الطلاق العاطفي وطريقة التغلب عليه

من أهم مقاصد الزواج، التعاون والتراحم والمحبة والعطف والمودة والسكن والاستقرار.. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم:21).

حلم كل فتاة أن تلبس فستان فرح وتغدو عروسة، ويتوسَّع الحلم ويكبر، حتى إنها تنسى ما هو أهم من تلك التفاصيل الصغيرة، فتجد نفسها بعد الزواج أمام رجل لا تطيقه، وبالتالي فلا يمكن لها تركه، ومن الصعب عليها الاستمرار معه على هذه الحالة، فتعيش معه طلاقًا عاطفيًّا تحت سقف واحد.

من بوابة الحرص على سلامة الحياة الزوجية، نبدأ بتعريف الطلاق العاطفي، ومعرفة أسبابه وأثره على الأسرة وعلى الأطفال بشكل خاص، وكيفية ترميم العلاقة الزوجية المتصدِّعة ومعرفة الطريق نحو حياة سليمة.. وذلك من خلال علم النفس وعلم الشريعة الإسلامية.

ماذا يعني الطلاق العاطفي؟

الطلاق العاطفي، يعني أن هناك علاقة بين زوجين تكون غير صحيحة، أي تكون في حالة من غياب المشاعر والتفاهم، وعدم وجود الزوجين مع بعضهما بشكل طبيعي، والذي يجمعهما هو الأسرة والأمور الاضطرارية، علمًا بأنهما يعيشان منفردين تحت سقف واحد، ولكن تطغى عليهما العزلة العاطفية، ونتيجة ذلك تفقد حياتهما حرارتها من حب واهتمام وفرح وما إلى ذلك. فشعور الحب الذي قررا على أساسه الزواج قد أصبح غير موجود وكأن جدارًا سميكًا قد انتصب بينهما. من هنا يمكن أن نطلق على الحالة اسم الطلاق العاطفي أو الطلاق الصامت أو خرس الزواج أو التصحر العاطفي أو البرود العاطفي.

أما الطلاق العاطفي من الناحية الشرعية، فهو التخلي عن الحقوق والواجبات بين الزوجين، مما يجعل الحياة بينهما صعبة جدًّا، يسودها النكد والبغضاء والكراهية.. ما يؤدي إلى الطلاق العاطفي بينهما، وهما لا يزالان يعيشان في بيت واحد، وغير مطلَّقين في المحكمة، يعني أنهما مطلّقان في القلب، فهو ليس طلاقًا شرعيًّا لعدم التلفظ به.

أسباب الطلاق العاطفي

قد تتضافر الأسباب المادية مع الأسباب المعنوية لتشكل أهم بوادر الطلاق العاطفي، منها -مثلاً- بخل الزوج أو إسراف الزوجة، مما يجعلهما يتبادلان الألفاظ البذيئة، وقد تصل المشاحنات إلى الضرب وإلحاق الأذية الجسدية.

وقد تكون هناك أسباب خارجة عن إرادتهما، كمرض الزوج أو الزوجة، مما يترتب عليه تقصير في أداء الواجبات الزوجية بشكل عام.

ومن أهم أسباب الفشل الزوجي، عدم الاحترام بين الزوجين وعدم تقبل الآخر، ما يؤدي إلى شعور كل واحد منهما بأنه قد أساء الاختيار، إضافة إلى عدم الكلام بكل حرية وغياب الود والحب فلا اهتمام ولا تقدير، وغياب فرص سماع الآخر، بل غياب الاحتياجات الأساسية.. فمن الطبيعي أن يؤدي كل ذلك إلى الطلاق العاطفي.

حين يتدخَّل الأهل في حل المشكلة، غالبًا ما تسير الأمور نحو الأسوأ.. من هنا يجب التعوّد على حل الخلافات دون تدخل الآخرين، علمًا بأنه من الضروري استمرارهما مع بعض، وخاصة عند وجود الأطفال. فمن حق أبنائهما عليهما أن يكونا مع بعض أولًا، وأن يوفرا لهم حياة سعيدة آمنة. فالخلافات التي تحدث أمام الطفل، تدمره وتنقله إلى مرحلة نفسية صعبة، وقد تتطور عبر الزمن نحو أمور غير مستحبة.

