قِفْ بيْ عَلَى هَذا المقَامِ نُكَبِّرُ |
وَنَصُوغُ مِنْ أشعارِنا ما نَشْعُرُ |
شَغَفًا بأنوارِ المقامِ وَأهْلِهِ |
نَتْلُو عَلَى الأسْمَاعِ ما يَتَيَسَّرُ |
هَذا مَقَامٌ شَاعِرِيٌّ كُلَّمَا |
هَامَتْ رُؤايَ بهِ أهيمُ وَأُبحِرُ |
لُغَةٌ بآياتِ الكتَابِ تَنَزَّلَتْ |
سُبْحانَ مَنْ أوْحَى بها وَيُفَسِّرُ |
فِيْ سِرِّهَا الكوْنِيِّ كمْ مِنْ آيةٍ |
فِيهَا هُدًى للنَّاسِ كيْ يَتَفَكَّرُوا |
فِيهَا بَيَانٌ مُعْجِزٌ فِيْ ذاتِهِ |
وَرَشَاقَةٌ.. وَمُرُونَةٌ.. وَتَحَضُّرُ |
وَبِهَا الوجودُ بلفظِهِ وَصِفاتِهِ |
وَلهَا الخلودُ كمَا يليقُ وَأكثَرُ |
وَلأنَّها لغةُ الكتابِ |
فكلُّ مَا فِيْ مُحْتَواها مُحْكَمٌ وَمُقَدَّرُ |
مَا مِنْ فقيهٍ بالكتابِ وَعارفٍ |
إلَّا وَفي أسرارِهَا يَتَبَحَّرُ |
قُدُسيَّةٌ لا رَيْبَ فِيمَا أُنزِلَتْ |
كَوْنيَّةٌ فِيمَا احتَوَتْ وَتُبَشِّرُ |
أزليَةٌ مُنْذُ العصُورِ تَشَكَّلَتْ |
أبديَّةٌ عَبْرَ الرُّؤى تَتَطَوَّرُ |
مُذْ أقبلَ التَّاريخُ يَشْهَدُ أنَّها |
أُمُّ اللُّغاتِ وَفَضْلُها لا يُنْكَرُ |
فإذا تَبَدَّلَتِ الرُّؤى وَتَغَيَّرَتْ |
فَشَهادَةُ التَّاريخِ.. لا تَتَغيّرُ |
لُغَةٌ يَحَارُ العقلُ في إيجازِها |
حَتَّى أحَاطَتْ كُلَّ ما أتَصَوَّرُ |
وَتَكَلَّمَ الإعجازُ فِي إعجازِهَا |
حَقٌّ لِمَنْ نَطَقُوا بها أنْ يَفْخَرُوا |
فَالنَّاطقُونَ بها يَكادُ وَقارُهُمْ |
بِالنَّاطقينَ بِغَيْرِهَا.. يَسْتَأثِرُ |
وَيَكادُ يَجْتازُ القلُوبَ بيانُها |
وَكأنَّها تنهَى القلُوبَ وَتأمُرُ |
وَكفَى مِنَ الإجلالِ إجلالاً لهَا |
أنْ كانَ يَنْطقُها “النَّبِيُّ الأَخْيَرُ” |
بَلْ غايَةُ الإجلالِ وَالتَّكريمِ |
أنْ يُوحِي بها “رَبُّ الوجودِ” وَيُخبِرُ |
لغةٌ بها نزلَ الكتابُ مُفَصلاً |
آياتُهُ نورٌ لمَنْ يَتَدَبَّرُ |
تَتَزَيَّنُ الأوراق حينَ يَخُطُّهَا قَلَمٌ |
وَتَزْهُو بالحروفِ الأسْطُرُ |
لمْ يأتِ مِنْ بينِ اللُّغاتِ نظيرُها |
بَلْ إنَّها بينَ اللُّغَاتِ الجَوْهَرُ |
بَقِيَتْ على مَرِّ الزَّمانِ فَرِيدَةً |
مِنْ نَوْعِهَا تُثْني عليها الأدْهُرُ |
كَالشَّمْسِ سَاطِعَةٌ يَشُعُّ ضِيَاؤُهَا |
فِيْ كُلِّ أقطَارِ الخَليقةِ تَظهَرُ |
فَإذا تَدَاعَى المنكرونَ لفَضْلِهَا |
فالشَّمْسُ لا تَبْدُو لمَنْ لا يُبْصِرُ |
لا وصفَ يُعجِزُهَا وَيُعجِزُ وَصفُها |
فَخَيَالُنا عَنْ وَصفِهَا يَتَعَثَّرُ |
كُلُّ القصَائدِ لا تُحيطُ بِمَدْحِهَا |
وَلعَلَّني، فيْ ضَوْءِ ذلكَ أُعذَرُ |
عُذري بهذا البَوْحِ أنِّي عاشِقٌ |
وَبقَدْرِ مَا أهوَى أبوحُ وَأذكرُ |
حَاوَلْتُ مُجتَهِدًا وَحَسْبي أنني |
فِي وَصفِهَا مَهْمَا اجتَهَدْتُ مُقَصِّرُ |
جَهْدُ المُقلِّ بِمَا اسْتَطاعَ وَحَسْبُهُ |
أنَّ المقَامَ هُنا.. أجَلُّ.. وَأكبَرُ |