إكليل الجبل.. روز ماري

عندما يصعد المرء الجبل تتسرَّب إليه روائح النباتات المختلفة: خزامى، مضعف، نعناع بري، زعتر، أقحوان، كما نعبره روائح أشجار الصنوبر، والأكاسيا، والحور، وأنواع مختلفة من أشجار الفاكهة، وتهب نسمات محمَّلة بأنفاس إكليل الجبل، فيدهش من كل هذا الروائح الرائعة.. من هنا نكتشف روعة السير في الجبال وأية نباتات وزَّعها الخالق ونثرها حولنا!

حين تقبض على وريقات إكليل الجبل وتتحسس ملمسها وتضغط عليها تفركها بين أصابعك فتراها وقد تركت بقعًا خضراء طفيفة وحفنة من عطر عبق نفَّاذ، فيحقّ للجبل أن يتزين بها، ويحق لها أن تكون إكليلاً له.

تدهشك عشبة (إكليل الجبل) الدائمة الخضرة بأوراقها شبه الإبرية الغضَّة وأزاهيرها البيضاء، الزهرية، البنفسجية، الزرقاء الناعمة.

إكليل الجبل نبات له أسماء عدة منها: حصى اللبان، حشيشة العرب، ندى البحر، النبات القطبي، عشب البوصلة، ويعرف في بلاد المغرب بـ (اليازير أو الآزير). كما تسمَّى بـ (روز ماري)، يرجع أصل اسمها (روز- ماري) إلى الكلمتين اللاتينيين: (روز) التي تعني الندى، و (مارينوس) التي تعني البحر.

تنمو في المناطق الدافئة لذلك كانت منطقة البحر الأبيض المتوسط وآسيا هي موطنها الأصلي، لكنها قد تتواجد بشكل قليل في المناطق ذات الطقس البارد، ولديها قدرة عالية على تحمّل الجفاف ونقص المياه لفترات طويلة.

ارتبط أصل تسميتها بمجموعة من الأساطير منها أن مريم العذراء وضعت عباءتها الزرقاء بينما كانت تستريح على نبتة (روزماري) البيضاء فتحول لونها إلى الأزرق ولهذا أطلق على العشبة اسم: (زهرة مريم).

وهناك أسطورة أخرى تقول:

إن صبية جميلة من صقلية، رفضت الخضوع للقهر والدمار، حيث كانت صقلية ترزح تحت سيطرة (سيرس)، وهو إله الدمار والخراب، الذي يسبب ثورة البراكين وقتل الأشجار. فناشدت السكان برمي أنفسهم في البحر. وأثناء سقوطها تعلقت بالمنحدر الصخري، و تحولت إلى زهرة إكليل الجبل.

تستعمل هذه النبتة الفريدة كنبات زينة في الحدائقِ وكذلك لكونها لها تأثيرات في مكافحة الحشراتِ، وهذه ميزة طيبة لها. كما يستخدم مغلي أوراقها عند التعب وضعف الأعصاب، وهي تحضَّر كما يُحضَّر الشاي تمامًا.

ومن اللافت أن أطباء النفس ينصحون باستخدامها كعلاج مساعد لحالات الاكتئاب، ويستخدم زيت إكليل الجبل في صناعة العطور والبخور وفي صناعة الشامبو ومنتجات التنظيف.

تعتبر نبتة إكليل الجبل من نباتات الزينة التي لا تتطلب الكثير من العناية خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط بزراعتها وتنميتها لما يميزها من جاذبية واحتمال للجفاف وسهولة في الزراعة كما أنها مقاومة للآفات.

عرفت نبتة إكليل الجبل في العصور الوسطى بأنها رمزًا لسحر الحب، فكان استخدامها مرتبطًا بمراسم الزفاف، فالعروس تضع تاجًا من إكليل الجبل على رأسها، ويضع العريس وكل رجل من رجال الحفل غصنًا من إكليل الجبل على صدره.

كما ارتبط استخدامها في أوروبا وأستراليا بإحياء ذكرى الحروب والجنازات لما اعتقدوه من خصائص النبتة في تحسين الذاكرة، حيث كان المشيعون يحملونها كرمز لذكرى الميّت. وفي أستراليا تُلبَس أغصان إكليل الجبل في اليوم الوطني.

وكانت أيضًا رمزًا للمعجزة في الشفاء، فقد أعد المجر لإحدى ملكاتهم بلسمًا خارجيَّا من إكليل الجبل المخلوط بالنبيذ لتجديد حيوية الأطراف المشلولة.

كان القدماء أيضًا يستخدمون أوراق إكليل الجبل المهروسة لتغليف اللحوم للمحافظة عليها من الفساد لما تحتويه من مركبات فعالة مضادة للأكسدة، كما أنها تضفي على اللحوم رائحة منعشة ونكهة رائعة.

وكذلك الصيادون القدماء في الأندلس كانوا يضعون إكليل الجبل في جوف الصيد بعد إخراج أحشائه، مما يمنع عنه التعفن والفساد. وقد استمر استخدام أوراق إكليل الجبل لهذا الغرض إلى يومنا الحالي، فصار إكليل الجبل يستخدم في مكافحة مرض (الزهايمر) وتحسين الذاكرة، حيث يحتوي على مواد فعالة مضادة للأكسدة. ومن المدهش أن له القدرة على زيادة فترة صلاحية الخبز.

وإذا رأيت (روزماري) في الحلم فهذا يدلُّ على أن الحزن واللامبالاة سوف يغادران منزلك فهذا مظهر من مظاهر الازدهار. وقيل: هو مال زائد وعلم وولد يرزق به، وإذا رأى الملك أنّ إكليله أو تاجه وضع عن رأسه أو سلب منه، فهذا مؤشِّر على زوال ملكه.

وختامًا نقول: تبهرنا الطبيعة بما امتلكت من نباتات متنوعة، وبما اختصت به كل نبتة وتميزت عن غيرها، فسبحان الله الذي أعطى فأدهش وأغنى.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل الإنسان قادر على حماية ذلك العطاء العظيم؟ نأمل ذلك.