محاورة التراث والحوار مع الآخر

(كتاب للدكتور صالح هويدي)           

إذا كان الحوار مع الآخر مهم جدًّا في الزمن الراهن وقبله، فإن هذا الحوار يستوجب بالضرورة معرفة الذات والمصالحة معها. خاصة فيما يتعلق بالتراث بمختلف أصنافه وتفريعاته. لأن محاورة الذات، تمنح إمكانية الحوار مع الآخر المختلف معها على المستوى الثقافي العام/الحضاري. هذا هو التصور  العام الذي قام عليه كتاب ”محاورة التراث، والحوار مع الآخر” للدكتور صالح هويدي، الصادر في طبعته الأولى عن منشورات معهد الشارقة للتراث، سنة 2022. جاء الكتاب في 293 صفحة من القطع المتوسط.                   

محتويات الكتاب                                                                                                                                     

يتكون الكتاب من المقدمة (من ص: 13 إلى ص:20)، المدخل (من ص:23 إلى ص: 63)، وخمسة فصول. توزعت كالتالي: الفصل الأول (من ص: 65 إلى ص: 82)، الفصل الثاني (من ص: 83 إلى ص:113)، الفصل الثالث (من ص: 115 إلى ص: 189)، الفصل الرابع (من ص: 191 إلى ص:249)، الفصل الخامس (من ص: 251 إلى ص: 286).                     

أهمية الكتاب                                                                                                                                    

تأتي أهمية كتاب ”محاورة التراث، والحوار مع الآخر” للدكتور صالح هويدي من كونه يسعى إلى إشاعة جو من الحوار الساعي إلى إحداث فعل التنوير الذي لا يكتمل من دون تعدد الأصوات وتنوع الرؤى والاجتهادات لقراءة تراثنا العربي الذي انطوى على فيوضات عقلية وأنواع من التلاوين التي أخذت طريقها إلى العالم، واعترفت حضارة الغرب باستثمارها لمنطلقاته المدهشة.                                                                                                                

المقدمة                                                                                                                                 

حدد الدكتور صالح هويدي في مقدمة كتابه الدوافع الأساسية لتأليف هذا الكتاب. حيث ربطها بشكل أساسي بأسئلة جوهرية مفادها: لماذا لم ينجح العرب من بين شعوب العالم في تقديم تراثهم على نحو منسجم واضح ومفهوم لأجيالهم الناشئة؟ لماذا لم ننجح نحن العرب في أن نفكر في تراثنا بعيدًا عن كونه عقدة سرعان ما يؤدي فتحها إلى تفجير شظايا لا حصر لها، لتفرقنا بعضنا عن بعض من جهة، ولتوزعنا في مظاهر فرقة أخرى إزاء الآخر(الغربي) من جهة أخرى؟ مما يبقينا اليوم كما الأمس مختلفون حول تراثنا، مثلما نحن مختلفون حول الآخر؛ ولاء وعداء، رفضًا وقبولاً، على الرغم مما أنتجه الواقع الفكري العربي الحديث من قامات فكرية وأسماء غير قليلة، قاربت هذه الإشكاليات بمنطلقات معرفية وطرائق علمية. لهذا، أكد الباحث على ضرورة الاتخاذ من واقع الثقافة العربية وتلاحم القوميات إطارًا اجتماعيًّا وثقافيًّا لتحقيق المصلحة العامة والرؤى المستقبلية والطموحات المشروعية. باعتبارها السبيل الوحيد الذي من شأنه أن يحول دون ظهور صراعات قومية أو إثنية أو دينية أو مذهبية أو طائفية. لتغليب هويات خارجية أو نزعات للتنصل من الوشائج، أو تحقير للهوية وتغليب للآخر، أو انسحاق للذات واستمراء للذوبان فيه والمتابعة لخطاه متابعة الظل للأصل. وإذا كانت المسألة الثقافية (حسب الباحث) تمتلك مثل هذه الأهمية التي لم ننجح في وضعها ضمن سياقها الصحيح الذي يتقدم بنا نحو استئناف تقدمنا الحضاري من جديد. ويحول دون بروز المشكلات والتنازع، فإن العقيدة الدينية تظل الأهم والأجدر بالحل. من خلال مقاربة تحفظ للدين رسالته الروحية وعلاقته بين العبد وخالقه. بعد أن أكمل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته للعالمين. معلنًا قول الله عز وجل في سورة المائدة، الآية 3(اليوم أكملت لكم دينكم).

