مئوية حراء.. بين الوداع والعطاء

بين مشاعر الحزن على وداع رمزٍ عظيم، والفخر بمسيرته الفكرية العظيمة، تقدم مجلة “حراء” عددها المئوي، محتفية بعقدين من العطاء المتميز، إنها لحظة استثنائية تحمل في طياتها معاني الامتنان لما تحقق، وعزيمة على مواصلة الطريق.
منذ انطلاقتها كانت “حراء” صوتًا للفكر النبيل وجسرًا بين الحضارات، مستلهمة رؤية الأستاذ فتح الله كولن، الذي قادها لتحقيق هدفها في نشر العلم والسلام والتسامح. لقد كان الأستاذ “كولن” مثالاً للعطاء، إذ وهب حياته لزرع بذور الحكمة والمحبة، إنه الرجل الذي أضاء العقول وصقل القلوب، وبنى جسور المحبة والسلام بين الناس.
في هذا العدد المميز، نودع الأستاذ “كولن” بكلمات تفيض بالحزن والامتنان، مؤكدين أن إرثه سيظل حاضرًا في كل فكرة تُناقش وصفحة تُكتب.. ستبقى بصمته الروحية واضحة في “حراء”، التي حملت منذ بداياتها رؤيته الإنسانية العميقة.
هذا العدد يُفتتح برثاء مؤثر للأستاذ “كولن”، مسلطًا الضوء على تأثيره الفريد في مسيرة المجلة، كما يتضمن مقالات علمية وثقافية مبتكرة، مثل “كيف يتعامل الدماغ مع الألوان؟”، و”الظلال: جمالية بيئية وفنية”. وفي مجال التربية، يناقش العدد “أدب الطفل في عصر الذكاء الاصطناعي”، ليؤكد ضرورة مواكبة الأدب لاحتياجات الأجيال الجديدة. أما في القضايا الفكرية، فيتناول موضوعات مثل “الذكاء العاطفي” و”مشروبات الطاقة وتأثيرها على صحة الأطفال”، ضمن الالتزام بتقديم محتوى يجمع بين العمق والجاذبية.
إن تقديم العدد المئوي ليس مجرد احتفال بإنجاز تاريخي، بل هو تأكيدٌ على عزمنا الاستمرارَ في أداء رسالتنا الإنسانية.
“حراء” كانت وستظل منصة للفكر الحر، ومصدر إلهام لكل من يبحث عن المعرفة والإنسانية، ستواصل السير على خطى الأستاذ “كولن”، ناشرة قيم التسامح والتعايش والسلام في عالمنا.
في هذه اللحظة الفارقة، نعاهد قراءنا بأن نبقى أوفياء لرؤيتنا، ساعين لتقديم محتوى يعكس جوهر رسالتنا، ومواصلين إرث الأستاذ “كولن” برؤاه الملهمة. إن فقدان الأستاذ ليس نهاية الرحلة، بل بداية لمرحلة جديدة نستمد فيها القوة من رؤاه وأفكاره.
رحم الله الأستاذ “فتح الله كولن”، وأسكنه فسيح جناته. ستبقى ذكراه حيّة في كل فكرة نرسمها، وكل قيمة ننشرها. إننا إذ نودعه، نؤكد أن روحه ستظل تلهم مسيرتنا، وقلمنا سيبقى شاهدًا على عهده الذي لا ينتهي. إنا لله وإنا إليه راجعون.