القرَّاء هم النخبة المؤثرة في الأمم، فهم يمثلون العقول المفكرة، والصفوة العاملة، والأيدي الناهضة، يرتقون بعقول أممهم، يشيدون صروحًا من العلم ويبنون قصورًا من المعرفة، يقربون أصولها، ويوضحون إشكالاتها، فهم سواعد البناء والعطاء، يستشرفون المستقبل، ويعدون العدة لمواجهة تحدياته وعلاج مشكلاته، يعيدون اكتشاف الماضي عبر تأمل أحداثه الغابرة والاتعاظ بعبره الزاهرة والتعلم من دروسه الباقية، ويسعون لقراءة الحاضر واستشراف المستقبل عبر علومهم ومعارفهم، فمعارفهم لا تظل حبيسة عقولهم ولا موقوفة على خزائن مكتباتهم، بل يخرجونها للواقع، لتعمل في نهضة بلادهم وتنمية أممهم والرقي بمجتمعاتهم.

والشباب هم خير من يوجهون للقراءة النافعة ويشجعون على المطالعة الهادفة، فالقراءة ترقى بعقولهم وتصلح من نفوسهم وتزكي من أرواحهم وتهذب أخلاقهم، وتصعد بوعيهم، وتصحح مسارهم وتعدل عوجهم، وتبدل من اهتماماتهم، ولديهم من الهمم العالية التي تتعطش للمعرفة النافعة وتشتاق إلى الثقافة الهادفة التي تروي الكثير من ظمائهم وتشفي صدورهم وتذهب درن عقولهم.

والشباب هم أكثر من يستجيب لدعوة الأنبياء والمصلحون في الغالب من صفوفهم وهل كان أبو الأنبياء في دعوته وتحطيمه للأصنام إلا فتى، وهل كان أهل الكهف عندما آمنوا واهتدوا إلا فتية في عمر الشباب؟ فالشباب هو وقت العمل، ففي الشباب العطاء والبناء والتضحية والتطوير والتغيير، وفيه القوة التي تصهر الصعاب، وتفتت الصخور، وهل تملأ الشمس الأرض بالنور والضياء إلا في أول النهار، فمن لم يبن في عمر الشباب فهيهات هيهات أن يبني في الكهولة أو الشيخوخة.

والشباب لديهم طاقة قوية في العمل بما يعلمون، والتطلع لمعرفة ما يجهلون وهم يتطلعون لما ينفعهم وينفع بلادهم، بل وعندهم طاقة لاكتشاف الجوانب المجهولة في الحياة، وإصلاح النقص في بلادهم، وفي توجيههم نحو القراءة النافعة وحثهم عليها: بناء لشخصيتهم وتقوية لعقيدتهم الصحيحة واستفادة من طاقاتهم الكامنة، فإذا زودناهم بمحبة القراءة والمطالعة النافعة نكون كأننا نزودهم بالوقود البناء.

الشباب هم خير من يوجهون للقراءة النافعة ويشجعون على المطالعة الهادفة، فالقراءة ترقى بعقولهم وتصلح من نفوسهم وتزكي من أرواحهم وتهذب أخلاقهم.

أثر القراءة في الشباب

القراءة لها أثر عظيم في الشباب وفي النقاط التالية توضيح أكثر لهذا العنصر:

1- القراءة النافعة من أهم الأشياء التي ترتقي بشخصية الشباب فهي تحسن من فكرهم وتوسع من أفقهم وترقى بوعيهم وتحسن من اهتماماتهم وتملأ قلوبهم أملاً ورجاءً، وتدعوهم للإيمان بالله والعمل الصالح والعطاء لصالح أمتهم، فالعلم يهيئ النفس للإيمان ويحث عليه.

2- القراءة من أهم الوسائل التي ترمم جراح الشباب وتساعد على علاج مشكلاتهم والتخلص من عيوبهم وإنارة الجوانب المظلمة في شخصياتهم، بل إن القراءة النافعة هي مضاد حيوي لليأس ومطهر فعال للقنوط.

3- القراءة من أهم السبل التي تدفع الشباب للإبداع وإخراج الخيال المبدع مما يحسن من أعمالهم ويطور من جهودهم.

4- القراءة قادرة على إخراج طاقات الشباب ومعينة على اكتشاف مواهبهم واستغلالها استغلالاً أمثلاً، فالقراءة تمد القراء بعشرات التجارب النافعة من المخترعين والمبدعين والباحثين، وتزودهم بالأفكار النيرة وبالمعارف النافعة التي تضيء دروبهم.

