تعتبر محمية الزرانيق من أجمل المحميات الطبيعية في مصر، حيث تقع في الجزء الشرقي من بحيرة البردويل على مسافة حوالي 25 كيلو مترًا غرب مدينة العريش، وتغطي حوالي 250 كيلو مترًا مربعًا، ويحدها من الشمال ساحل البحر المتوسط، ومن الجنوب طريق العريش القنطرة، ومن الشرق مناطق التنمية السياحية الممتدة من العريش غربًا.

وقد سميت المحمية بالزرانيق، نسبة إلى المسطحات المائية المتداخلة والمتعرجة التي تتخلل السبخات في المنطقة. وبلغ أقصى ارتفاع لها حوالي 30 م فوق مستوى سطح البحر، في منطقة الكثبان الرملية التي تنتشر في الجزء الجنوبي للمحمية.

وتتميز الزرانيق برطوبة أرضها، وهي ذات أهمية دولية للطيور المهاجرة، مما أكسبها شهرة واسعة النطاق، وأصبحت مركزًا لاستقبال السائحين والباحثين والمهتمين بالبيئة، فهي تضم أمثلة فريدة لبيئات حوض البحر المتوسط، كما تتميز المحمية بالتنوع البيولوجي، حيث تحتوي الزرانيق على العديد من الأنظمة الإيكولوجية، منها: البحيرة المالحة، الحشائش البحرية الشاطئية، السبخات الملحية، الرمال، السبخات الطميية، الكثبان الرملية، الجزر، السهل الشاطئي، ولكن أهم هذه البيئات من حيث التنوع البيولوجي، هي:

الجزر: وخاصة جزيرة الفلوسيات، التي تحوي حوالي 76 نوعًا من النبات النادر، والعديد من أنواع الحشرات، والزواحف والثدييات والطيور.

السهل الشاطئي: الفاصل بين البحيرة والبحر المتوسط، والذي يشمل نظامين بيئيين شديدي الحساسية، وهما الكثبان الرملية والسبخات الملحية. وتشمل الكثبان الرملية 13 نوع من الثدييات و12 نوعًا من الزواحف و61 نوعًا من الحشرات، العديد من أنواع الطيور. أما السبخات فتشتمل على 11 نوعًا من الثدييات، العديد من الحشرات النباتات.

أما منطقة النباتات المحبة للملوحة والسبخات الطميية وأحواض إنتاج الملح: فهي تمثل أهم أنظمة المحمية بالنسبة للطيور، حيث يقطن بها العديد من أنواع الطيور المهددة بالانقراض، مثل مرعة الغلة والعقاب الملكي.

ويمر بمحمية الزرانيق أكثر من 260 نوع من الطيور المهاجرة، معظمها من الطيور المائية، بينما يصل عدد الطيور المقيمة إلى 8 أنواع فقط. كما تم رصد العديد من الطيور المهددة دوليًّا بالانقراض، مثل مرعة الغلة، أبو اليسر أسود الجناح، الشرشير المخطط والزرقاوي الأحمر، المرزة البغثاء، صقر الجراد، العقاب الملكي.

كما تم رصد العديد من الأنواع النادرة الأخرى، مثل نباتات ألدا، البوصيل، الهيميرا، المزرور، المليح، القلآم، وأنواع محلية مثل الرطريط المصري، وأنواع مهددة من الثدييات والزواحف كثعلب الفنك، قط الرمال، السلحفاة المصرية، الورل الصحراوي، الترسة. وبوجه عام، تحوي المحمية أكثر من 770 نوعًا، منهم 54 نوعًا مهددًا بالانقراض، ونوعين محليين.

كما تحظى محمية الزرانيق بتنوع كبير من الفقاريات واللافقاريات. كذلك الثدييات فقد تم تسجيل 11 نوعًا من الثدييات في منطقة الزرانيق منها اليربوع (البيوض) وهو من القوارض التي تعيش في المناطق الرملية. يُمضي النهار في جحور وأنفاق يحفرها في الرمال وتتميز هذه الجحور بثبات درجات الحرارة. والجربوع من الحيوانات التي تنشط ليلاً للحصول على غذائها المكون من البذور والثمار، ومن العجيب أن هذه الحيوانات لا تشرب الماء إلا نادرًا.

