التعليم في عصر الثورة الرقمية

هناك فكرة شائعة مفادها أن وسائل الاتصال الجديدة تلغي القديمة، وتحل محلها في كل شيء، كما لو أنها انتهت صلاحيتها، ولم يعد لها مكان في سوق التداول، وهذه الفكرة كما تؤكد الأدلة خاطئة، فهذه الوسائل والوسائط لا تقوم على التنازع، بقدر ما هي مؤسسة على التكامل والتعاون. والدليل على ذلك أن تاريخ وسائل التواصل يوضح لنا النقلة النوعية المهمة التي عرفتها الإنسانية في بداياتها، من التواصل الشفهي إلى التواصل الكتابي، وكيف أن ذلك لم يؤثر في شيء، لا من حيث الحضور أو الاستعمال، على الوسيلة الشفهية الأولى، بل عمل على استكمال ما كان يلاحظ على أدائها من قصور ونقص في إنجاز بعض المهام التواصلية غير الملائمة لطبيعتها الصوتية القائمة أساسًا على العلاقة المباشرة (وجهًا لوجه) بين المتكلمين مما كان يؤثر سلبًا على العملية التواصلية ويحد من إمكاناتها كالتوثيق ومخاطبة البعيد. ولنا في إشكالية الشك في صحة الشعر الجاهلي لارتباطها بالرواية وغياب التدوين أكبر دليل على ذلك.

إن الوسائل التواصلية الجديدة ما تهدف إلى استكمال العجز الملحوظ في أداء الوسائل التواصلية القديمة ولا يتجاوزه لما هو أبعد، وإلا لاندثر الخطاب الشفهي بمجرد ظهور الكتابة، ولأصبح ابتكار وسائط جديدة مؤشرًا على أفول أخرى قديمة، وهو ما يتنافى طبعًا مع الواقع. فالعلاقة تكاملية لا تنازعية.

ماهي الوسائط التواصلية الجديدة؟

تُعرَّف مواقع أو وسائل التواصل الاجتماعي أو شبكات الإعلام الاجتماعي (Social Networks) بأنها مواقع (websites) أو تطبيقات Applications)) مخصصة لإتاحة القدرة للمستخدمين للتواصل فيما بينهم من خلال وضع معلومات، وتعليقات، ورسائل، وصور… إلخ.

وهناك خمسة مواقع للتواصل الاجتماعي تعد الأكثر شهرة ونموًّا في عدد المستخدمين، وهي: فيسبوك (Facebook)، وهو موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة منذ ظهوره في عام 2003. ويليه تويتر (Twitter)، وهو موقع التدوين المتناهي الصغر، الذي يسمح لمستخدميه بكتابة “تغريدات” بحد أقصى نحو 140 حرف للتغريدة الواحدة، وظهر عام 2006. وجوجل بلس (+ Google)، الذي دشَّنته شركة جوجل العالمية في عام 2011 كمنافس لفيسبوك، وتعمل على تكامله مع خدمات أخرى تقدمها كالبريد الإلكتروني، …إلخ. والثالث لينكدإن (LinkedIn)، الذي بدأ التشغيل في 2003 ويعد موقعًا للتواصل الاجتماعي على مستوى احترافي مهني، ويهدف إلى ربط المشاركين في الاهتمام بفئات متنوعة من الوظائف والأعمال. وأخيرًا بنترست (Pinterest)، الذي أطلق عام 2010 ويعد الأكثر نموًّا في مجال المشاركة الإعلامية، ويتيح خدمة تشارك الصور بين المستخدمين.

ولكل وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي خصائصها ومميزاتها وتفردها في نقل المحتوى المطلوب بثه، ولكنها جميعًا تتفق في سمة واحدة، هي القدرة على تحقيق التواصل بين البشر دون حدود مكانية أو زمنية أو قيود على الحرية، وإمكانية نقل أي رسالة سواء كانت مرئية أو صوتية أو مكتوبة. وإمكانية الوصول إليها من أي مكان في العالم.

 وسائل التواصل الاجتماعي والأنظمة التعليمية العربية:

إن الوسائط التواصلية الجديدة كالحاسوب والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تساعد على تطوير المنظومة التعليمية والرفع من مستوى أدائها ونتائجها، ويمكنها إذا ما أحسن استغلالها تدعيم منظوماتنا التعليمية الحالية في جوانب عديدة أظهرت فيها الوسائل القديمة عجزًا كبيرًا وكانت بالتالي سببًا مباشرًا في تدهور أدائها، وانحصار مردوديتها، كما هو الحال مثلاً بالنسبة للكتاب المدرسي الورقي، الذي عُرف بدوره في الآونة الأخيرة تراجعًا كبيرًا مقارنة بما كان عليه وضعه سابقًا، عند ظهور المطبعة، لدرجة أصبح معها يشكل في بعض الأحيان في بلادنا العربية عائقًا في وجه العملية التعليمية في ظل ارتفاع تكلفة طباعته والمنافسة الشديدة بين الناشرين، والتي امتدت آثارها السلبية للتضحية بالأهداف التثقيفية والتعليمية النبيلة لهذا المنتج لحساب مصالح اقتصادية صرفة. بالإضافة للعديد من الجوانب السلبية المرتبطة أساسًا بصعوبة تزويد المكتبات العامة والخاصة بالكتب اللازمة. واليوم يعد “الكتاب الرقمي” ثورة علمية، يمكن أن تغير مسار التاريخ في القرن الحادي والعشرين، أكثر مما غيره اختراع المطبعة، إذ أصبح “الكتاب الرقمي الإلكتروني” في متناول اليد سهل القراءة والاطلاع، وهناك بعض الكتب الرقمية المحفوظة على أقراص ليزرية جيدة الحفظ، والتخزين، ويمكن قراءة الكتاب الرقمي عليها في أي وقت، ويصبح ملكًا للجميع، مما يتيح إمكانية المطالعة والتثقيف، والبحث عبر القارات من غير حدود ولا حواجز.

