الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

أثر الإعجاز العلمي في إرساء مفهوم تعظيم الله عز وجل

إن تعظيم الله تعالى لهو من أجل العبادات التي اختص الله بها صفوة عباده من خلقه، وإنه لأسمى العبادات القلبية قدرًا ومنزلة بين العبادات التي شرعها الله لنا هداية وتمحيصًا، -وإنه تعالى قدره لهو الغنى عن خلقه-. ولِمَا صار شائعًا في هذا الزمان من مظاهر الكفر به سبحانه، وجهل الخلق به، وإعراضهم عنه؛ من حيث شيوع الكثير من الأمور المنافية لتعظيمه، والمنافية لتعظيم شعائر دينه؛ ذلك وأن روح العبادة وعماد قوامها هو تعظيم الله جل وعلا، فعلى قدر معرفة العبد بربه يكون تعظيم الله تعالى في قلبه، وتوقيره له وخشيته منه، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ([1]) . فأعرَف الناس بالله تعالى أشدهم له تعظيمًا وإجلالاً؛ يقول الفخر الرازي: “عَظُم الشيء أي: كَبُر، فهو عَظْيم” وقال ابن منظور: “العظيم الذي جاوز قدره وجلَّ عن حدود العقول”. فتعظيم الله هو تنزيهه وتوقيره ﷻ وتقديره سبحانه حق قدره، والإقرار له وحده بالألوهية والربوبية والعظمة والكبرياء. إن تعظيم الله وإجلاله لا يتحقق إلا بإثبات صفات الله له كما يليق به سبحانه؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، والذين ينكرون بعض صفاته تعالى ما قدروه حق قدره، وما عرفوه حق معرفته. هذا وإن تحقيق صفات الله يكون من خلال تدبر ومشاهدة أثر هذه الصفات في خلقه وكونه، وإقرار تلك المشاهد الكونية التي تملأ الكون بآيات الإبداع والحكمة في الآفاق وفي الأنفس، يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ([2]). إن هذا المنهاج هو ما سعى إلي تأصيله مفهوم ومنهاج الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ ومن حيث إننا صرنا في زمان تحكمه لغة العلم; عقولا وقلوبًا لا يفتحها إلا مخاطبتها بالإقناع العلمي والمنطقي للأشياء؛ فمن خلال ما توصل اليه العلم حديثًا من ظواهر كونية، أو تلك التي في خلق الانسان من آيات تحمل دلالات علمية يقينية لا ينازعها الشك على عظمة هذه المخلوقات، إنما هي في حقيقتها دليلاً على عظمة خالقها، وحكمته، وحسن تدبيره وتقديره للأشياء؛ خاصة وأنه قد سبق وأخبر بها المصطفى ﷺ عن ربه قبل آلاف السنوات؛ من خلال آيات القرآن الكريم وكذلك من خلال الأحاديث النبوية المطهرة الواردة بصحيح السنن؛ وهو صلوات الله عليه بشرًا أميًّا، لم يكن ليعلم بها دون أن يخبره بها الإله الحق؛ الذي خلق هذا الخلق، والذي أحاط بكل شيء علمًا وخبرًا. إنه الطريق المستقيم لفتح العقول والقلوب، قبل الأعين والآذان، إلى خالقها وباريها؛ تعظيمًا له، وإفرادًا له تعالى بالعبودية الخالصة؛ التي لا ينازعها شك أو ريب، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([3]).

الإعجاز العلمي ودوره في تأصيل مفهوم تعظيم الله عقائديًّا

إن إخبار القرآن الكريم بمغيبات لم يتوصل لفهمها والوقوف على حقيقة معناها إلا منذ زمن قصير، واحتوائه على علوم ومعارف لم تكن معلومة للبشر وقت التنزيل؛ لهو المعجزة التي تقوم بها الحجة على أصحاب العقول والناس كافة في هذا الزمان الذي يفصل بين الحقيقة عدلاً، سلاح العلم بأدواته الصحيحة، حكمًا ارتضى فيه بنو البشر جميعًا. كذلك ويشهد هذا العلم ويٌقر بأن آيات هذا الكتاب المسطورة تتوافق وآيات الكون المنظورة في الآفاق والأنفس؛ في سبق علمي معجز، في زمن العلم ولغته التي سادت كل العقول واللغات. لذلك فإن المعجزة العلمية في القرآن والسنة تعد سبيلاً إلى القلوب من خلال القناعات العقلية بالمسلمات العلمية خاصة إلى غير المسلمين، بل وإنه الوسيلة الأقوى حتى للمؤمنين ليزدادوا إيمانًا وتعظيمًا للخالق جل وعلاوهو مفاد الأمر