ومنها : فأر الرمل السمين الذي يعيش في أراضي السبخات ويتميز هذا النوع من القوارض بأنه من الثدييات القليلة التي تنشط أثناء النهار. ويتغذى على النباتات الملحية المنتشرة في المناطق التي يعيش فيها. أما القنافد فهي حيوانات بطيئة الحركة حادة السمع والشم ضعيفة الإبصار تتغذّى على الحشرات والزواحف الصغيرة وهي ليلية يكثر نشاطها في فصلي الربيع والصيف. ويعتمد القنفد في دفاعه على الأشواك الحادة التي تكسو ظهره، وعند شعوره بالخطر يتحول إلى كرة من الأشواك يصعب الاقتراب منها، ويوجد نوع واحد بالمحمية هو القنفد الأذاني، ومن أصغر أنواع الثعالب وأجملها ثعلب الفنك حيث يتميز بكبر حجم أذنيه وحدّة بصره مما يساعده في الحصول على الغذاء من الحشرات والحيوانات الصغيرة أثناء الليل، وهو صياد ماهر ونادرًا ما يشرب فهو يحصل على السوائل اللازمة له من الفرائس التي يلتهمها، وهو من الأنواع المهددة بخطر الانقراض نتيجة تعرضه إلى الصيد الجائر بغرض الحصول على الفراء الجميل الذي يغطي جسمه، أما قط الرمال فهو من الثدييات النادرة في الصحاري المصرية، يتميز برأس مفلطحة وفراء كثيف ولونه يقارب لون الرمال، مما يساعده على التخفّي أثناء الصيد، وهو حيوان ليلي يتغذّى على القوارض والحيوانات الصغيرة.

كما تغطي سماء المحمية العديد من الطيور المقيمة، والمهاجرة من أوروبا، آسيا، إلى إفريقيا حيث تعتبر المحمية من أهم الممرات الرئيسة لهجرة الطيور حيث تتجمع مئات الآلاف منها بالمنطقة بغرض الراحة والتزود بالطعام قبل استكمال رحلتها الشاقة عبر الصحراء إلى أفريقيا حيث تقضي الشتاء. ويمثل نهاية شهر أغسطس وبداية شهر سبتمبر ذروة هجرة الطيور بمحمية الزرانيق أثناء فصل الخريف. لقد تم تسجيل ما يزيد على 270 نوعًا من الطيور معظمها من الطيور المائية الهاجرة ويعتبر بط الشرشير الصيفي من أكثر الطيور عددًا حيث سجل في أحد المواسم ما يزيد على 220 ألف طائر، كما سجلت مئات الآلاف من الطيور الأخرى من أهمها البجع الأبيض، البشاروش، البلشونات المختلفة، والطيور الخواضة والنوارس والخطافات البحرية. الصقور، وتمر الطيور المائية على هيئة أسراب متلاحقة تطير بمحاذاة الشاطئ آتية من جهة الشرق ومتجهة إلى الغرب، ومن ناحية أخرى تهاجر مئات الآلاف من الطيور تمثل العديد من الأنواع، عبر البحر المتوسط لتجد الراحة والحماية في محمية الزرانيق مثل السمان، المرعى، الهدهد، الأبالق. كما تمر في المنطقة الآلاف من الطيور الجارحة والعنز الأبيض خلال فصل الربيع مستغلة تيارات الهواء الدافئة التي تساعدها على العودة إلى مواطنها الأصلية.

وتعتبر محمية الزرانيق من المناطق الفقيرة بالنسبة للطيور المقيمة والمتكاثرة حيث يتكاثر بالمنطقة ثمانية أنواع منها القنبرة المتوجة، وهي من الطيور الشائعة والمقيمة بالقرب من السبخات وكذا المكاء، الذي يقطن الكثبان الرملية، النكات الذي يتواجد في المناطق الضحلة ذات القاع الطيني. وتمثل الأعداد المستوطنة بمحمية الزرانيق من أبو الروس السكندري والخطاف الصغير نسبة كبيرة من تعداد هذين النوعين بحوض البحر المتوسط.

كما يقطن المحمية حوالي 22 نوعًا من الزواحف أهمها: سحلية الرمال، وهي من أكثر الأنواع النهارية شيوعًا في بيئة الكثبان الرملية، وتشاركها أنواع أخرى نفس البيئة مثل: السقنقور، الدفان، سحلية أوليفر، ويقتصر أغلب توزيع زواحف: قاضي الجبل (Trapelus savignii) العالمي على شمال سيناء، ولهذا فإن للمحمية أهمية خاصة للحفاظ على هذا النوع. كما تنتشر بالمحمية الحرباء، الورل الصحراوي، وهو أكبر الزواحف البرية آكلة اللحوم بالمحمية، يقطع مسافات طويلة بين البيئات المختلفة باحثًا عن غذائه من الفرائس المتنوعة. وهناك أنواع تنشط أثناء الليل مثل ثعبان البسباس الجبلي، البرص واسع العينين والحية القرعاء، وهي النوع الوحيد من الثعابين السامة الموجودة بالمنطقة. وهناك عدة أنواع من الزواحف المعرضة لخطر الانقراض في المحمية منها السلحفاة البرية المصرية التي اختفت في الآونة الأخيرة من المنطقة وهناك جهود لإكثارها وإعادتها إلى مناطقها السابقة، والسلحفاة الخضراء والسلحفاة كبيرة الرأس، وهما من الأنواع البحرية التي تضع بيضها على الشواطئ الرملية بالمنطقة.