لكن على الرغم من وضوح الدين الإسلامي في هذا الجانب، فإن البعض قد ساهم في زج الإسلام في السياسة في أغلب البلدان العربية. مما أدى إلى التعصب والتكالب على السلطة والإتيان بالبدع. فضلاً عن مصادرة الحريات وإرهاب الناس. إلى جانب تلك البروتوكولات والوثائق التي أقرت القتل والتصفيات وممارسة تعذيب الخصوم المخالفين لهم في الرأي.                          

مدخل الكتاب

تناول الدكتور هويدي في هذا المدخل مجموعة من القضايا الأساسية. جاءت كالتالي: التراث بين الوعي الأيديولوجي والوعي العلمي (تحديد المصطلح، إشكالية مقاربة التراث، بين مفهوم البنية والجزئيات)، هيمنة الغلو على حياتنا (فهم الدين أم احتكار النطق باسمه، الدين والتعايش مع الآخر، الهوية بوصفها قيمة متعالية/هيولى، سؤال التقدم.. سؤال الهوية، الحاجة إلى مغادرة الأوهام)، شروط تجاوز الإشكالية. ففي مناقشة الباحث الدكتور هويدي لمسألة التراث بين الوعي الأيديولوجي والوعي العلمي، أكد على أنه على الخطاب الفكري العربي ألا ينجز قراءته لحاضر الأمة في ضوء مرجعية الماضي(الأنا)، أو في ضوء مرجعية الآخر(الغربي).                                                                        

الإسلام عقيدة التسامح والحوار (الفصل الأول)

حاول الباحث صالح هويدي في هذا الفصل تقريب الإنسان العربي (خاصة الشباب) من استجلاء جوهر الدين، وتخليصه مما علق به من تصورات وأوهام. بعيدًا عن الخلاف و التعصب والاجتهادات الخارجة عن الأصول الشرعية في عيون كثير من الناس. خاصة الشباب منهم. فبعد مقدمة هذا الفصل الذي خلص من خلالها إلى أن الإسلام قد أحدث نقلة نوعية في حياة العرب. جعلتهم يعيدون النظر في أنفسهم، وفي علاقاتهم بحياتهم، وبالآخر والكون؛ وهي النقلة التي جعلت كثيرًا من الباحثين العرب والغربيين يرون أن الإسلام قد حقق هذا التغيير الكبير، من خلال منهج علمي. تناول الباحث في الفصل نفسه العديد من القضايا الجوهرية (قيم إنسانية جديدة، دين الحوار والتسامح، الفرق الإسلامية ونشوء المذاهب الفقهية، دور الفقه والاجتهاد في الإسلام، ظهور المدارس الفقهية، احترام الرأي الآخر. ليخلص الباحث إلى أن علوم الفقه وما أفرزته عقول الفقهاء منذ عصر الصحابة والتابعين حتى يومنا هذا من رؤى وحلول لمشكلات المسلم، في حياته المتبدلة المعقدة، ما كان لها أن تظهر وتزدهر لولا وجود ركيزتي التشريع، ومصدريه الرئيسين في الإسلام، وهما: القرآن الكريم، والحديث الشريف، اللذان كانا المنارة التي اهتدى بها علماء الفقه ورجال الاجتهاد الذين استمدوا من نصوص القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما ألهمهم اجتهاداتهم في مجال المعاملات ومصالح العباد وأحوالهم. من دون أن يخرج هذا الاجتهاد عن مطلق النص القرآني ومقتضيات العقيدة الإسلامية.                              

