إدمان الإنترنت: أسبابه وأضراره وعلاجه

منذ بداية القرن الحادي والعشرين ومع ظهور ما يسمى بالمجتمع الاستهلاكي، صار سلوك الاستهلاك ومنها استهلاك التكنولوجيا وتطبيقاتها إدمانًا، نتيجة لما ما تقدمه التكنولوجيا من وسائل اتصال في غاية التعقيد تجذب الإنسان، وسائل تؤمن له الهروب، وتسمح له باكتشاف وقائع أخرى، وتسمح له بالتعايش مع الخيال. وقد صار هذا النوع من الإدمان إلى جانب الاكتئاب من بين الأمراض الرمزية للعصر.

فقد انشغل علماء النفس مؤخرًا بما يطلق عليه اضطراب إدمان الإنترنت أو الاستخدام المرضي للإنترنت IAD، تلك الحالة التي يجلس فيها الفرد بالساعات بصورة مستمرة دون انقطاع أمام شاشات الحاسوب أو الهاتف النقال لفترات تتجاوز المعدلات الطبيعية مما يؤثر سلبًا على تفاعلاته الاجتماعية وممارسة أنشطته الحياتية، ويؤثر سلبًا على صحته النفسية والجسدية مما قد يؤدي إلى حدوث حالات الاكتئاب والتوحد السلوكي والعزلة الاجتماعية، وعدم القدرة على التفاعل مع الآخرين والتواصل معهم إضافة إلى ما يصيب العمود الفقري، والعينين، والجهاز العصبي من أضرار.

وكانت دراسة علمية نشرتها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية في أغسطس 2018 أشارت إلى وجود 400 مليون شخص يعانون من الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم. كما كشفت دراسات حديثة قامت بها منظمة “Common Sense Media” على ما يقرب من 1300 من الآباء والأمهات والأطفال هذا العام أن 59% من الآباء يعتقدون أن أبناءهم مدمنين لاستخدام التكنولوجيا الحديثة بينما 50% من الأبناء يعتقدون العكس.

وقد أظهرت الدراسة التي أجرتها مجموعة “سوبيريور” للاستشارات إلى أن نسبة 59% من الأطفال في منطقة الشرق الأوسط لديهم حالة تعرف بـ “النوموفوبيا” Nomophobia وهو الشعور بالخوف من فقدان الهاتف المحمول أو السير من دونه.

وتوضح دراسة أجرتها جامعة كورنال الأميركية في 2018، أن الكثير يحاولون الإقلاع عن موقع فيسبوك لكنهم يعودون إليه لاحقًا. واعتمدت الدراسة على دعوة مجموعة من مستخدمي فيسبوك إلى إغلاق حساباتهم في الموقع لمدة 99 يومًا، والكتابة عن شعورهم خلال 33 يومًا، وكشفت الدراسة عن عوامل تجبر الكثيرين على العودة إلى الموقع الاجتماعي، مثل اعتبار أن استخدام الموقع إدمان لا علاج له، وانشغال آخرون بصورتهم أمام الناس لذلك يسعون إلى العودة لاستخدام الفيس بوك.

مفهوم إدمان الإنترنت:

يمثل الإدمان بشكل عام نسقًا يسمح بسلوك معين ينتج لذة وبالوقت نفسه يبعد أو يخفض إحساس داخلي بالانزعاج بشكل يتميز بالعجز المتكرر عن ضبط هذا السلوك ومتابعته بالرغم معرفة نتائجه السلبية. والإدمان السلوكي هو نسق سلوكي يدفع فرد لتحقيق سلوك معين بهدف استعادة تأثيراته النفسية أو لتجنب الانزعاج الذي سببه الحرمان منه. وتشمل الإدمانات السلوكية القمار وألعاب الرهان على المال، وألعاب الفيديو الإلكترونية، وإدمان الشبكات الاجتماعية، وإدمان الهاتف المحمول ومختلف تطبيقاته والتي توفر مجالات متنوعة للإدمان، والممارسات الرياضية الخطرة، والعمل، والجراحة التجميلية، والشراء القهري، والسلوك الغذائي، والإدمانات العاطفية… إلخ.

ويتميز الإدمان السلوكي بفقدان الفرد قدرته على ضبط السلوكات المتطرفة وانعكاس هذه الإدمانات سلبًا على صحته الفيزيقية أو النفسية، وحياته العائلية والاجتماعية، والشعور الذاتي بالاستلاب وإحساس الفرد بأنه ضحية.

وقد أثبتت بحوث الدماغ أن استخدام التكنولوجيا يرفع من مستوى مادة الدوبامين التي تزيد من فرط الإثارة والسعادة لدى الإنسان. وكان الطبيب النفسي الأميركي ايفان غولدبرغ أول من نبه لمشكلة إدمان استخدام التكنولوجيا في عام 1995.

