الاستنساخ وصلته بالأخلاق

الاستنساخ في الاصطلاح العلمي، هو عبارة عن زرع خلية إنسانية أو حيوانية جسدية تحتوي على المحتوى الوراثي كاملاً في رحم طبيعي أو صناعي، بهدف إنتاج كائن حي -حيوان أو إنسان- في صورةٍ طِبْق الأصل من نظيره صاحب الخلية الأولى.

في أوائل ثمانينيات القرن الماضي شعر العديد من الخبراء بالإحباط بشأن الجوانب العملية للاستنساخ بسبب عقبة بدت مستعصية على الحل، مفادها أن كل خلية بالجسم تنشأ من بويضة واحدة مخصبة، تحتوي في حمضها النووي على كل المعلومات اللازمة لبناء كائن حي كامل، حيث تنمو خلية البويضة الملقحة وتنقسم، وسرعان ما تكتسب الخلايا الجديدة ببطء خصائص خاصة، ثم تتطور كمثال إلى جلد أو دم أو عظام. لكن كل خلية -أيًّا كانت متخصصة- لا تزال تحمل بنواتها مجموعة كاملة من الحمض النووي، وهو مخطط كامل لكائن حي. وبدت مشكلة العلماء عويصة ولا مفر منها، فإذ كان يفترض أن نواة الخلية الناضجة التي تطورت أو تمايزت بحيث يمكنها القيام بوظيفة معينة بالجسم، ولا يمكن ببساطة جعلها تعمل كنواة الخلية، فهي جنين لم يبدأ بعد عملية التعلم للعب دوره الخاص، رغم أن الحمض النووي مع كل الجينات اللازمة كان بالخلية المتمايزة. وكانت المشكلة تكمن بكيفية تشغيله بحيث يوجه عملية النمو التي تبدأ بالبويضة، وتمثل السؤال الأساسي للباحثين والعاملين بمجال الاستنساخ، فيما إذا كان يمكن استخدام الجينات الموجودة بخلية ما بالغةٍ في تكوين حيوان جديد له نفس الجينات.

والمعلوم أنه بأوائل القرن العشرين، كانت برامج تحسين النسل بالولايات المتحدة مسؤولة عن التعقيم اللاإرادي للآلاف البشر، وسرعان ما حذت ألمانيا النازية حذوها؛ فأقامت برامج تعقيم وحاولت بالنهاية القضاء على غير “الآريين”. وفي الوقت الحالي فإن أي محاولة للقيام بذات التجارب، يمكنها أن تشكل عملية تخزين الجينات غير العادية لأغراض الاستنساخ بداية لسباق رئيسي جديد، قد يصل بالعالم لنفس النتائج التي وصلت إليه بالحرب العالمية الثانية.. بجانب وجود مسألة رئيسية أخرى يجب مراعاتها، وهي أن الجنس البشري لا يزال يتطور، ففي الوقت الذي أكد فيه بعض علماء الأحياء سابقًا توقفنا عن التطور منذ 50 ألف عام، فقد حدد الباحثون أكثر من 700 جين بشري تطورت على مدار الـ10 آلاف عام الماضية.

لذلك بدأ الباحثون للتو، في فهم لماذا وكيف نتطور؟ ولماذا نعتبر أنفسنا منتجًا نهائيًّا؟ وبخصوص الحجة القائلة بأن الآباء قد يضعون توقعات غير عادلة على طفل مستنسخ من شخص غير عادي، أشار المؤيدون إلى أن مثل هذه المواقف شائعة مع الأطفال على أي حال، حيث يدفع العديد من الآباء أطفالهم للنجاح أو العيش بشكل غير مباشر عبر إنجازاتهم. وقد تظل القضية الأكبر المتمثلة باستنساخ البشر نفسها، موضوع نقاش أخلاقي كبير بالعقود القادمة.. ولكن إذا أصبحت تلك الممارسة قانونية ومقبولة، فيحتمل حدوث تخزين المواد الجينية الأولية للاستنساخ بالمستقبل، كامتداد للاتجاهات الحالية حول استنساخ البشر وبالأخص العباقرة منهم.