الفلسفة الإسلامية (الفصل الثاني)

ركز الباحث صالح هويدي في هذا الفصل على الدرس الفلسفي عند الغرب (اليونان) والفلسفة الإسلامية وكذا التأثير والـتأثر الذي حدث بين الفلسفتين. وذلك من خلال تناوله لمجموعة من القضايا المحورية: تعريف الفلسفة، تطور الفكر الفلسفي، خصوصية الفلسفة الإسلامية، نشأة الفلسفة الإسلامية، موقف المستشرقين من الفلسفة الإسلامية، أثر فلسفة المسلمين في الثقافة الغربية ليخلص إلى أن المنصفين من الباحثين الغربيين والمستشرقين قد اعترفوا بالأثر الكبير الذي تركته جهود مفكري الإسلام وفلاسفته، وردوا على مواقف أقرانهم المتطرفين الذين بخسوا العلماء العرب المسلمين حقهم زمنًا طويلاً، وغيبوا هذه الحقائق، وقالوا بسذاجة الفكر العربي، وعدم قدرته على التمييز، والاستقلال، وبناء فكر فلسفي ومنهجي منظم.

موقع الفن في الحضارة الإسلامية (الفصل الثالث)

ركز الفصل الثالث من هذا الكتاب على موقع الفن في الحضارة الإسلامية. وذلك من خلال أهميته وأبرز تجلياته وكذا باعتبارها جزءًا أساسيًّا من الحضارة الإسلامية. أشار البحث صالح هويدي إلى أن بعض الفنون في المجتمع الإسلامي قد خضعت لمواقف متباينة لبست لبوسًا دينيًّا من التحفظ والكراهة لدى طائفة من فقهاء المسلمين، مثل الموسيقى، والغناء والرسم والنحت. متعللين بما يمكن أن تجر إليه هذه الفنون من تحلل تارة، وتجسيد واختلاط بين الرجال والنساء تارة أخرى. مستندين إلى بعض ما روي من أحاديث تنهى عن ذلك، ومن فهم لما جاء في آي من القرآن الكريم. وهو فهم غير متفق عليه لدى جمهور الفقهاء والعلماء، من هنا، أشار الباحث إلى أن هناك من ينظر إلى هذه الفنون وسواها نظرة القبول والتفهم من منظور الدين نفسه. رافضين نظرة التزمت، ليكتبوا في دحض من قال بالمنع. لأن الأصل في الأشياء والمعاملات هو الإباحة، ما لم يكن هناك نص على التحريم. إذ لا يكون التحريم إلا بنص قرآني أو بحديث نبوي. مما يقود إلى أن التحليل أو التحريم ليسا من شأن الإنسان فقيهًا كان أو عالمًا أو كائنًا من كان. وأن الأحكام الاجتهادية إنما تقع جميعها في دائرة المنع أو الإباحة، وليس في التحليل والتحريم. بعد ذلك، فصل الباحث القول في مجموعة من الفنون الإسلامية: فن التصوير، فن النحت، فن الخط و الزخرفة، جماليات الخط العربي، فن الزخرفة و النقش، فن العمارة، جماليات بناء المساجد الإسلامية، فن عمارة المدن، أثر العمارة الإسلامية في العمارة الأوروبية، الموسيقى والغناء، ازدهار الفنون في العصر العباسي، تأليف العلماء المسلمين في علم الموسيقى، تأثير الموسيقى العربية في الثقافة الأوروبية.