وتعد عالمة النفس الأميركية كيمبرلي يونغKimberly Young، أول من وضع مصطلح “إدمان الإنترنت” Internet Addiction، والذي عرَّفته بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعيًّا. وقد عكفت على دراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة منذ عام 1994 حيث قامت بإجراء أول دراسة موثقة عن إدمان الإنترنت، شملت حوالي 500 مستخدم للإنترنت، وركزت حول سلوكهم أثناء تصفحهم شبكة الإنترنت، وأوضح أفراد عينة الدراسة معاناتهم من أعراض نتيجة الانقطاع عن استخدام الإنترنت كالاكتئاب والقلق وسوء المزاج وأن المشاركين في الدراسة قضوا على الأقل 38 ساعة أسبوعيًّا على الإنترنت، مقارنة بحوالي خمس ساعات فقط أسبوعيًّا لغير المدمنين. وقد قامت عام 1999 بتأسيس وإدارة “مركز الإدمان على الإنترنت” Center for Online Addiction لدراسة وعلاج هذه الظاهرة، وقد أصدرت كتابين حول هذه الظاهرة هما “الوقوع في قبضة الإنترنت ” Caught in the Net، و” التورط في الشبكة ” Tangled in the Web.

أسباب إدمان الإنترنت:

حاول الباحثون الكشف عن العوامل التى تؤدي بالفرد إلى إدمان التكنولوجيا، وكشفت أبحاث علماء المخ والأعصاب أن استخدام التكنولوجيا يؤثر على مناطق معينة في المخ تؤدي بدورها إلى زيادة مستوى الدوبامين مما يؤدي إلى شعور الفرد بالسعادة، وهكذا حتى يعتاد الفرد على تلك المستويات الهائلة من الدوبامين، فاستخدام التكنولوجيا يزيد مستوى الدوبامين بنسبة من (50) إلى (100) في مئة في حين تزيد المخدرات مثلاً من مستوى الدوبامين بنسبة من (350) إلى (1200) في المئة في الدم، ويشبه إدمان التكنولوجيا حالة إدمان ممارسة القمار والتي تحقق السعادة لدى الشخص المدمن. لذلك ليس غريبًا أن نجد من يجلس أمام شاشة الحاسوب أو الهاتف يتصفح المواقع والصفحات ويبدلها بصورة لاإرادية. وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية في يناير 2018 إدمان الألعاب الإلكترونية والتكنولوجيا ضمن قائمة الاضطرابات السلوكية المعترف بها عالميًّا.

علامات ومؤشرات إدمان الإنترنت:

حدد الباحثون مؤشرات إدمان الإنترنت وهي: الأفكار الوسواسية، والأحلام بخصوص الإنترنت، الحركات الإرادية وغير الإرادية للأصابع وهي تنقر على أزرار الكمبيوتر، والاستخدام لفترة أطول من المتوقع، والرغبة الدائمة في استخدام الإنترنت، وقلة النشاطات الاجتماعية، والأخطر من هذا استخدام الإنترنت لإقامة علاقات اجتماعية جديدة، حيث تقدم علاقات الشبكة راحة أكثر من تلك التى تقدمها العلاقات مع الأصدقاء الحقيقيين، وهذا يؤدي إلى انطوائية المدمن. فالعالم الافتراضي يحل محل العالم الواقعي، واستبدال الخيال بالواقع كطريقة وحيدة للحياة، لأن العالم الافتراضي أسهل ويساعد الفرد على تحول العالم الواقعي. وظهور هذا العالم الافتراضي الجديد يصيب صورة الذات نفسها، ويعدل معنى الهدف من الوجود، لأن التمثلات الافتراضية تقود الفرد باتجاه الإكراه على العيش وأحيانًا البقاء ضمن تمثلات الواقع بدلاً من عيش الواقع نفسه، إذ يقدم عالمًا مليئًا بالإغراءات مغلفًا ومثاليًّا ويمثل إطار حياة مستقرة، لكنه إطار حياة في حركة دائمة ومصدر للدينامية والتحرك.

والأسئلة الآتية تحدد ما إذا كان الفرد مدمنًا للإنترنت أم لا:

1ـ هل ينغمس الفرد وانشغال ذهنه بما يفعله على الإنترنت قبل وبعد تركه؟

2ـ هل يرى الفرد أنه بحاجة إلى عدد ساعات أكثر على الإنترنت للوصول لدرجة الإشباع؟

3ـ هل حاول الفرد مرارًا أن يقلل من عدد الساعات لكنه فشل؟

4ـ هل يشعر الفرد بالقلق والاكتئاب وعدم الراحة أو تغير المزاج عندما يحاول أن تبتعد أو تقلل من استخدامك للإنترنت؟

5ـ هل يقضي الفرد على الإنترنت وقتًا أطول مما كنت قد حدده لنفسه؟

6ـ هل تعرضت علاقات الفرد الأسرية والاجتماعية، وأداؤه في العمل للتدهور بسبب الإنترنت؟

7ـ هل كذب الفرد على عائلته أو معالجه لإخفاء مدى تورطه في استخدام الإنترنت؟

8ـ هل يستخدم الإنترنت كوسيلة للهروب من تغير المزاج أو المشاكل النفسية كالاكتئاب أو القلق؟

الإجابة عن خمسة أسئلة منها «أو أكثر» بـ«نعم» تعني أن الفرد مدمن للإنترنت.

