الشاعر: ابن المُقْرِي (755 837هـ/ 1354 1433م)

إسماعيلُ بنُ أبي بكرِ بنِ عبدِالله بنِ إبراهيم الشَّرْجِيُّ (نسبة إلى شرجة من سواحل اليمن)، الحُسينيُّ (نسبة إلى قرية أبياتِ حُسين المَهجورة حاليًا، شمالَ مدينةِ زبيد)، الشَّاوَرِيُّ (نسبة إلى قبيلة بني شَاوَر من بُطونِ حاشِدٍ) اليَمَنيُّ، لقبُه شرفُ الدين، وكُنيتُه أبو محمد، ويقال له: ابنُ المُقرِي الزَّبيدِي، أو إسماعيلُ ابنُ المُقْرِي، فقيهٌ شافعيٌّ مُحَقِّق وعالم مسلم من أهل اليمن، ولد عامَ خمسةٍ وخمسينَ وسبعِمئةٍ للهجرة، اهتم بالفقه دراسةً وتدريسًا بتَعِزَ وزَبيدَ، ووَلِي إمرةَ بعضِ البلادِ في دولةِ الأشرافِ، وكان بارعًا في الأدب واللغة والشعر والتأليف والكتابة نظمًا ونثرًا، وله مؤلفات عديدة في الفقه والأدب والشعر واللغة والتاريخ… وغيرها، ومات في زبيدَ، يومَ الأحدِ، مُنْتَهى شَهْرِ صَفَرٍ سنةَ سبعٍ وثلاثينَ وثمانِمِئةٍ للهجرة، من مؤلفاته: عنوانُ الشرف الوافي، وإرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي (في فروع الشافعية) الذي اختصر به كتاب الحاوي الصغير للقزويني.

له شعرٌ رائقٌ جارٍ على طريقتِه البديعةِ الغريبةِ في التأليفِ، أشهره القصيدة المُخلَّعة التي تُقرَأُ على وُجوهٍ كثيرة، ومن شعرِه الذي يتحدثُ فيه عن الصومِ والشهرِ المباركِ.

القصيدة: يقول من الكامل:

أَهْلاً بما أَنسى الذُّنوبَ المُذْنِبَا  وَدَعا بـ “حيَّ على الصِّيامِ”، وثَوَّبَا
وَمَحَتْ خَبيثاتِ المَآثِمِ صَوْمُهُ  وَمَلا صَحائِفَها ثوابًا طَيِّبا
فَلْيَهْنِ يَحْيَى أَنَّهُ لم يُلْهِهِ  مُلْكٌ بِهِ تَلْهو المُلوكُ، ولا نَبا
وَلْيَهْنِهِ أَجْرٌ كأَجْرِ صلاةِ مَنْ   صَلَّى، وصامَ بشهرِهِ، وتَحَزَّبا
أَعْيا الكرامَ الكاتبينَ لَهُ، بِهِ  ما يَكْتُبونَ منَ الثوابِ، وَأَتْعَبا
وأعاضَ كتَّابُ الشِّمالِ مَكاشِطًا  يَكْشُطْنَ ما أُمِروا بهِ أن يُكْتَبا
أَجْرٌ، وعتقٌ في الصيامِ، وصِحَّةٌ   في الجِسْمِ، أَكْرِمْ بالثلاثةِ مَكْسَبا
مَنْ فاتَهُ هذا، وذاكَ، وهذِهِ  مِنَّا، ففي الدَّارينِ عاشَ مُعَذَّبا
شَهْرٌ، بهِ امْتَحَنَ المُهَيْمِنُ خلقَهُ   بالصَّومِ، وهْو قضيَّةٌ لن تَصْعُبا
وأَعاضَهُمْ عنهُ نَعيمًا، لَوْ سَرى  بعذابِ نارِ جهنَّمٍ، لاسْتَعْذَبا
فَلْيَشْكُرَنَّ اللهَ عَبْدٌ، قَدْ جَزى   هذا الجَزا بِعِبادةٍ لن تُتْعِبا

