستوى ديناميكية المعرفة التي تم التوصل إليها. فالكون ـ كما يرى مختصون ـ مؤلف من مجموعة تراتبية من المنظومات المتضمنة في بعضها بعضًا في مستويات متداخلة ومتتالية. وهناك طابعًا كليًّا للبيئة، وتوازنًا ديناميكيًّا يحافظ على الاستقرار عبر الزمن. لكن لم يأخذ هذا التوازن الديناميكي في حسابه إدخال أحد أهم المشوشين/ المخلين بالنظام البيئي، وهو الإنسان. وتبين نظرية “الشواش” (تأثير الفراشة/ الفوضي سابقًا)، أن تغيرات صغيرة للشروط البدئية، يمكن أن تولد آثارًا جهارية مختلفة جدًّا.

ومن جانب آخر.. إن الاختلاف بين مورثات فردين من النوع نفسه هو التنوع البيولوجي الأعمق، والأكثر جوهرية. وقد تتلاعب التقنية الحيوية بهذا التنوع، وتكسر توازناته. ومن هنا فالتوازن البيئي على مستوى المورثات يعني الحفاظ على النوع. واللعب بالمورثات يشكل تهديدًا خطيرًا لصلابة النوع.. كمًّا، ولتوازن المنظومة البيئية، والمشهد الطبيعي ككل. وفي خطوة هامة.. وصلت المناطق المحمية في العالم إلى حوالي عشرة آلاف محمية تغطي ما يقرب من 6% من مساحة الأرض. وهنالك عدة معاهدات عالمية تسعى الدول عبرها إلى تعميق الحفاظ على التنوع الحيوي. والحفاظ علي جميع أشكال الحياة في بنيتها، وشكلها، وأنسجتها، وعلاقاتها التكاملية، وتناغمها فيما بينها بدءًا بأصغرها المجهري إلى أكبرها كالأشجار والحيتان العملاقة. ذلك لأن: الحياة تنوع، والتنوع حياتنا، وهو هبة من الحي القيوم، سبحانه وتعالى.