العصفور المكسور والراعي الأعرج

أحيانًا قد يكون الحل بسيطًا جدًّا، بل أبسط مما قد تتصور!

أن تخرج إلى البراري، إلى الفراغ المطلق، إلى الهضاب والحقول.

أن تشرب ماء البئر، أن تمشي حافي القدمين فوق العشب الأخضر واليابس، أن تلامس التراب، أن تعود إلى أصلك وجذورك، إلى الطين..

هل جربت أن تقف متوحدًا مع المطر!

تقف تحت سهامه النازلة عليك تباعًا دون أن تدافع عن نفسك، دون أن تجزع، دون أن تركض، كفارس شهم نبيل يقبل ميتة الحر العزيز..

هل جربت ذلك؟

لست أنسى ذلك العصفور المسكين الذي استنجد بي، كنا في عمر الزهور الباسمة، كان أحد رفاق السوء الطيبين هو من أصابه في جناحه، لقد رماه بحجر، أصابه إصابة مباشرة في جناحه الأيسر، رأيته وهو يحلق بجناح كسير، كان طيرانه ينخفض ببطء، لقد فقط التوازن، لم يعد قادرًا على التحليق عاليًا..

لم نكن قد درسنا الفيزياء بعد، لكنني فهمت ما معنى أن يفقد شخص توازنه!

فهمت ذلك وأنا طفل صغير..  في نفس اللحظة، تذكرت أحد رعاة الغنم، كان طفلاً مثلنا، لكن الحياة كانت تفرض عليه أن يعيش كالكبار، كان يقيم عند أحد الفلاحين، كان يظهر فجأة وبدون مقدمات مع أول نسائم فصل الصيف الحار ثم يختفي مع أول الخريف..

كان يختفي قبل أن تمطر!

لم يكن يأتي للراحة والاستجمام، كان يأتي ليرعى الأغنام…!

أسترجع قصته بعد كل هذه السنين بحسرة ومرارة..

كان حين يقترب منا، إن أغمضت عينيك، تظن أنك قد دخلت حظيرة أو إسطبل، كيف كان المسكين يتحمل ذلك القدر من الأوساخ والرائحة العفنة، كان الأطفال ينادون عليه أحيانًا كي يحرس المرمى، ليس محبة أو عن وعي، لكن فقط لكي يكتمل عدد اللاعبين ويتساوى الفريقان، من حين لآخر كانوا يسمحون له أن يدخل إلى الملعب، لدقائق معدودة، كان حذاؤه البلاستيكي العالي ذو اللون الأسود (البوط) يعيق فعلاً حركته، لكنه كان يركض، كان يركض بجنون كمن عانق حريته..

كأني التقيت بذلك العصفور!

لم أعرف من كسر جناحه وقلبه، وشل حركته..

لست أذكره اسمه، لكن قصته منقوشة في ذاكرتي..