علاج إدمان الإنترنت:

يمر مستخدمو الإنترنت عمومًا بمراحل: أولها مرحلة الافتتان بهذه التقنية (الوسواس)، تعقبها مرحلة زوال التوهم (تجنب، رفض أو تبعية)، ثم مرحلة انخفاض الاستخدام الذي يصبح بعد ذلك كأي نشاط آخر (مرحلة توازن)، بتعبير آخر في البداية تعلق الأمر بحب الإنترنت ثم تأتي التبعية تدريجيًّا على حساب الحياة المهنية والاجتماعية والشخصية حيث يبقى مدمنو الإنترنت عند المرحلة الأولى، وبالتالي يركز العلاج على بلوغ هؤلاء المدمنين المرحلة الثالثة.

وهناك نوعين لإدمان الإنترنت الأول هو إدمان الإنترنت نفسه أي الاستخدام المفرط للإنترنت على حساب الحياة الاجتماعية والشخصية والمهنية، والإدمان متعدد الاتجاهات حيث يستخدم المدمن الإنترنت للحصول على بعض الخدمات كالشراء أو اللعب… إلخ. وأوضحت الدراسات أن إدمان الإنترنت يتلازم مع الاضطرابات الأخرى كالشراء المرضي، وإدمان الكحوليات، واللعب المرضي، واضطرابات المزاج، والاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب والعزلة.

ويرى بعض الباحثين أن العلاج بالتحليل النفسي الأنسب لعلاج مشكلات إدمان الإنترنت لأنه يستخدم اللغة اللفظية كدعامة أساسية للتعبير عن الأفكار، في حين يعتمد آخرون على استخدام برامج تدخل علاجي أخرى متنوعة لعلاج إدمان الإنترنت، وهي ضبط المثيرات، والعودة إلى المراجع لتأمين المعلومات، والعمل على المهارات الاجتماعية، وإعادة البناء المعرفي، والاسترخاء. والأهم من ذلك تحديد المشكلة الكامنة وراء الإفراط في استخدام الإنترنت (الاكتئاب، القلق، أنواع أخرى من التبعية… إلخ)، بالإضافة إلى تدريب الفرد على استراتيجيات إدارة الوقت، وتنظيمه، وتعلم إدارة العواطف، وتنمية الاهتمام بالأنشطة البديلة والتقليل التدريجي من ساعات الاعتماد على شبكة الإنترنت.

كما يجب أن يكون للأسرة دور في تنشئة الطفل وتوعيته بالإنترنت حتى لا يصل إلى مرحلة إدمان الإنترنت، وما يترتب عليه من آثار نفسية واجتماعية سيئة، واتباع الآتي:

– التوقف عن ترك الأبناء بلا رقابة أمام شاشات الأجهزة الذكية، والمتابعة من حين لآخر حتى لا يقع الأبناء فريسة لمواقع أو جهات تتربص به السوء، ومناقشتهم والحوار معهم على أساس الحرية والثقة في الطفل، وتوعيتهم بكيفية استخدام الإنترنت، وقواعد الأمن، والحماية، والأوقات والمدد الأنسب للاستخدام، ومشاركة الاطفال الاستخدام أحيانًا، والحوار معهم حول الأشياء والجوانب السيئة والجيدة والمحتوى الذي يتابعه الأطفال.

– على المؤسسات التعليمية توعية الطفل وتدريبه على مهارات استخدام التكنولوجيا وتعامله معها، والحفاظ على نفسه، وعلى خصوصيته، وتعريفه بالأضرار الصحية المترتبة على فرط استخدامه للتكنولوجيا.

– تنويع أنشطة الطفل فلا يقتصر قضاء وقت الفراغ على ممارسة الألعاب الإلكترونية أو تصفح الإنترنت، بل لا بد من ممارسة القراءة والرياضة والأنشطة الاجتماعية المفيدة.

– حرص الآباء والأمهات على التعرف على مهارات استخدام التكنولوجيا والتعامل معها، حتى يستطيعوا متابعة أبناءهم.

وأخيرًا، فما سبق لا يعد حجة لرفض الإنترنت كلية، بل ضرورة ضبط استخدامها، والتوعية بمخاطر الإفراط في استخدامها.

المراجع

أحمد أبو زيد (2014). الإدمان الإلكتروني وباء عصر العولمة والإنترنت، مجلة الكويت، العدد 370، أغسطس 2014.

كريستين نصار (2014). إدمان من دون مخدر، مجلة العربي، العدد (672)، نوفمبر 2014، ص 163- 166

موسوعة ويكبيديا (2022): إدمان الإنترنت.