الوقود الحيوي نافذة نحو المستقبل

على الرغم من التطور الحضاري والتكنولوجى الذي شهده العالم زمن الثورة الصناعية وما تلاها، فإن العالم ما زال يعانى مخاض الحروب والأزمات التي ما تخبو في جانب حتى تتأجج في جانب آخر، لم تعد الأزمات التي تواجهها الأمم قاصرة على حروب دامية تشنها القوى الكبرى على الأمم المستضعفة لنهب ثرواتها أو لتأمين نفوذها وفرض سيطرتها فحسب! بل تفرعت الأزمات لتشمل مواجهة صريحة مع الطبيعة والتغيرات المناخية مرورًا بأزمات الطاقة والمياه ثم الأوبئة، ولعل لأزمة الطاقة وما ترتب عليها من تداعيات قصب السبق في هذا الميدان لارتباطها الوثيق بالبيئة التي يعيش بها الإنسان، لذلك يجدر بنا في هذا المقال أن نستعرض أزمة الطاقة الحالية ثم ندلف بالحديث عن الوقود الحيوى كأحد السبل المقترحة لمواجهة تلك الأزمة العالمية.

أزمة الطاقة العالمية

ارتبط مفهوم الطاقة في حياة الإنسان كارتباط الإنسان بظله، وتمثلت هذه الطاقات في استغلال القدماء لحرارة الشمس في التدفئة، وتجفيف ثمارهم، مرورًا باستغلال النار في التدفئة والطهي، ثم وصولاً لاستغلال طاقة الأنوية في المفاعلات النووية، كذلك استغلال طاقة الرياح وأمواج المحيطات وطاقة المد والجزر والتطوير المستمر في تطبيقات الطاقة الشمسية، وما كان لهذه الطاقات المتجددة أن ترى النور لولا الأزمة التي يعانيها قطاع الطاقة الأحفورية من مؤشرات النضوب والفناء التي باتت قاب قوسين أو أدنى.

ما الوقود الأحفوري؟

الوقود الأحفوري هو الوقود المتحصل عليه بالحفر في باطن الأرض، متمثلاً في الفحم والبترول والغاز الطبيعي والتي كانت بالأساس غطاءًا نباتيًّا امتص حرارة الشمس وطاقتها، أو مواد عضوية كُمرت بفعل التغيرات البيئية في باطن الأرض محتفظة بطاقة الشمس بداخلها.

كيف يعمل الوقود الأحفوري؟

كما قلنا إن طاقة الشمس كامنة داخل تلك الوُقد الأحفورية، فعند الاحتراق تنبعث هذه الطاقة متحولة من صورتها الحرارية إلى صور أخرى من الطاقات، ولعل أبرزها تحويل هذه الطاقة إلى طاقة ميكانيكية حركية تعمل على إدارة التوربينات التي تولد الطاقة الكهربائية، أو لطاقة حركية تعمل على حركة المكابس في محركات الاحتراق الداخلي للسيارات والمركبات.

جهود العلماء لمواجهة الأزمة

تضافرت جهود العلماء منذ سبعينات القرن الماضى لرسم خارطة لمستقبل الطاقة العالمي لا سيما المجتمعات الغربية التي باتت رهينة لتحكم دول الخليج والعالم العربي في منع النفط عنها كما حدث في حرب أكتوبر 1973 م، إذ تمثل هذه الدول النصيب الأكبر من تواجد النفط بأراضيها، منذ ذلك الحين بدأ يفكر العلماء في المستقبل محاولين وضع السبل البديلة للوقود الأحفوري الذي بات رهين الفناء، وكان التفكير في وسائل متجددة للطاقة حتى يتجنبوا السير في فلك مفرغ نهايته كبدايته، حاول العلماء استغلال طاقة الرياح وحركة الهواء، وتم وضع تصاميم متعددة لتوربينات الهواء لاستغلال تلك الطاقة في توليد الكهرباء وعمليات طحن الحبوب، حاول آخرون الاتجاه إلى أمواج البحار والمحيطات في إدارة توربينات الطاقة الكهربائية ثم مرورًا بالتطوير والتحسين المستمر لمجمعات الطاقة الشمسية ورفع كفاءة الألواح الشمسية وبطاريات تخزين الطاقة.

اتجه فريق آخر من العلماء إلى نوع آخر من الطاقات المتجددة وهي الطاقات الناتجة من المواد العضوية لا سيما طاقة الكتلة الحيوية (البيوماس) والتي تمثلت في النباتات أو مخلفاتها على وجه الخصوص باعتبارها تنتج بكميات هائلة تؤهلها بجدارة أن تكون طاقة متجددة إذا تيسر إدارتها والتعامل معها وهو ما يعرف باسم الوقود الحيوي.

ما الوقود الحيوي؟

الوقود الحيوي: هو وقود نظيف متجدد ينتج من الكائنات الحية سواء نباتية أو حيوانية، ويعتمد على تحويل الكتلة الحيوية للحبوب أو المحاصيل الزراعية مثل الذرة وقصب السكر إلى إيثانول كحولي أو المحاصيل الزيتية، مثل فول الصويا وزيت النخيل والشحوم الحيوانية إلى الديزل الحيوي مع العلم أن هذا الوقود يستخدم في عمليات الإنارة وإدارة المركبات، ومن أشهر الدول الرائدة في إنتاج الوقود الحيوي (أمريكا- البرازيل- ألمانيا– السويد- كندا– الصين- الهند).