أفق الحوار مع الآخر في فكرنا المعاصر (الفصل الرابع)

يرى الدكتور صالح هويدي في مدخل هذا الفصل أن موضوع الحوار مع الغرب، لا يزال يؤرق مفكري العرب ومثقفيهم ومبدعيهم الذين ما فتئوا يقدمون تصوراتهم عن إمكانية هذا الحوار وواقعيته منذ عقود، على الرغم من اتساع الهوة فيما بين المسلمين وغيرهم/ الغرب، واتخاذهما مظاهر سلبية في أغلبها. ولا سيما بعد ظهور طروحات غربية عدائية كان أبرزها ما كتبه صموئيل هنتنجتون عن حوار الحضارات، وكذا فوكويوما. بل إن العلاقة بين العرب والغرب قد شهدت انتقالاً من مستوى الحساسية والارتياب، إلى مستوى البغض والتجييش والعنف المدمر. من هنا، يرى الباحث الحاجة إلى السؤال عن واقع الحوار وإمكاناته وواقعيته، وآلياته. مما يقود كذلك إلى مجموعة من الأسئلة الأخرى. أبرزها: عن أي حوار نتحدث؟ وعن أي آخر نريد أن نتحدث؟ أعن حوار الطرشان الذي اعتدناه في حياتنا وسلوكنا وما زلنا منخرطين فيه مع الآخر منذ عقود، من دون أن ينتج منه تفاعل حقيقي بين الذوات المتحاورة أو نحقق فيه مصالحنا؟ أنريد به حوارنا مع الغرب، أم نريد به الحوار فيما بيننا (نحن العرب والمسلمين) مذاهب، وطوائف، واتجاهات، ودعوات؟ وبين بعضنا بعضا؛ تقدميين وسلفيين وديمقراطيين وليبراليين وعلمانيين وابستمولوجيين؟ أم نريد به ذلك الحوار الذي يدور بيننا وبين بعض في البلد الواحد؛ عربًا وكردًا وأمازيغيين وشركسًا وتركمانًا؟ أم بيننا وبين بعض؛ مسلمين ومسيحيين، أقباطًا أو آشوريين، أو…؟ انطلاقًا من هذه الأسئلة، تناول الدكتور صالح هويدي العديد من القضايا: استراتيجية الحوار، تحديد المفهوم، لماذا التحاور؟ المسوغات الفلسفية للحوار، أهمية الحوار، الثمرات الإيجابية للحوار، ماضٍ منقطع أم تاريخ موصول، موقع الحوار في الفكر والعقيدة، الطريق إلى المستقبل، هل من سبيل إلى الحوار مع الأخر، الطريق إلى التعايش السلمي، آليات نشر ثقافة الحوار. خلص الباحث في هذا الفصل إلى أن الحوار الأنموذجي الذي يحقق للعرب مصالحهم ويحول دون استغلالهم وتهميشهم ما زال بعيد المنال، بسبب عوامل وظروف متداخلة: اقتصادية، وسياسية، ولعدم تكافؤ الإرادات، وعدم نجاحنا في العمل موحدين، وصدورنا في خططنا عن رؤى جزئية متفرقة. فضلاً عن غياب الرؤية الاستراتيجية التي تمكننا من فهم الآخر فهمًا واقعيًّا ودقيقًا.

نصوص من التراث (الفصل الخامس)

أورد الباحث هويدي صالح هذا الفصل مجموعة من النصوص التراثية. نذكر من بينها: حاجة الحاكم إلى النصح الصادق، أمانة المسلم، جرأة صاحب الحق، قيمة الكرم، الرازي الحكيم، ذكاء طبيب، الناقة والنسور، وفاء كلب.               

يعد كتاب” محاورة التراث والحوار مع الآخر” للدكتور صالح هويدي من أبرز الأعمال التي كشفت عن العدد من الإشكالات المرتبطة بالعلاقة مع الذات (التراث)، والعلاقة مع الآخر، والسبل الممكنة لتحقيق الحوار مع الذات من جهة، ومع الآخر المختلف حضاريًّا من جهة ثانية.