لماذا تظهر أفكارنا على هواتفنا؟

في عصر الإنترنت والتكنولوجيا المتقدمة يلاحظ الكثيرون ظاهرة غريبة، هي أن الأشياء التي نفكر بها تظهر فجأة على هواتفنا الذكية على شكل إعلانات أو محتويات، ما يعزز الشعور بأن هاتفنا “يقرأ أفكارنا”. هذه الظاهرة التي يُشار إليها أحيانًا بـ”التزامن الغامض”، تثير الدهشة والقلق على حد سواء عند كثير من المتابعين منصات الإنترنت. فما السر وراء هذه الظاهرة يا ترى؟

فلا بد من الإشارة أولاً إلى أن الهاتف بحد ذاته، لا يسمع ولا يفهم أفكارنا، بل هو مجرد جهاز يعرض الصور والمعلومات التي نضعها فيه. لذلك، عندما نرى صورة أو معلومة على الهاتف، نتفاعل معها عقليًّا ونشكل فكرة حولها استنادًا إلى معرفتنا وتجاربنا السابقة.. أو قد يقدم الهاتف لنا محتوى مرتبطًا بما نفكر فيه استنادًا إلى تاريخ تصفحنا وتفاعلنا السابق مع المواقع والتطبيقات، ولكنه لا يمكنه فهم أفكارنا أو قراءة ما نفكر به أبدًا.

إن العقل البشري قوي ومعقد للغاية، وله القدرة على التفكير وتخيل الأشياء بشكل واقعي.. عندما نفكر بشيء ما بقوة أو نركز عليه، يمكن أن نعزز الرغبة في رؤية هذا الشيء على الهاتف، ويُحتمَل أن يكون ذلك نتيجة لتأثير القوة المغناطيسية الضعيفة التي تصدرها الأفكار المرتبطة بالتكنولوجيا.. أو عندما نفكر بشيء ما ونرغب في مشاركته أو البحث عنه، قد يكون الهاتف أقرب وسيلة لتحقيق ذلك، هذا يجعلنا نربط الأفكار بالهاتف في عقلنا، مما يجعلنا نشعر وكأننا نراها على الهاتف حتى وإن لم تكن هناك بالفعل.

وللتوضيح أكثر، يمكن سرد عدة أسباب ومفاهيم محتملة وراء ظهور الأفكار على الهاتف عند التفكير بها، وهي كالتالي:

التعقب الرقمي والخوارزميات 

السبب الأكثر وضوحًا في هذه الظاهرة، هو الخوارزميات المتطورة التي تستخدمها منصات الإنترنت والتطبيقات، حيث تجمع هذه الخوارزميات بيانات مفصلة عن سلوك المستخدمين، بما في ذلك تاريخ التصفح، والتفاعلات على الشبكات الاجتماعية، وحتى الموقع الجغرافي.. وبالتالي تُستعمل هذه المعلومات لإنشاء نماذج تنبُّؤية تعكس اهتمامات المستخدمين وتفضيلاتهم، ما يؤدي إلى ظهور إعلانات مستهدفة تبدو وكأنها تقرأ أفكارنا.

التأكيد الانتقائي

من الناحية النفسية، قد يكون للتأكيد الانتقائي دور في هذه الظاهرة؛ نحن نميل إلى إعطاء اهتمام أكبر للمعلومات التي تتوافق مع أفكارنا ومعتقداتنا الحالية، وعندما نفكر في شيء ما، نصبح أكثر وعيًا بالمعلومات المتعلقة به، وهذا يعزز الشعور بأن الهاتف “يعرف” ما نفكر فيه.

الصدفة

أحيانًا قد تكون مجرد صدفة أن ترى محتوى على هاتفك يتعلق بشيء كنت تفكر فيه، حيث تميل عقولنا إلى ربط الأحداث عند حدوثها بشكل متزامن، ما يجعل هذا المحتوى يبدو أنه مجرد صدفة.

البيانات الكبيرة

تجمع الشركات الكبيرة كمًّا هائلاً من البيانات حول تفضيلات وعادات المستخدمين.. ومن خلال تحليل هذه البيانات يمكنهم التنبؤ بما قد يكون المستخدم مهتمًّا به، ومن ثم استهدافه بإعلانات أو محتويات مخصصة.

مراقبة الموقع والسلوك

تعتمد بعض التطبيقات على بيانات الموقع والموافقة، بل الوصول إلى الميكروفون، لتقديم محتوى مستهدف بناء على الأماكن التي تزورها أو المحادثات التي تسمعها.. وهنا يجب التأكد من مراجعة الأُذونات التي تمنحها للتطبيقات على جهازك.

التفاعلات الاجتماعية

تفاعلاتنا الاجتماعية -سواء كانت مباشرة أو عبر الإنترنت- يمكن أن تؤثر أيضًا على المحتوى الذي نراه على هواتفنا، وقد تستخدم الشبكات الاجتماعية معلومات من محادثاتنا، لتقديم إعلانات ذات صلة.

الخصوصية والأمان

تثير هذه الظاهرة تساؤلات حول الخصوصية والأمان أيضًا.. مع تزايد القلق بشأن كيفية استخدام البيانات الشخصية، ازدادت أهمية الفهم بكيفية عمل هذه الأنظمة وكيف يمكننا حماية خصوصيتنا.

الخلاصة

يبدو أن التزامن بين أفكارنا وما يظهر على هواتفنا ليس بالضرورة نتيجة للتنصت أو التجسس، بل هو نتاج لعالم رقمي معقد يتشابك فيه الإعلان والتكنولوجيا بطرق لم نكن نتخيلها من قبل. كما يمكن أن تكون هذه الظاهرة نتيجة لتفاعل معقد بين العقل البشري والتكنولوجيا الحديثة.. إنها تذكير قوي بقدرة الإنسان على التأثير على تكنولوجيا الحاضر والمستقبل.