المتأمل في الكون، المتدبر لـ ” كتاب الله تعالى المنظور” يجد كمًّا هائلاً من الكائنات الحية، والمشاهد والمظاهر والصور والمواقف تدل ليس فقط ـعلى نعمة الإيجاد من عدم (الخلق) لهذا العدد الهائل من المخلوقات المتنوعة. بل سيجد أيضًا، إشارات بينات على (هداية)، و(إرشاد)، و(تسديد)، و(رزق)، و(تعليم) الله تعالى لها لتدل على خالقها ومُسخرها لعمارة الكون، ولتؤدي دورها ووظيفتها، وتنال رزقها وتحفظ نفسها، وتتواصل فيما بينها على الوجه الأنسب والأفضل دومًا. هذه سلسلة قطوف من حدائق المخلوقات تسعى للتدليل على ما سبق، فتأمل وتدبر.

التكافل بين المخلوقات

1- (سمكة المهرج وشقائق البحر)

من بين “السُنن/ الظواهر” المعيشية والاجتماعية التي وضعها الخالق سبحانه بين مخلوقاته: ظاهرة التكافل. وهو لغةً: التعهد والتعاون، والتربية والإنفاق على المكفول، وتكفل بالأمر: أوجبه على نفسه، والتزم به أداءً، واستحقاقًا.

أما “التكافل” اصطلاحًا فهو: “المشاركة في الحياة بين كائنين بحيث تكون الرابطة بينهما وثيقة، وعلاقتهما مُرضية، ويتبادلان المنفعة/ الخدمات لصالحهما، ويقوم كل منهما بسد حاجة الآخر، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً”. وتختلف ظاهرة “التكافل” عن ظاهرة “التطفل” اختلافًا واضحًا. إذ العلاقة بين المُتطفل وعائله تقوم على “الاستغلال والمنفعة الفردية”، حيث يستفيد الأول ويقع الضرر على الثاني.

وتقيم سمكة المهرج (Amphiprioninae) ( Clownfish)‏ ذات الألوان الجميلة الزاهية (علاقة تكافلية) مع شقائق البحر من الحيوانات اللافقارية. حيث تقوم الشقائق بتوفير “مظلة دفاعية” تحميها من مفترسيها. لذا فنادرًا ما تبتعد السمكة (التي تعيش في المياه المالحة مسافات كبيرة عن “مأواها” من الشقائق. وعندما تلاحق من قبل سمكة مفترسة فإنها تختفي بين مجسات الشقائق. وحُبيت هذه المجسات خلايا لاسعة تفتك بمن ينزلق داخلها، فيتم التهامها. وبالمقابل تمتلك سمكة “المهرج” مادة مخاطية جلدية تقلل حدة لسعات وسمية مجسات الشقائق. وفي نفس الوقت تقوم سمكة “المهرج” بالعناية بالشقائق ومجساتها، وتنظيفها من المجسات النافقة. كما تجلب لها الفرائس التي قد تسقط بعيدًا عن متناولها.