ابنُ الجَنانِ الأَنْصارِيُّ:

أبوعبدالله محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري، شاعرٌ أندلسيٌّ، ولد عام خمسةَ عشرَ وستِّمئةٍ للهجرة (615هـ / 1218م)، عاش في زمرة الموحدين، فشهد عصرَهم الذهبيَّ، وانحسارَهم وضعفَهم، وكان متعلقًا بأبيه، وبَارًّا بأُمِّهِ، وكان له أخوانِ خاطَبَهما بشعرٍ لمَّا رَثى والِدَه، أحرزَ مكانةً وشهرةً في عصرِه، وكان شاعرًا وناثرًا أيضًا؛ إذ جَرَتْ بينَه وبينَ الأدباءِ مخاطباتٌ ومراسلاتٌ، تُوُفِّيَ في بِجايَةَ سنة ستٍّ وأربعين وستِّمئةٍ للهجرة (646هـ/ 1248م)… قال من البحر الطويل:

مَضى رمضانٌ، أو كأنِّي بهِ مَضى   وغابَ سَناهُ بعدَما كانَ أَوْمَضا
فيا عهدَهُ، ما كانَ أكرمَ مَعْهَدًا   ويا عصرَهُ، أَعْزِزْ عَلَيَّ أَنِ انْقَضَا
أَلَمَّ بِنا كالطَّيْفِ في الصيفِ زائرًا   فَخَيَّمَ فينا ساعةً، ثم قَوَّضَا
فيا ليتَ شِعري؛ إِذْ نوى غُرْبَةَ النَّوى  أَبِالسُّخْطِ عَنَّا قد تَوَلَّى، أَمِ الرِّضا؟
قَضَى الحقَّ فينا بالفضيلةِ جاهِدًا   فأيُّ فَتًى فينا له الحقُّ قد قَضَى
وكَمْ مِنْ يدٍ بيضاءَ أَسْدى لِذي تُقًى  بِتَوْبَتِهِ فيه الصحائِفَ بَيَّضَا
وكم حَسَنٍ قد زادَهُ حُسْنُهُ سَنًى   مَحاهُ، وَبالإِحسانِ والحُسْنِ عُوِّضَا
فَللهِ مِنْ شهرٍ كريمٍ تَعَرَّضَتْ   مكارِمُهُ، إلا لِمَنْ كانَ أَعْرَضا
ففي بَيْنِهِ بَيِّنْ شُجُونَكَ مُعْلِمًا  وفي إِثْرِهِ أَرْسِلْ جُفُونَكَ فَيْضَا
وَقِفْ بِثَنِيَّاتِ الوَداعِ، فإِنَّها تُمَحِّصُ مُشْتاقًا إِلَيْها، وَمُمْحِضَا
فيا حسنَها من ليلةٍ جلَّ قَدْرُها   وحَضَّ عليها الهاشِمِيُّ وَحَرَّضَا
لعلَّ بقايا الشهرِ وَهْيَ كريمةٌ   تُبَيِّنُ سِرًّا لِلأَواخِرِ أُغْمِضَا
وقدْ كانَ أَصْفَى وِرْدِهِ كَيْ يُفِيضَهُ   ولكنْ تَلاحَى مَنَ تَلاحَى فَقَيَّضَا
وقالَ: اطْلُبُوها تَسْعَدوا بِطِلابِها  فَحَرَّكَ أَرْبابَ القُلُوبِ وأَنْهَضَا
جَزاهُ إلهُ العَرْشِ خَيْرَ جَزائِهِ  وَأَكْرَمَنا بالعَفْوِ مِنْهُ وَبالرِّضا
وَصَلَّى عليهِ مِنْ نَبِيٍّ مُبارَكٍ   رؤوفٌ رحيمٌ، للرسالةِ مُرْتَضَى
لَهُ عِزَّةٌ أَعْلى مِنَ الشَّمْسِ مَنْزلاً   وَعَزْمَتُهُ أَمْضَى مِنَ السَّيْفِ مُنْتَضَى
لَهُ الذِّكْرُ يَهْمِي فَيْضَ مِسْكِ خِتامِهِ  تَأَرَّجَ مَنْ رَيَّا فَضائِلُهُ الفَضَا
عليهِ سلامُ اللهِ ما انهَلَّ ساكِبٌ   وَذَهَّبَ مُوشِيَّ الرياضِ وَفَضَّضَا