إن العقل أسمى شيء في الإنسان، وهو أعظم منحة من الله للإنسان؛ كُرِّم به تكريمًا لا مثيل له، به تميز عن عالم الأنعام والحيوان. هذا وإن المعجزة العلمية في القرآن والسنة تبعث في النفس نورًا يقود إلى الإذعان بعظمة هذا الخالق، يقول الله تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ([4]) ويقول تعالى: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ([5])

شهادات بعض العلماء من غير المسلمين للإسلام وإقرارهم بتعظم الله تعالى

لقد شهد العديد من علماء الغرب ممن كانوا على غير دين الإسلام بعد خوضهم غمار العلم وتيقنهم أن هذا الكون لا يمكن أن يكون إلا بتدبير إله مُحكِم، فردًا صمدًا، له القدرة المطلقة، وبعد أن علموا أن في هذا الدين ما يخبر عن ذلك منذ آلاف السنون في آيات القرآن وفي السنة الصحيحة؛ وجدوا ما يؤكد ما توصلوا إليه الآن من علم في عصر العلم، في حين أن من أخبر عنه كان رجلاً أميًّا، في مجتمع قبلي، في عصر لا يعرف للثورة العلمية معنى.

من هؤلاء العلماء:

العالم كيث إيلي مور: هو أستاذ علم التشريح في جامعة تورنتو بكندا قال: “إن إشارات القرآن عن تطور الجنين، وتفسير الآيات القرآنية المتعلقة بتكون الإنسان، لم يكن ممكنًا  حتى القرن السابع للميلاد معرفتها، مؤكِّدًا أن ما ذُكِر في القرآن عن تطور الجنين يجعل من الواضح أن أصل هذا الكتاب إلهي، وأنه من لدن خالق عظيم“.

البرفسور تاجاتات تاجاسون: أسلم هذا العالم بعدما سمع بالآية القرآنية في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا([6]), قائلاً: إنه لا يمكن لبشر أن يعلم هذا في ذلك الزمان لا بد أن من أخبره إلهًا حقًّا خالقًا وعظيمًا وأن هذا دليلاً على صدق نبيه.

العالم البريطاني آرثر أليسون: هو رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة لندن سابقًا، أسلم هذا العالم وسمَّى نفسه “عبد الله”, وذلك بعدما أجرى بحثًا عن العلاقة بين الموت والنوم وتحقق من أوجه التشابه بينهما، وعندما علم أن هناك آية قرآنية تتحدث عن ذلك في قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ([7]) قائلاً: “إن الحقائق العلمية في الإسلام هي أمثل وأفضل أسلوب للدعوة الإسلامية” ثم قام بإنشاء معهد للدراسات النفسية الإسلامية في لندن، على ضوء القرآن المجيد والسنة النبوية، والاهتمام بدراسات الإعجاز الطبي في الإسلام ؛ وذلك لكي يُوصِل تلك الحقائق إلى العالم الغربي، الذي لا يعرف شيئًا عن الإسلام. كما قام بإنشاء مكتبة إسلامية ضخمة باللغتين العربية والإنجليزية؛ للمساعدة في إجراء البحوث العلمية على ضوء الإسلام.

فوتاكي Votaki طبيب ياباني: هو طبيب ياباني، اعتنق الإسلام وعمره سبع وستون عامًا، والذي كان إسلامه نقطة تحول في اليابان، بل في تاريخ منطقة جنوب شرق آسيا بأسرها؛ كان يدين بالبوذية قبل إسلامه، وبعد قراءته عن الإسلام وعن عظمة هذا الدين بعدما أجرى اتصالاً بعدد من الشخصيات الإسلامية من بينهم رجل مسلم يُدعى :(أبو بكر موري موتو) الرئيس السابق لجمعية مسلمي اليابان- الذي كان يقول له: “كلما زاد عدد المسلمين في العالم ، انتهت مشكلة المستضعفين في الأرض، لأنّ الإسلام دين محبة وإخاء“. بعد أن وجد فوتاكي طريق الهداية في الإسلام، قرَّر هو وابنه، وصديق آخر اعتناق الإسلام، وأعلنوا إسلامهم في المركز الإسلامي بطوكيو، ثم عمل بالدعوة إلى الدين الإسلامي واعتنق الكثيرين الإسلام على يديه، مؤكدًا على عظمة هذا الدين وعظمة من شرعه.

