(الإنسان الماسة والإنسان الفحمة)
لا يختلف الفحم عن الماس من حيث التركيب الكيميائي.. فالفحم كما الماس يتكون من ذرات الكربون الصغيرة.. إلا أن الفارق بينهما كبير تمامًا كما التشابه البيولوجي بين البشر فيما التباين الأخلاقي والنفسي بينهم يملأ آفاق السماء…
تقول الحقائق العلمية: إن الفحم والجرانيت والماس كلها صور من صور الفحم.. إلا أن الفحم يتكون من ذرات متباعدة وغير مترابطة من الكربون؛ ويستخدم في الحرق لتوليد الطاقة..
بينما يستخدم الجرافيت مثلاً؛ المكون من ذرات الكربون أيضًا؛ في صناعة أقلام الرصاص..
أما الماس فيتكون من ذرات الكربون المترابطة ترابطًا شديدًا ومنتظمًا في باطن الأرض، ما يمنحه تكوينه البلوري ويجعله سيد المجوهرات.. فالجرام الواحد منه يساوي أطنان من الفحم.
إن نظرة متأملة لتلك المعلومات البسيطة تجعلنا نرى بعض البشر يشبهون الفحم في هشاشة تركبيهم الأخلاقي وهزال ثقافتهم وضعف نفوسهم.. بينما يتلألأ البعض كالماسة وتسطع أرواحهم البلورية لتضيء العالم من حولهم.
وهذا الإنسان “الماسة” مترابط التكوين كذرات الماس المتماسكة بشدة.. يتمسك بمبدأه فيزداد صلابة وفي ذات اللحظة يزداد نقاء فيقترب أكثر ما يكون من الماسة الصلبة والشفافة معًا.. وهذا ما يرفع قيمته عند الله وعند الناس..
ويختلف الماس كثيرًا في صورته الخام -عند استخراجه- عن الصورة التي يكتسبها بعد النحت والتقطيع والتشكيل.. إذ يفقد نحو 65% من وزنه أثناء عملية صقله وتهذيبه وتشكيله.. ليخرج بعدها آية في الروعة والجمال.. في تشابه رهيف لما يحدث للروح المجاهدة حين تسعى للترقي وتزيين العقل بالمعارف العالية والقلب بالتقوى والعبادات.. فتفقد كل ما يشينها وتبقي على كل ما يرفع قدرها مصداقًا لقول الباري عز وجل: “قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها”
والإنسان يمر بمراحل من التطور والنمو.. البعض يتوقف عند مرحلة “الفحم” الرخيص..
والبعض يواصل النضال حتى يصل لمرحلة “البرلنت” وهو أغلى أنواع الماس لأنه الأكثر صلابة ونقاء معًا.. ويمتاز بقدرته على نشر الضوء وانعكاسه عليه.. فهذا الإنسان لا يضئ حياته فحسب، بل يتعدى ذاته لينشر الضوء ويوزعه على من حوله.. لهذا فهو من أنفس المعادن.
ومن فئة البشر “البرلنت” هذه ظهر الأنبياء والمرسلون والصالحون المصلحون في كل زمان ومكان.. وبقيت ذكراهم كما الماسة تسطع بأضواء تنقلنا إلى عوالم ولا أروع..
عوالم من الجمال والكمال والحنين أيضًا!!