5- القراءة من أهم الأعمال التي تملأ بها أوقات فراغ الشباب، فخير استغلال لأوقاتهم الضائعة وساعاتهم المهدرة هو القراءة النافعة والمطالعة الهادفة في الكتب الجيدة والبحوث المحررة.

6- القراءة النافعة من أهم الواجبات التي ينبغي أن يوجه إليها الشباب خاصة في هذا العصر التي انتشرت فيه السطحية وضعفت فيه القراءة واعتمد الكثير على محركات البحث الإلكترونية والمعلومات المخزنة فضعفت الهمة نحو المطالعة النافعة والقراءة العميقة.

7- القراءة النافعة هي من أهم الحصون التي تحمي الشباب من الانحراف الفكري والوقوع في تيار الجماعات المتطرفة، وهذا يحدث عبر قراءة النصوص الشرعية والاطلاع على تفسيرها الصحيح عبر كتب الراسخين في العلم.

8- القراءة تساهم في سرعة نضج الشباب فتقلل من طيشهم وتخفف من العجلة لديهم، فتجعلهم يتدبرون ما يقولون، ويفكرون فيما يفعلون ويتريثون في قراراتهم وينظرون لمآل ما يريدون.

القراءة من أهم السبل التي تدفع الشباب للإبداع وإخراج الخيال المبدع مما يحسن من أعمالهم ويطور من جهودهم.

عوائق تمنع الشباب من القراءة النافعة

هناك عدة أشياء تعد من العوائق التي تمنع الشباب من القراءة وتصرفهم عن المطالعة نذكر منها ما يلي مع ذكر العلاج:

1- وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الحديثة من أخطر ما يصد عن القراءة ويصرف عن المطالعة، وهذه الوسائل قد تكون معينة على القراءة إن أمكن الشباب الاستفادة منها، فهناك الكتب الإلكترونية المناسبة ذات الحقوق المتاحة مثل الكتب التي تنشرها مؤسسه هنداوي عبر الإنترنت التي يستطيع الشاب مطالعتها عبر هاتفه فينتقي الشباب ما يناسبه منها، ويستطيع المرء الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي عبر الاشتراك في مجموعات القراءة النافعة.

2- النظر للقراءة بمنظور مادي فقط، فنجد بعض الشباب يقيس النجاح بمقياس مادي وهو تحقيق الشهرة وتحقيق الثراء، فينظر للفنانين الذين لم ينالوا علمًا كثيرًا، ولكنهم نالوا حظوة كبيرة وارتفعت مكانتهم على ذوي العلم والمعرفة مما يزهده في العلم والقراءة، وهذا مقياس ناقص، فنيل العلم والمعرفة يرقى بصاحبه ولو كان من الفقراء ومحدودي الدخل، فلقد كان من علماء الشريعة من هو من أصحاب الحرف ومع ذلك كانت لهم المكانة العالية عند الناس.

3- عدم اعتياد القراءة منذ الصغر، وهذه من أكبر العقبات التي تمنع الشباب من التلذذ بالقراءة والتمتع بالمطالعة وهذه العقبة يستطيع الشباب التغلب عليها بالبداية بالكتب السهلة وبالقصص النافعة ذات التوجه الإسلامي.

وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الحديثة من أخطر ما يصد عن القراءة ويصرف عن المطالعة، وهذه الوسائل قد تكون معينة على القراءة إن أمكن الشباب الاستفادة منها.

أسباب ارتقاء القراءة بالشباب

هناك عدة أسباب تساعد الشباب على الارتقاء عبر القراءة وهذا يتم عبر عدد من السبل والطرائق التالية:

1- توجيه الشباب نحو الكتب النافعة والقصص الهادفة التي ترقى بعقولهم وتحسن من ثقافتهم وترتقي من علمهم الشرعي، وينبغي أن يوجهوا للكتب السهلة سواء في العلم الشرعي أو الثقافة الإسلامية أو الثقافة العامة، ثم يتدرجون للأعلى فالأعلى، ولا يبدؤون بالكتب القديمة التي تصعب عليهم مثل كتب المتقدمين والمتخصصين، فهذه تصعب عليهم لو ابتدأوا بها في أول مطالعتهم.

2- الاهتمام بقراءة كتب الرقائق النافعة الخالية من شطحات المتصوفة، مثل رياض الصالحين للنووي ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة وصيد الخاطر لابن الجوزي، وكتب الزهد للمتقدين مثل كتاب الزهد لوكيع والزهد للإمام ابن المبارك والزهد للإمام أحمد والزهد لهناد بن السري والزهد لأبي داود والزهد لابن أبي الدنيا، وقراءة كتاب الرقاق من صحيح البخاري، فتزكية النفوس من أهم المقاصد التي ينبغي للشباب العناية بها وقراءتها في مطلع ثقافتهم تساهم في إصلاحهم والرقي بهم وعدم الوقوع في انحرافات أخلاقية.