ويمكن أن يساند الكتاب الرقمي الكتاب الورقي في مكتبات المدارس والجامعات خصوصًا في حالات المراجع والمعاجم، والموسوعات الإلكترونية المتوافرة بأثمانها الزهيدة وسهولة حملها وتحميلها والبحث فيها.

كما يمكن استخدام الحاسوب والإنترنت في معالجة القصور الهائل الذي يعرفه نظامنا التعليمي الحالي بوسائطه التواصلية القديمة المعتمدة على الخطاب الشفهي المباشر المشروط بالوجود الفعلي للمعلم والمتعلم داخل قاعات الدرس مما يحرم فئات عديدة من المتعلمين والذين تحول ظروفهم الخاصة دون ذلك، مما يحرم المجتمع من الاستفادة من طاقاتهم وكفاءاتهم، ويؤثر سلبًا على التنمية البشرية والاجتماعية للوطن والمواطنين على السواء. فوسائط التواصل الجديدة تفتح آفاقًا رحبة أمام العديد من الفئات المحرومة من التعليم، وتحقق طموحاتها في تحسين أوضاعها، وذلك عن طريق ما يطلق عليه “التعلم عن بعد”. ويصير “الحاسوب خير جليس في هذا الزمن”.

وهكذا يمكن للأشخاص الذين تحول ظروفهم الخاصة دون إمكانية التحاقهم بالمؤسسات التعليمية لسبب من الأسباب كالمرض أو الحرب أو الصراع أو البعد المكاني أو العوائق المالية تلقي دروسهم في أماكن معيشتهم وإقامتهم، مما يساهم في تحقيق “دمقرطة التعليم”، والحد من ظاهرة الحرمان القسري من التعليم، كما يفتح المجال مستقبلاً أمام إمكانية قيام منظومة تعليمية جديدة تعتمد على التواصل عن بعد عن طريق الحاسوب والإنترنت، دون الحاجة لبناء المزيد من المدارس والجامعات، وما يفرضه ذلك من أعباء مادية جسيمة قد تتجاوز إمكانيات الدول، ويسهم ذلك في معالجة ظاهرة تكدس الطلبة في الفصول الدراسية مما يؤثر سلبًا على العملية التربوية بأسرها.

ومن هنا فإن الحاجة تبرز إلى:

1- تزويد جميع المدارس والمؤسسات التعليمية بشبكة الإنترنت والحواسيب اللازمة للاتصال.

2- تدريب وتأهيل المعلمين للتعليم عن طريق الإنترنت واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تعليم الطلاب.

3- الاعتماد على المراجع والكتب الرقمية ضمن المقررات المدرسية والجامعية.

4- تزويد المكتبات المدرسية والجامعية بالكتب الرقمية وكذلك نقاط للاتصال بشبكة الإنترنت، ورفع قوائم الكتب على مواقع المكتبات على الإنترنت، والفهرسة الإلكترونية لجميع الكتب والدوريات.

5- الربط بين المدارس والإدارات التعليمية إلكترونيًّا واستبدال البريد الورقي بالبريد الإلكتروني.

6- تطوير برامج إعداد المعلمين في كليات التربية وما يناظرها من مؤسسات إعداد المعلمين والتركيز على تعليم الطلاب المعلمين المهارات التكنولوجية اللازمة لذلك.

7- تطوير المناهج والمقررات وما تتضمنه من أنشطة وتدريبات لتركز على البحث عن طريق شبكة الإنترنت، والعمل الجماعي عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

8- تدريب المعلمين على استخدام البرامج الإلكترونية وفقًا للتخصص ومن أشهر هذه البرامج Crocodile، وكذلك مواقع المؤتمرات الإلكترونية مثل البلاك بورد وغيرها واستخدامها في التفاعل مع الطلبة.

9- تطوير نظم الخدمات التعليمية المقدمة للطلبة والاستغناء التدريجي عن الخدمات الورقية والاعتماد على الخدمات عبر شبكة الإنترنت.

10- التوسع في استخدام التعلم عن بعد في الدول التي تعاني الصراعات والحروب مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا وذلك بالتعاون مع المؤسسات الدولية كاليونسكو واليونسيف والبنك الدولي والجهات المانحة لضمان إتاحة الخدمات التعليمية لمن حرموا من التعليم نتيجة ظروف الحرب والقتال.

11- تحفيز أساتذة الجامعات والمعلمين على طرح المقررات بصورة إلكترونية تفاعلية، وتصميم مواقع لشرح الدروس والمقررات.

12- توسع الجامعات العربية في تقديم المقررات الإلكترونية واسعة الالتحاق (MOOCS) بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية العربية والأجنبية.

المراجع

  • Oxford University Press، “social network” definition، (http://oxforddictionaries.com/definition/english/social_network)، (accessed February 4، 2013).
  • جمال سند السويدي. وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية، (الإمارات العربية المتحدة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2013).

3- عبد العالي بوطيب (2018): “الوسائط التواصلية الجديدة والمنظومة التعليمية”، مجلة العربي، العدد (712)، ص ص 172-177.