حين تختلف وجهات النظر والأهداف والرغبات والطموحات بين الزوجين، يصبح كل واحد منهما في طريق مختلف يصعب فيه اصطحاب الآخر، عندها تتوسع الهوة بينهما، ويصبح الخلاف معقدًا.

وقد يكون إدمان أحد الزوجين على تعاطي الخمر أو المخدرات، سببًا هامًّا في نشوب الخلاف الدائم بينهما، وضياع فرصة التواصل في حياتهما بشكل سليم. أضف إلى ذلك عدم توفر المال الكافي الذي يدخل الأسرة في متاهات الفقر، ومن ثم الحاجة الملحة لتأمين أبسط حاجات المعيشة اليومية.

الشعور بالملل وتطور هذا الشعور لدى الطرفين، يبعث إلى القلق، فمن المفترض تجديد حياتهما إما بالعمل أو الترفيه أو السفر وما إلى ذلك.

وللمعاملة السيئة تداعياتها، فهي تجعل الحقد ينمو على حساب الحب، وربما يتطور الأمر إلى حالة من الانتقام مثل الاعتداء الجسدي، مما يجعل العلاقة في حالة من التأجج العدائي، فيتولد شعور الاكتئاب والفشل الزوجي يصعب إصلاحه، بدلًا من أن تكون بينهما حياة حب واحترام.

فمن وجهة نظر الشرع، فقد نصَّ القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)(النساء:19). من هذا الباب، يحبب الله تعالى الزوجين ببعضهما، ويلفت نظرهما إلى عدم الوصول إلى مرحلة الطلاق الحقيقي، فعسى أن يجعل الله فيما كرهتم خيرًا كثيرًا.

أثر الطلاق العاطفي على الأطفال

من الصعب أن يَسْلَم الأطفال من الخلافات الزوجية، فحين يرى الطفل المعاملة السيئة للأم من قبل والده أو العكس، فسوف يضطرب نفسيًّا، وتنمو شخصيته بطريقة غير سليمة، وخاصة أن الطفل في هذه المرحلة العمرية شديد التقليد. من هنا وجب الحذر من أن ينشب أي خلاف أمام الأطفال.

إن الآثار السلبية التي تقع على الطفل جراء الخلافات بين الزوجين كثيرة جدًّا، منها أن الوالدين لن يتفرَّغا لتربية الأطفال بشكل جيد، من حيث التعليم والغذاء والنظافة والاحتياجات العاطفية.. فالطلاق العاطفي يفقد الطفل الأمان والاستقرار، وقد يؤدي ذلك إلى ممارسته بعض السلوكيات الخاطئة داخل المنزل كنوبات الغضب، وطلب حاجاته بالصراخ والتكسير، وقد يستخدم الألفاظ النابية، ومن ثم يتجه إلى البحث عن احتياجاته العاطفية خارج المنزل. كل ذلك سيؤدي في النهاية، إلى حالة من التوتر والاضطراب والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية.

فعندما يعيش الطفل وسط خلافات الأبوين سيضعف تركيزه التعليمي بلا شك، مما يجعله يفشل ويتخذ قرارات غير سليمة مستقبلًا، وقد ينحرف نحو سلوكيات سيئة، منها الهروب من البيت أو المدرسة، وتعلم التدخين، وقد يصل إلى تعاطي المخدرات.. من هنا يصعب على الوالدين تأمين حياة هادئة وسليمة للطفل، فلا يؤثر ذلك عليه فحسب بل وعلى كل أفراد الأسرة وخاصة الوالدين، مما يزيد الأمر تعقيدًا، فتصيبهما نوبات غضب وقلق واكتئاب وما إلى ذلك.

