الهيدروجين الأخضر في صناعة الصلب

ثمة طريق جديد واعد آخذ في الظهور يمثل ما يسمى “بالحديد الأخضر” المصنوع بالهيدروجين الأخضر الخالي من الكربون الذي يشهد ما يمكن تسميته بثورة في مجال الاستخدام، لأنه وقود خالٍ من الكربون ومصدر إنتاجه الماء. وتشهد عمليات إنتاجه فصل جزيئات الهيدروجين عن جزيئات الأكسجين في الماء بواسطة كهرباء تولدها مصادر طاقة متجددة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية. وهذا الطريق فرصة كبيرة للتخلص من الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى خلق المزيد من فرص العمل الجديدة.

ألوان الهيدروجين

مع أن غاز الهيدروجين نفسه غير مرئي فلماذا يوصف بألوان متعددة؟ أو لماذا هناك الهيدروجين الرمادي، والهيدروجين الأزرق، والهيدروجين الأخضر، وغيره من الألوان؟ كل هذا يعود إلى طريقة إنتاجه؛ فالهيدروجين يولد الماء فقط عند احتراقه، بيد أن عملية إنتاج الهيدروجين التقليدية تستخرج من الغاز الطبيعي ويُنتج بالوقود الأحفوري. وهذه العملية ينبعث منها الكثير من ثاني أكسيد الكربون، إذ يصدر ما يقرب من 10 كجم من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لكل 1 كجم من الهيدروجين. ويُطلق على الهيدروجين الناتج بهذه الطريقة “الهيدروجين الرمادي”، وإذا عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يُعرف بـ”الهيدروجين الأزرق”، فيحتجز ويخزن ثاني أكسيد الكربون بشكل منفصل، ومع ذلك فإن التخزين مكلف ويواجه تحديات لوجستية.

أما “الهيدروجين الأخضر” الذي يشار إليه أيضًا باسم “الهيدروجين النظيف”، فينتج باستخدام الطاقة النظيفة من مصادر الطاقة المتجددة -مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح- لتقسيم الماء إلى ذرتين من الهيدروجين وذرة أكسجين واحدة، من خلال عملية تسمى “التحليل الكهربائي”. وكان التحليل الكهربائي يتطلب -في المعتاد- استهلاك قدر كبير من الطاقة الكهربائية، إلى الحدِّ الذي جعل من إنتاجه بتلك الطريقة أمرًا غير مجد. أما اليوم فقد شهد الوضع تغيُّرًا يُعزى إلى سببين اثنين: أولهما تَوافُر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء؛ فعوضًا عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم “تخزين” الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما السبب الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربائي من زيادة في كفاءتها. وتحول هذه العملية ما بين 70 -80 في المائة من الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية من غاز الهيدروجين. ويتطلب إنتاج كيلو جرام من الهيدروجين ما بين 50-55 كيلو واط/ساعة.

وللهيدروجين الأخضر العديد من المزايا منها الاستدامة؛ فهو لا ينبعث منه غازات ملوثة في إنتاجه أو احتراقه، ويمكن أن يخزن بسهولة لأنه غاز خفيف الوزن للغاية. وهو أيضًا متنوع الاستعمالات، حيث يمكن تحويل الهيدروجين الأخضر إلى كهرباء أو غاز اصطناعي واستخدامه للأغراض المنزلية أو التجارية أو الصناعية أو التنقل، كما أن للهيدروجين الأخضر قدرة عالية على توليد الطاقة. وطاقة الهيدروجين ليست سامة، ولا يسبب الهيدروجين ضررًا لصحة الإنسان على عكس الطاقة النووية أو الغاز الطبيعي.

المشكلة التقليدية في صناعة الحديد

تعتبر صناعة الحديد والصلب إحدى الدعامات الرئيسية التي قامت عليها المدنية الحديثة. وأولى خطوات استخلاص الحديد من خاماته هي تحميص هذه الخامات للتخلص من الماء، ولتحلل الكربونات وأكسدة الكبريتيدات. ثم اختزال أكاسيد الحديد (أي فصل الحديد عن الأكسجين) بعد ذلك في أفران صهر المعادن بواسطة فحم الكوك.

فعندما يدخل الهواء الساخن 1000م في الفرن يتأكسد فحم الكوك في منطقة الأنابيب إلى غاز ثاني أكسيد الكربون وتنطلق كمية كبيرة من الحرارة. وهذا الغاز يختزل عند صعوده إلى أعلى بواسطة الفحم الساخن متحولاً إلى غاز أول أكسيد الكربون، ويتحد أول أكسيد الكربون مع أكسيد الحديد سالبًا الأخير أكسجينه، فيتحرر الحديد المنصهر ويتكون غاز ثاني أكسيد الكربون.

وهذه العملية تستهلك الكثير من الطاقة وينبعث منها عالميًّا من ثاني أكسيد الكربون حوالي 3.3 جيجا طن أو 9 بالمئة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البالغة سنويًّا حوالي 37 جيجا طنًّا.

وبالتالي فإن إزالة الكربون في عملية صنع الحديد يتطلب استبدال الكربون/أول أكسيد الكربون -في هذا التفاعل- بغاز آخر من شأنه أن يؤدي إلى خفض أو انعدام انبعاثات الكربون، مثل الميثان أو الهيدروجين. فاستخدام غاز الميثان -وهو مركب كيميائي يحتوي على الكربون والهيدروجين- سيسمح بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستبدالها جزئيًّا ببخار الماء، أما الهيدروجين سيعمل على إزالة الكربون تمامًا من العملية، حيث ستنتج فقط بخار الماء كمنتج ثانوي.