3- الاعتناء بالقراءة في مفاتيح العلوم مثل النحو وأصول الفقه وأصول التفسير ومصطلح الحديث وعلوم العربية حتى يسهل عليهم القراءة في كتب المتقدمين وفهم لغتهم وتبين مقاصدهم في التأليف والاستفادة بمطالعتها، فهذه مفاتيح العلوم الشرعية.

4- تشجيع الشباب على قراءة الروايات الهادفة ذات الطابع الإسلامي والتوجه النافع، فهناك عدد من الروائيين لهم رسالة فيما يكتبون، يريدون توصيلها للقراء، ليس هدفهم الشهرة ولا المجد الأدبي فقط، وهذه الروايات المفيدة تحتوي على ثقافة نافعة وأفكار هادفة، والمفيد في تلك الروايات أن توصل تلك الأفكار والثقافة بقالب قصصي نافع، فلا يشعر القارئ بثقل تلك المعارف والأفكار.

5- الاستفادة من كتب الرواد في الأدب الإسلامي، مثل كتابات الرافعي والمنفلوطي والزيات ومحمود شاكر والطنطاوي وأنور الجندي ونجيب الكيلاني وأبي الحسن الندوي وعبد الباسط بدر.

6- عدم الولوج للثقافة الغربية خاصة في العلوم الإنسانية قبل التضلع بالثقافة الإسلامية لا سيما فلسفة العلوم الإسلامية، لأن بداخل تلك العلوم الإنسانية الغربية يجد القارئ الفلسفة الغربية مشبعة بها، فعلم الاجتماع لا يخلو من النزعة الغربية للمؤلفين وكذا علم النفس والفلسفة، فالمؤلفون لتلك العلوم لا يتنزهون عن التأثر بثقافتهم وعقائدهم الغربية، وهذا قد لا يظهر للبعض، فيظن أن العلم مصبوغ بصبغة موضوعية.

7- عدم القراءة في كتب أهل الباطل التي يعرضون فيها باطلهم ويذكرون فيها شبهاتهم قبل الاستواء والتضلع من العلوم الإسلامية وقراءة الكتب التي تبين الحق وترد على أهل الباطل، فلا يقرأ مثلاً في كتب الملل المحرفة قبل القراءة في الكتب التي تبين زيفها مثل كتب الباحث سامي العامري مثلاً فقد كتب أبحاثًا ممتعة في ذلك، فربما يقرأ البعض الشبهات قبل قراءة الحق فتعلق شبهة في قلبه.

8- الاستفادة من علماء المسلمين في علم الاجتماع وعلم النفس وفلسفة التاريخ قبل الدخول في العلوم الغربية، فلدينا عدد من العلماء نستطيع الاستفادة من كتبهم في تلك العلوم، مثل أبي حامد الغزالي وابن رجب وابن القيم وابن خلدون والماوردي والجاحظ وابن المقفع وابن حزم وغيرهم كثير.

9- الاستفادة من المتخصصين من العلماء وطلاب العلماء والمثقفين الكبار مما يكتبونه عبر منصات التواصل الاجتماعي، فالمرء قد يتعذر لقاء هؤلاء الثلة، لكن باستطاعته أن يتصل بهم ويستشيرهم عبر ذلك الفضاء التقني فيسألهم حول الإشكالات العلمية والمعرفية ويسألهم عن الكتب المناسبة في العلوم والمعارف المختلفة.

10- عدم القراءة للمشاهير دون استشارة الثقات في تلك الكتب، فلا ينبغي للمسلم أن يغتر بالكتب المشهورة أو الأكثر مبيعًا، فهذه قد لا تخلو من الخلل، فقراءة الكتب السيئة من أسباب الضلال والانحراف، فليحذر المسلم من قراءة تلك الكتب دون استشارة المتخصصين في ذلك، فالقلوب ضعيفة والشبه خطافة.

توجيه الشباب نحو الكتب النافعة والقصص الهادفة التي ترقى بعقولهم وتحسن من ثقافتهم وترتقي من علمهم الشرعي.

القراءة من أهم الوسائل التي يحتاجها الشباب، فهي ترقى بعقولهم، وتصلح من قلوبهم، وترمم من جروحهم وترفع من وعيهم وتكشف عن جوانب نبوغهم، فما أحوجهم للقراءة الهادفة الراشدة التي تنفعهم ولا تضرهم، وتبنيهم ولا تهدمهم، فلنذكر شبابنا بأهمية القراءة في حياتهم وندلهم على ما يناسبهم وينفعهم من الكتب.