الجراح الفرنسي موريس بوكاي: هو طبيب فرنسي، كان يعمل رئيسًا لقسم الجراحة في جامعة باريس، اعتنق الإسلام عام1982م. ألف كتاب (التوراة والقرآن والعلم)، والذي يعتبر من أهم الكتب التي درست الكتب المقدسة على ضوء المعارف الحديثة. وله كتاب (القرآن الكريم، والعلم العصري)، يقول موريس: “إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه نصوص القرآن الكريم لأول مرة هو: ثراء الموضوعات العلمية المعالجة ولو كان قائل القرآن إنسانًا، فكيف يستطيع في القرن السابع أن يكتب حقائق لا تنتمي إلى عصره؟”

ويضيف قائلاً: “لم أجد التوافق بين الدين والعلم، إلا يوم شرعت في دراسة القرآن الكريم، فالقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف يدعوان كل مسلم إلى طلب العلم“.  أسلم هذا العالم حين علم بأن القرآن الكريم قد أخبر عن قضية نجاة جثمان فرعون مصر، وذلك في قول الله: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ([8]) وكان ذلك بعد أن قام ببحث علي جثمان هذا الفرعون وتأكد من أن هذا الجثمان قد تعرض للغرق قبل تحنيطه. ثم قال: “لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية، فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدقة، بموضوعات شديدة التنوع، ومطابقتها تمامًا للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نص قد كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا“. وكان هذا العالم سببًا في اعتناق الكثيرين الإسلام وإيمانهم بعظمة الله تبارك وتعالى.

عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد كرونير: هو أحد أكبر جيولوجي العالم المشاهير، هو أستاذ ورئيس قسم علم طبقات الأرض، جامعة يوهانز، ألمانيا. أسلم هذا العالم عندما علم بأن الرسول ﷺ قد أخبر بأن أرض العرب كانت وستعود مروجًا وأنهارًا وذلك: في الحديث الذي رواه أبو هريرة –رضى الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال:لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا قائلاً: “إن هذه حقيقة معروفة لدى علماء الجيولوجيا وأضاف: لقد أدهشتني الحقائق العلمية التي رأيتها في القرآن والسنة، ولم نتمكن من التدليل عليها إلا في الآونة الأخيرة بالطرق العلمية الحديثة. “وأضاف بقوله: “وهذا يدل على أن النبي محمدًا ﷺ لم يصل إلى هذا العلم إلا بوحي علوي”.

إنّ مما نخلص له أن تعظيم الله تعالى أصل العبادة وحقيقتها، كما أنّ الله تعالى أمر العباد بتعظيمه، حيث قال: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ([9]). إذ إنّ العظمة الكاملة لا تحقّق إلا له جل وعلا، ومن ينازع الله فيها فجزاؤه جهنّم، يقول عز وجل في الحديث القدسي: الكبرياءُ رِدائِي، والعَظمةُ إِزارِي، فمَنْ نازعَنِي واحِدًا مِنهُما قذَفْتُهُ في النارِ([10]). فالله تعالى عظيمٌ في ذاته، وفي أسمائه وصفاته، وفي ملكه وسلطانه، وفيما خلق من المخلوقات. وهذا الكون كله من آيات عظمة الله، هو الذي خلقه، وهو المدبر له وحده، لا أحد غير الله. هذا وإن القرآن الكريم وما يحمله من ألوان الإعجاز سواء علمي وغيبي، أو نظمي ولفظي، أو تشريعي، أو تاريخي في إخباره عن الأمم السابقة، أو أخلاقي واجتماعي وتربوي، أو إداري واقتصادي، إنما هو إعجاز هداية، وأيضًا في إعجازه التحدي للإنس والجن مجتمعين أن يأتوا بشيء من مثله في أسلوبه أو مضمونه أو محتواه، بل وإعجازه في حفظه بنفس لغة وحيه (اللغة العربية)، على مدى أربعة عشر قرنًا أو يزيد، دليلاً على عظمة من أنزله، ومن حفظه. وهذا ما دفع العديد من العلماء الدخول إلى الإسلام والإيمان بعظمة هذا الخالق، موضحين أن ذلك أتى بعد معرفتهم بما يحمله هذا الكتاب، وما أخبر به من حقائق علمية لم تكن لتعلم زمن نزول الوحي. فالإعجاز العلمي في آيات القرآن الكريم وفي حديث رسوله ﷺ إنما هو دعوة إلى تعظيم الله تعالى من خلال آياته المنظورة في كونه قبل آياته المسطورة في كتابه؛ فمن لم يتدبر ويرى آيات الله المنظورة لم يحدث له تمام الإيمان بآياته المسطورة، حيث إن تمام الإيمان يكون بتمام العلم، آياته التي لا يزيد العلم بها والوقوف على أسرارها إلا إذعانًا لعظمتها وثقة بالعجز عنها، والإذعان بعظمة هذا الخالق القدير -جل في علاه-.

[1] فاطر: 28

[2] الحج: 46

[3] فصلت: 53

[4] سبأ: 6

[5] الفرقان: 6

[6] النساء: 56

[7] الزمر: 42

[8] يونس: 92

[9] الواقعة: 74

[10] رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة وابن عباس، الصفحة أو الرقم: 4311.