فطرة الله

يؤكد الكاتب المصري الدكتور “مصطفى محمود” (1921-2009م) في كتابه “إسرائيل البداية والنهاية” الصادر عام 1997م قائلاً: “في نظري إن ما يحدث هو أول ثورة تنادي بالفقر، والعودة بالحياة إلى عصر مطبعة البالوظة، والذين يزعمون أنهم سوف يتمكنون بذلك من نسخ العباقرة هم واهمون، فالنسخ عملية تخص الشكل والملامح والصفات المادية، والعبقرية شيء آخر لا علاقة لها بالشكل والملامح الجسمانية”.. وأضاف دكتور “مصطفي محمود” بتأكيده على أن العبقرية من أسرار النفوس ومن كوامنها، وهي أسرار غير قابله للنسخ، ولا وجود لها بالجينات، ولهذا لا تورث العبقرية ولا الكمالات الأخلاقية.. فلا يوجد للنبل جينات، ولم تخلق بعدُ مطبعة تطبع لنا نبوة “سليمان”، ولا صبر “أيوب”.. وابن “نوح” جاء كافرًا ولم يرث شيئًا من نبوة أبيه، إنما هي بعض عبثيات هذا الزمان. أما أحلام استنساخ “هتلر” أو حتى “ستالين” أو “بيتهوفن” أو “أينشتين”، فهي تخريف علمي أساسه الهذيان.. ولو استمروا بهذا العبث فلن يصنعوا عظماء بل مسوخ، ولن يخرج من معاملهم أينشتين بل “فرانكشتين”.. ونسخة واحدة من النعجة “دوللي” تكلفت ثلاثة أرباع مليون دولار، واستنساخ الإنسان أصعب بما لا يُقاس من استنساخ دابة.

وحول رأي الشريعة الإسلامية بمسألة الاستنساخ عامة، فالدين الإسلامي اعتبرها ظاهرة عملية منافية لظاهرة الازدواج، أو سنة الزوجية بذلك الكون الذي نعيش فيه، إذ إن الناس خلقهم الله أزواجًا من ذكر وأنثى، وكذلك كافة المخلوقات والنباتات أيضًا.. بل ومن حكمته جل شأنه وقدرته أن العلم الحديث أكد على أن الازدواج قائم في عالم الجمادات، مثلما نراه في الكهرباء كمثال واضح، حتى الندرة وهي وحدة البناء الكوني كله تقوم على “إلكترون وبروتون”، أي شحنة كهربائية موجبة وأخرى سالبة ثم النواة. وقد أشار القرآن الكريم صراحة إلى هذه الظاهرة في قوله تعالى: (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا)(النبأ:8)، وفي آية أخرى يقول تعالى: (وأنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثى * مِن نُطْفَةٍ إذا تُمْنى)(النجم:45-46).

لكن الاستنساخ وعلى عكس فطرة الله التي فطر الناس عليها، يقوم على الاستغناء عن أحد الجنسين والاكتفاء فقط بجنس واحد، وهو ما أكدته إحدى النساء الأمريكيات بقولها: “سيكون هذا الكوكب بعد ذلك للنساء وحدهن”. وكل ذلك ليس بمصلحة الإنسان بأي حالة من الأحوال؛ فالإنسان بفطرته محتاج للجنس الآخر ليس لمجرد النسل، بل ليكمل كليهما الآخر، يقول تعالى: (بَعْضُكُم مِنْ بَعْضٍ)(النساء:25) ليستمتع كل منهما بالآخر. وفي تصوير العلاقة الزوجية يقول تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)(البقرة:187)، لذلك حينما خلق الله آدم عليه السلام وأسكنه الجنة، لم يبقه وحده وهو في الجنة، بل خلق له من نفسه زوجًا وهي “حواء”، ليسكن إليها كما تسكن إليه فيقول تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(البقرة:35)، أي إنه إذا كان كلٌّ من الرجل والمرأة بحاجة لصاحبه ليسكن إليه تقوم بينهما المودة والرحمة، فإن ذريتهما أشد حاجة إليهما أي إلى جو الأسرة المتمثل بالأمومة الحانية والأبوة الراعية وتعلم الفضائل من الأسرة.

المراجع:

(1) الاستنساخ جدل العصر، الشيخ جعفر حسن عتريسي، دار الهادي (بيروت) 2002م.

(2) الإشكالية الأخلاقية للاستنساخ، كمال خابر، جامعة الجزائر كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية (بوزريعة) 2012م.

(3) الاستنساخ دراسة فقهية، عزيزة بنت سعيد بن معيض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (الرياض) 1433م.

(4) الاستنساخ البشري بين الثورة العلمية والضوابط الأخلاقية والفقهية، د. محمد الهواري، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث غير مؤرخ.

(5) الاستنساخ البشري بين الرفض والقبول دراسة فقهية مقارنة، د. عماد عبد العاطي، كلية الدراسات الإسلامية والعربية (القاهرة)، غير مؤرخ.

(6) الاستنساخ البشري بين الإباحة والتجريم في ضوء الشريعة، محمد بن ديغليب العتيبي، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (الرياض) 2005م.