وقال من البحر الوافر:

لَيَوْمٌ واحدٌ لكَ في الصيامِ   يَفي بِصيامِ غَيْرِكَ أَلْفَ عامِ
وَما أحدٌ بِصَوْمِ سِواهُ يُجْزَى وأنتَ تُثابُ في صَومِ الأَنامِ
وأنتَ لِمَن يصومُ ومَنْ يُصَلِّي   شريكٌ في الصلاةِ وفي الصيامِ
ومَنْ للمرءِ أن يُحْيِي الليالي   ويكتبَ أجرَه لكَ بالتمامِ
لقد صابرْتَ هذا الشهرَ فيما   أُمِرْتَ به مُصابَرَةَ الكِرامِ
ظَلَلْتَ بهِ نهارَكَ في صيامٍ  مُكابَدَةً، وليلُكَ في قيامِ
أَقَمْتَ شعارَ دينِ اللهِ فيهِ  بما أَحْيَيْتَ مِنْ هذا المقامِ
جَمَعْتَ على الصلاةِ، تَصُفُّ فيهِ   ذَوي الألبابِ والهِمَمِ السَّوامي
فَمِنْ بحرٍ مِنَ العلماءِ طامٍ   ومِنْ لَيْثٍ مِنَ العُظماءِ حامِي
وَقَدْ لَبِسوا السكينةَ، واسْتلاثوا  جلابيبَ الحَيا وَالإِحتشامِ
فلا الأَسْماعُ تَسْتملي حديثًا  ولا الأفواهُ تَنْطِقُ بالكلامِ
وقد جَمَّعْتَ شَمْلَهُمُ كعِقْدٍ  جُمِعْنَ بهِ الفرائدُ في نظامِ
وَقامَتْ للصلاةِ بِهم صفوفٌ   تَغُصُّ لها الأماكنُ في الزِّحامِ
وقامَتْ حولَكَ القُرَّاءُ تَتلُو  حكيمَ الذِّكْرِ والآيِ العظامِ
مُرَجِّعَةً بأصواتٍ حسانٍ   مُغرِّدةً كتغريدِ الحَمامِ
وقد أَبكَتْ مواعظُهم، وأَمسَتْ  جراحاتُ القلوبِ بها دَوامي
مواعظُ.. وَقْعُها في القلبِ يُحكَى  لِما ضَمِنَتْهُ مِنْ وَقْعِ السِّهامِ
وَذِكرى لا يُضَلُّ بها، وحُكْمٌ   يَبينُ به الحلالُ من الحرامِ
وقد صُبَّتْ بهِ البركاتُ صَبًّا   عليكَ، وَفِضْنَ كالدِّيَمِ السِّجامِ
وهذي ليلةُ القدرِ، افْتَتَحْنا مواهبَها بآياتِ الختامِ
مباركةٌ يَفُكُّ اللهُ فيها رقابَ المُكْثرينَ منَ الأَثامِ
فكم من دعوةٍ رُفِعَتْ لداعٍ  فَنالَ بها البعيدَ مِن المَرامِ
وكم خرجَتْ تواقيعٌ بِبُشْرى  على أَيْدي الملائكةِ الكِرامِ
وأبوابُ السَّماءِ مُفَتَّحاتٌ  لمن يدعو الإلهَ من الأنامِ
أبا العبَّاسِ، هذا الشهرُ وَلَّى   ببهجتِهِ، وَأَذَّنَ بانْصِرامِ
وقد أَوْدَعْتَهُ حَمْدًا وأَجْرًا   غَنِمْتَ صنيعَهُ أيَّ اغْتِنامِ
فوا أَسَفا على تلكَ اللَّيالي  وطيبِ العيشِ فيها والمُقامِ
ويا شهرَ التلاوةِ قد تَدانَى فِراقُكَ، وانْقَضى عِقْدُ الذِّمامِ
عَلى أَنَّا سيجْمَعُنا التَّلاقي  إذا عِشْنا، وَلكنْ بعدَ عامِ