تفادي التصحر العاطفي

من الطبيعي أن تحدث خلافات بين الزوجين، ولكن ليس من الطبيعي أن تتطور إلى درجة البرود العاطفي المزمن، بحيث يصعب على الطرفين الاقتراب من الآخر والتودد، وبالتالي تدهور الحياة الزوجية نحو الحضيض، فيبقى الجو مشحونًا بالصراخ والغضب وتصيُّد الأخطاء وتسجيل المواقف السيئة.. في هذه الحالة عليهما الاعتراف بأن هناك مشكلة عليهما مواجهتها بجدية، فيمكن الابتعاد عن بعضهما مدة قصيرة، فربما يراجع كل واحد منهما نفسه، ويتخذ قرارًا بإصلاح الأمر.. ومن الممكن تغيير المكان والسفر إلى أماكن أكثر راحة، ربما إيجاد طريقة للحوار المجدي قد يصل بالأمور نحو التحسن، ومحاولة الابتعاد عن الألفاظ القاسية وإهانة الآخر.. وليس من العيب في شيء أن يلجأ إلى مساعد “أخصائي زواج”، فهو بإمكانه الوصول إلى نتائج مرضية في حال اقتنع الطرفان بالعودة إلى حياتهما الطبيعية. فاللجوء إلى مساعد مختص في حل المشكلات الزوجية أمر طبيعي، ولا يحتاج إلى خجل أو قلق، بل هو الطريق السليم للمحافظة على استمرار الحياة الزوجية وخاصة إذا كان هناك أطفال.

يمكن للزوج أن يسعى لتأمين كل ما تحبه الزوجة والعكس صحيح، بحيث يشعر كل واحد منهما باهتمام الآخر به ومحبته له، وكذلك الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية المتبادلة تجاه الأقارب. ومن المستحسن عدم التوقف كثيرًا عند حدوث الأخطاء، بل يجب تجاوزها ببساطة، ومحاولة رسم مواقف جميلة ومفاجئة، بحيث تثير اهتمام الشخص الآخر، وتشعره بذاته وبأن له مكانته، كذلك الاتسام بروح المرح والدعابة، مما يضفي جوًّا من البهجة والسعادة.

أما معالجة الطلاق من وجهة نظر الشرع، فعلى الزوجين احترام الآخر وعدم توجيه الإساءة، فهناك إرشادات كثيرة نصها الشرع الإسلامي تتعلق بتوجيه كلا الزوجين فمن شأنها أن تذلل الصعوبات التي بينهما. وقد أظهر الشرع الحنيف بعض التصرفات التي يجب على كلا الزوجين الالتزام بها، مثلًا لا يجوز ضرب الزوجة لزوجها، كذلك عدم إساءة الزوج لزوجته، ويجب التحلي بالصبر، وإعطاء الحقوق والواجبات للطرف الآخر. ولا بد للزوج من أن يوفر العدل إذا تزوج أكثر من زوجة، كما يجب عليهما أن يكونا بصورة حسنة أمام بعضهما، والاعتماد بالدرجة الأولى على النظافة. وفي حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إرشادات من الواجب اتباعها من قبل الزوجين أيضًا، قال عليه الصلاة والسلام: “ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوانٌ عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجعِ واضربوهن ضربًا غير مبرِّحٍ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. ألا إنَّ لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا، فأما حقُّكم على نسائكم فلا يوطئنَ فرُشَكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقُّهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن” (رواه الترمذي).

ختامًا نقول، إن نجاح الحياة الزوجية يعتمد بشكل كبير على مدى استيعاب الآخر، وبالتالي تقديم بعض التنازلات التي من شأنها أن تمهّد الطريق نحو الحياة المستقرة. والمعاملة الطيبة هي عنوان نجاح الحياة الزوجية.. علمًا بأن الطلاق العاطفي، من أكبر المشاكل التي تداهم حياة الأسرة، فعوض أن يتجه الزوجان إلى تلبية حاجات العائلة ماديًّا ونفسيًّا، يشعلان نارًا قد تهب فيها الرياح في أية لحظة فتحرق مستقبل حياة الأسرة وتدمر السعادة. 

(*) كاتبة وصحفية سورية.