لذلك فإن إزالة الكربون من عمليات إنتاج الحديد باستعمال الهيدروجين تواجه تحديَين رئيسَين: الأول تحسين وتوسيع المسار القائم على الهيدروجين لإنتاج الحديد والصلب من خلال محطات تجريبية، والثاني زيادة إنتاج الهيدروجين وإنتاج كميات أكبر بتكلفة أقل وبكفاءة أعلى.

تبني الهيدروجين الأخضر

الهيدروجين هو أحد الآمال الرئيسية لمئات الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم، التي التزمت بالوصول إلى حياد الكربون في غضون العقود القليلة القادمة. في الوقت الحالي، أحد أكبر العوائق التي تحول دون اعتماد الهيدروجين، هو تكلفة الكيلوغرام الواحد منه. ومع ذلك فإن الإعفاءات الضريبية للطاقة النظيفة والعقوبات المفروضة على استخدام الوقود الأحفوري، تساعد على خفض التكاليف النسبية لوقود الهيدروجين، بينما تتضاءل التكلفة الفعلية للإنتاج أيضًا. فقد انخفضت تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بنسبة 60% خلال العقد الماضي، وهي تتراوح الآن في حدود 3.6 يورو-5.3 يورو/كجم. وفي ظل الافتراضات المتحفظة يمكن أن ينخفض سعر الهيدروجين الأخضر إلى 1.8 يورو/كجم بحلول عام 2030.

كما يهدف مشروع Hydrogen shot الجديد الذي أعلنت عنه وزيرة الطاقة الأمريكية “جينيفر جرانهوم”، إلى تسريع هذا الاتجاه بشكل كبير وخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين بنسبة 80 بالمئة، والوصول إلى السعر المستهدف البالغ 1 دولار/كجم بحلول 2030.

ومن المتوقع أن يقفز إنتاج وقود الهيدروجين ألف ضعف على مستوى العالم، أو بأكثر من 200 جيجاوات بحلول عام 2040.

من المتوقع أيضًا، أنه مع نضج التكنولوجيا وسلسلة التوريد، سيتوسع متوسط حجم مشروع المحلل الكهربائي للهيدروجين من 1-10 ميجاوات إلى 100-500 ميجاوات بحلول عام 2024.

خيارات سد الفجوة السعرية

هناك ثلاثة محركات رئيسية ستساعد في ترجيح كفة ميزان الهيدروجين على الفحم (والانتقال من الفحم إلى الهيدروجين) في صناعة الحديد:

– الزيادة في أسعار انبعاثات الكربون.

– التوسع على نطاق واسع في إنتاج الهيدروجين يؤدي إلى انخفاض تكلفة منشآت المحللات الكهربائية -التي تقوم بفصل الماء- المركزية واسعة النطاق التي يمكن ربطها مباشرة بأشكال الطاقة المتجددة.

– مواصلة هبوط أسعار الطاقة المتجددة

تشير التقديرات إلى أن الهيدروجين سيصبح الخيار الأقل تكلفة في حالة وصل سعر الطن من انبعاثات الكربون أكثر من 60 يورو، ومؤخرًا قفز سعر الطن من 5 يورو إلى 20 يورو عندما خفضت المفوضية الأوروبية العرض في أواخر عام 2018. لكن من الصعب التنبؤ بما إذا كان سيزيد أكثر ليصل إلى 60 يورو للطن في أي وقت قريب.

عادة ما يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر الإلكتروليتي حاليًّا في منشآت صغيرة الحجم تبلغ حوالي 2 ميجا واط/ساعة. مع انتقال الصناعة إلى منشآت أكبر (تصل إلى 90 ميجا وات) وإنتاج كميات أكبر، يمكن تقليل مساهمة تكاليف استثمار مرافق التحليل الكهربائي في سعر الهيدروجين بنسبة تتراوح بين 60-80 بالمئة.

يمكن أن تكون تكلفة الكهرباء التي تنتجها طاقة الرياح أقل بنسبة 50 بالمئة في عام 2030 مقارنة بعام 2017. ومن ثم يمكن أن يؤدي التأثير المشترك لانخفاض تكاليف الاستثمار وانخفاض أسعار الكهرباء، إلى انخفاض أسعار الهيدروجين بنسبة 60 بالمئة بحلول 2030.

مبادرات ومشاريع قيد التنفيذ

ذكر تقرير صدر في مايو 2021 من وحدة معلومات الطاقة والمناخ، أن 23 مشروعًا للحديد-الهيدروجين يتم التخطيط لها، أو يجري تنفيذها في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك الخطط لإنتاج مئات الآلاف من الأطنان من الحديد الأخضر بحلول العام القادم.

على سبيل المثال، بدأت شركة الصلب السويدية SSAB سعيها لإنتاج الحديد الخالي من الفحم وتهدف إلى ذلك في عام 2035، وتريد طرح الحديد الخالي من الكربون في السوق في غضون خمس سنوات، وقد أقامت شراكة مع شركتي LKAB وVattenfall وهما أكبر منتج لخام الحديد في أوروبا ومولدات الكهرباء على التوالي.

 

(*) كاتب وباحث يمني.

المراجع

(1) https://www.whitecase.com/publications/insight/green-edge-steel-cutting-through-carbon

(2) https://markets.businessinsider.com/news/etf/biden-s-energy-earthshot-and-other-hydrogen-news-1030748756

(3) https://theconversation.com/green-steel-is-hailed-as-the-next-big-thing-in-australian-industry-heres-what-the-hype-is-all-about-160282

(4) https://www.europarl.europa.eu/thinktank/en/document.html?reference=EPRS_BRI(2020)641552

(5) https://www.sciencedaily.com/releases/2021/08/210830163943.htm