وتعتبر المحمية من المناطق التي تتنوع بها النباتات والأشجار التي تعد أحد عناصر البيئة الطبيعية الهامة، تُضفي على المنطقة الحياة والجمال، حيث تعمل على تثبيت التربة وتزيد من خصوبتها، كما تلعب النباتات دور أساسي في حياة العديد من الكائنات، فيعتمد البعض منها عليها كغذاء أو كمأوى أو ملجأ من الأخطار. ومن هذه النباتات: الثمام وهو نبات نجيلي معمّر فيعمل على تثبيتها كما أنه من أفضل نباتات المراعي الطبيعية، نبات النصي المكنسي، شجيرات العادر، المعمرة التي تنمو بغزارة على الكثبان الرملية المتحركة فتعمل على تثبيتها، تكما تميز باحتوائها على نسب مرتفعة من الزيوت العطرية النفّاذة والمركبات الأخرى التي تستخدم كمبيدات حشرية. وتنتشر في مناطق الكثبان الرملية أنواع أخرى عديدة من أشهرها المثنان، والحاد، أشجار الرتم، أما الرطريط الأبيض فهو نبات يتحمل الملوحة ووجوده يدل على ارتفاع نسبة أملاح الكالسيوم، لذلك فهو كاشف جيد لنوع التربة وتركيبها الكيميائي، الغردق، أو الغرقد: وهو شجيرات معمرة واسعة الانتشار في الأراضي الملحية الجافة. ثماره اللبية الحمراء ذات مذاق طيب وصالحة للأكل وتتغذّى عليها بعض أنواع الطيور، نبات الهالوك (ذقن الجن) وهو نبات زهري كامل التطفل على غيره من النباتات وأوراقه مختزلة إلى حراشيف صفراء وبنية اللون، الخريزة وهي نبات عصيي يختزن كميات كبيرة من الماء له قيمة غذائية عالية، لذلك فهو يصلح للإكثار كمحصول علف جيد في الأراضي التي لا تصلح لزراعة غيره من النباتات، كما توجد أنواع أخرى من النباتات البحرية مثل حشائش البحر التي توجد بكثرة في البحيرة تحتمي بها وتتغذّى عليها أنواع من الأسماك.

أما الحياة البحرية في المحمية فهي تضم عدة بيئات بحرية متمثلة في مياه البحر المتوسط والجزء الشرقي من بحيرة البردويل تعيش فيها أشكال متباينة من الكائنات، مثل الرخويات، القشريات، المحاريات، الأسماك، السلاحف البحرية والدرافيل. وتمثل الأسماك أحد الموارد الهامة بمنطقة المحمية وأهمها الدنيس، أسماك العائلة البورية، القاروص، سمك موسى إلى جانب الجمبري والمحارات، كما تكثر القواقع والأصداف البحرية، وغير ذلك.

وفي هذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية عاش بدو سيناء، – على أطراف المحمية – يصطادون في مواسم الصيد، ويأكلون الأسماك والمحارات والقواقع، ويصيدون الغزلان وحيوانات البر المتعددة، كما يقومون بالزراعة، ورعي وتربية الماعز والخراف والإبل، كما يقومون بإستخراج الملح من سبخة الزرانيق، ومن البحيرة المحيطة بها في منطقة ملاحات سبيكة، كما أقاموا شركات لاستخراج أجود أنواع الملح البحري، والصخري، والتي تصدر الآن إلى كثير من دول العالم.

وتعتبر محمية الزرانيق من أفضل المحميات في العالم، حيث توجد داخل نطاق محمية الزرانيق مواقع أثرية أهمها: منطقتي الفلوسيات، الخونيات وتضمان مستوطنة رومانية قديمة تسمّى أوستراكين، وكنيستان ترجعان للعصر البيزنطي، وبعض الشواهد الأثرية التي تنتمي إلى العصر الإسلامي. ويرجع اسم الفلوسيات إلى أن البدو اعتادوا العثور على العملات المعدنية الأثرية بالمنطقة (الفلوس).

هنا عاش أهالي سيناء حياة البادية الجميلة، بين متعة البحر والصحراء، وبين مناخ سيناء: “الأفرو-آسيوى”، فتكونت لهم خصوصية، وثقافة مغايرة، ترتبط بالأصالة وعبق الأجداد، وترنو إلى الحداثة بعين الموروث، فيتعانق الماضي بالحاضر، وتتجلى الأحلام للمستقبل، على شاطئ المتوسط الساحر الجميل، وحكايات السامر في الليل، حيث المكان يحكى تاريخ الإنسان في سيناء الساحرة.