أنواع الوقود الحيوي وأجياله

أشهر أنواع الوقود الحيوي هو الغاز الحيوي المعروف باسم البيوجاز والذي ينتج من التخمر اللاهوائي للكائنات الحية، ومنها الإيثانول الحيوي والذي ينتج من عملية التخمر للكتلة الحيوية مثل الذرة وقصب السكر أو المواد الليجنوسيلولوزية، ومنها الديزل الحيوي والذي ينتج من تحويل المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وزيت النخيل والشحوم الحيوانية من خلال عملية القسطرة.

ومر إنتاج الوقود الحيوي بعدة أجيال وهي:

 الجيل الاول: في هذا الجيل تم الاعتماد على محاصيل غذائية كالذرة وقصب السكر وفول الصويا وزيت النخيل وغيرها من المحاصيل المهمة في إنتاج الإيثانول والديزل الحيوي.

الجيل الثاني: في هذا الجيل تم الاعتماد على المحاصيل الغيرغذائية خاصة المواد اللجنوسيلولوزية لإنتاج الوقود الحيوي السليلوزى والميثان الحيوي والهيدروجين الحيوي.

الجيل الثالث: في هذا الجيل اتجهت أنظار الباحثين نحو استخدام الطحالب لإنتاج الزيت الطحلوبي والذي يمكن توليد ما يقرب من 50 % زيت من وزنه الجاف مع سرعة نموه واستخدام نواتجه الثانوية عالية القيمة في إنتاج الأسمدة والأعلاف.

الجيل الرابع: وفيه يتم تحويل الزيت النباتي والديزل الحيوي إلى ما يشبه البنزين ويعتمد على إنتاج وتطوير محركات قابلة لعملية الخلط والتهجين بين الوقود الحيوي والوقود الأحفوري.

الوقود الحيوي… الواقع والمستقبل

إن مساهمة الوقود الحيوي الحالي في سوق النقل محدودة لا تتجاوز (10- 12 %)، بينما يمثل النفط والفحم والغاز نسبة قد تصل إلى 82 % بحلول عام 2030 م كما يتوقع الخبراء، والسبب في ذلك هو انقسام المجتمع العلمي بين مؤيد ومعارض لفكرة التوسع في إنتاج الوقود الحيوي مع العلم أن لكل فريق آراؤه المنطقية حول مستقبل الوقود الحيوي على هذا النحو.

الفريق المؤيد للتوسع في إنتاج الوقود الحيوي

يرى هذا الفريق أن التوسع في إنتاج الوقود الحيوي له عديد من المزايا، ومنها رخص تكلفته، وإمكانية إنتاجه في أي وقت وفي أي مكان، مع توافر موارده الأولية خاصة إذا تم الاعتماد على الجيل الثاني من المواد السليلوزية أو الجيل الثالث من الطحالب المائية، مع نظافة هذا المصدر، وعدم إضراره بالبيئة، مما يعني اتشاح عرش الطاقة المستقبلي باللون الأخضر وإعلاء قيمة الأراضي الزراعية واستصلاح كثير من الصحاري والأراضي القاحلة، وخلق ملايين فرص العمل، وزيادة ربحية المزارعين والفلاحين، وتنشيط صناعات كثيرة مرتبطة بعملية الزراعة، مثل صناعة الأسمدة والمبيدات الحشرية مع توافر خطط دعم التنمية المستدامة في الدول النامية، وخفض معدلات الفقر، وتراجع أسعار الطاقة العالمية، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإنتاج مواد بروتينية لعملية الإنتاج تستخدم في أعلاف الحيوانات.

الفريق المعارض للتوسع في إنتاج الوقود الحيوي

يرى هذا الفريق أن التوسع في إنتاج الوقود الحيوي سوف يؤدي إلى تغير استخدام الأراضي الزراعية، ومن ثم تحويل الحقول الزراعية المنتجة للمحاصيل الزراعية إلى مناجم كبيرة لإنتاج محاصيل الطاقة، مما يصحبه إخلال في التنوع الزراعي العالمي، والجور على الغابات والمناطق الخضراء المحمية، وزيادة معدلات انجراف التربة، وارتفاع مستويات التلوث المائي والجوي لزيادة معدلات الأسمدة والمبيدات التي يتطلبها زراعة هذه المحاصيل، كما أن زراعة مثل هذه المحاصيل على حساب المحاصيل الغذائية سوف ينعكس سلبًا على الدول النامية التي تتلقى كثيرًا من المعونات الغذائية، مما يؤثر على الأمن الغذائي العالمي، وحدوث كثير من الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية والسياسية، كما يتوقع هؤلاء الخبراء تنامي الصراع على الموارد المائية لاستخدامها في ري هذه المحاصيل، حيث يحتاج اللتر الواحد من الوقود الحيوي من إيثانول الذرة إلى أربعة لترات كاملة من المياه، ولا شك أن هذه التداعيات ستؤدي أيضًا إلى زيادة معدلات موت الأطفال ونقص أعلاف الحيوانات وزيادة أسعارها.

وخلاصة القول: أن الوقود الحيوي قد يصبح قاطرة نجاة للشعوب والمجتمعات إذا تجنبنا إنتاجه من المحاصيل الغذائية، وتم الاعتماد في إنتاجه على الجيل الثانى من المواد السليلوزية أو الجيل الثالث من الطحالب، على أن يكون إنتاجه في مناطق استصلاح جديدة أو مناطق قاحلة مع توفير مصادر المياه المعالجة لإنتاجه حتى لا يتأثر القطاع الزراعي وقطاع المياه والمحاصيل الغذائية الرئيسية، وهنا نكون قد جمعنا بين فوائد إنتاج الوقود الحيوي وحاولنا جاهدين التقليل من مخاطر إنتاجه كما يرى الفريق المعارض للتوسعية.