تمر بعض الدول العربية والعديد من دول العالم في عصرنا الحالي بأحداث زلازل لم تعهدها من قبل، وكانت سوريا هي الدولة التي حدث فيها زلزال مدمر أدى إلى قتل الآلاف من الناس، مما يضع المرء أمام حالات نفسية صعبة قد تؤدي في غالب الأحيان ولدى الكثير من الناس إلى تأزم نفسي يصل حد المرض أو قد يتفاقم، ويصبح مرضًا حقيقيًّا يحتاج إلى علاج نفسي عاجل.
من هنا آثرنا الحوار مع الدكتورة السورية “ريم شطيح” وهي مختصة في علم النفس العام، أستاذة في جامعة “أوهايو” في أميركا، وجرى الحوار حول نقاط عدة تشمل تعريف الحدث الصادم، وما هي الأعراض التي تظهر على الشخص الذي تعرض للحدث الصادم، أي الاضطراب ما بعد الصدمة، كذلك العلاج النفسي، وتناولنا بعض الإرشادات التي تخص الأطفال عند تعرضهم للحدث الصادم أيضًا.
بداية، عرفت الدكتورة “ريم شطيح” الحدث الصادم بما يلي:
الحدث الصادم: هو أي حدث يُسبّب الكثير من التوتر والضغط النفسي، يترافق معه إحساس بالرعب أو العجز والشعور بالتهديد سواء تهديد الحياة أم خسارة معينة أو أحيانًا كشف لشيء ما. كل هذا يصيب الإنسان بالذعر والشعور بالعجز وعدم تحمّل الحدث. وأذكر مثلاً بعض الأمثلة على اضطراب ما بعد الصدمة مثل: كارثة طبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق والبراكين وغيرها، حادث شديد، هجوم إرهابي، اغتصاب، مرض خطير أو جراحة، الاعتداء الجنائي، حدوث الحروب، إساءة معاملة المسنين.
قد يتصرف الناس أثناء الزلزال وبعده بطرق لا عقلانية، فنجد من انتحر أو من خرج من بيته حافيًا، ومن ترك الموقد مشتعلاً، ومن ترك أمه وأطفاله بقصد النجاة بنفسه وما إلى ذلك، فكيف توصفين حالة الهلع أثناء الكارثة الطبيعية؟
حالات الخوف من مظاهر الطبيعة غير العادية أمر طبيعي جدًّا، وخاصة فيما يتعلق بحدوث الزلزال، لأننا نجد العلم عاجزًا عن تحديد زمان ومكان الزلزال بشكل دقيق، مما يجعل الشخص في حالة قلق دائم للبحث عن مكان آمن، فيحدث اضطراب في النوم، ويحلم بأحلام مزعجة قد تصل إلى الكوابيس، مما يجعله يعاني من انقطاع الشهية، والشعور بالذنب، وقد تمتد الحالة من شهر إلى ثلاثة أشهر.
عند تعرض الشخص للحدث الصادم، هناك من يتقبله بتماسك وقوة، ويمر بالنسبة له مرور الكرام، وهناك من يترك في نفسه آثارًا مرعبة، يصعب عليه التخلص منها بفترة زمنية قصيرة، فما هي أعراض الإصابة بالصدمة المستمرة؟
تتميز الأعراض في ظهور الذكريات المؤرقة والكوابيس والأحلام المزعجة واليقظة المفرطة وتجنب المحفزات المرتبطة بالصدمات والانسحاب الاجتماعي والقلق الشديد وخدر الشعور أو الأرق.. وتستمر لمدة أربعة أسابيع أو أكثر بعد تجربة مؤلمة.
ويزداد خطر الإصابة بأعراض ما بعد الصدمة إذا كان الشخص يتعرض لضغط وضيق كبيرين، بالإضافة للتغيرات الجسدية مثل الشعور ببعض الألم والتعرق والشعور بالغثيان أو الارتعاش والخوف ونشفان في الفم، ازدياد ضربات القلب، وعدم التنفس بشكل جيد، هذا ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير سليمة.
قد تتفاوت نسب تجاوز الأشخاص للصدمات التي يتعرضون لها، من هنا لا بد من ذكر بعض الإرشادات التي يمكن من خلالها مساعدة الشخص على الخروج من أزمة الصدمة بشكل عام.
يجب على الشخص حتى يخرج من أزمته أن يتكلم عن الحدث وعن مخاوفه، ويعبّر عن مشاعره وغضبه، ويعمد إلى البحث عن الدعم العائلي والاجتماعي ممن حوله من الأصدقاء وأفراد الأسرة، من أجل أن يحيط نفسه ببيئة إيجابية، وعليه أن يؤكد لنفسه من خلال الآخرين أنه الآن بأمان وانتهى الحدث، وقد تجاوز الأزمة، والآن هو يعيش وقتًا جديدًا بعيدًا عن المنغصات.
ومن الأفضل أيضًا مواجهة ما يشعر به من مخاوف، وعليه أن يقمعها ويتجنّب مشاعره، لأنّ هذه المشاعر ستتحول إلى اللاوعي، وبالتالي سيبقى هذا الخوف ملازمًا له إن لم يواجهه.
من المهم جدًّا اتجاه الشخص إلى تثقيف نفسه، وخاصة بالنسبة للظاهرة غير الطبيعية التي تعرض لها كالزلازل مثلاً، بذلك يستطيع مواجهة الحالة بثقة وتبيان الصح من الخطأ وخاصة فيما تعرضه (السوشيال ميديا) من فيديوهات يبثها في أغلب الأحيان أناس غير مختصين بعلم الزلازل، مجرد أناس تبحث عن الكسب ليس إلا. بهذا يصل الشخص إلى التهيئة النفسية الضرورية، ويكون بذلك أكثر واقعية في توصيف الأحداث والتعامل معها، إضافة إلى اتخاذ قرار الخروج من البيت أثناء الزلزال بشكل منطقي، بعد أن يكون قد جهَّز محفظته التي وضع فيها كل مستلزماته الضرورية للخروج بها أثناء الزلزال.
كذلك من المهم أن يتحدث المصاب بالحادث الصادم عما يجول في نفسه، ويشارك الآخرين مشاعره، مما يسهم في رفع مستوى الدعم النفسي لديه، ويجعله يشعر بأنه محاط بعوامل كثيرة من الأمان. أضف إلى ذلك السعي قدر الإمكان إلى العودة إلى روتين حياته الطبيعي، كما كان قبل الأزمة.
وفي حال تفاقمت المخاوف، ووصل الشخص إلى حالة حرجة، فعليه أن يتوجه إلى معالج نفسي للسعي لعلاج نفسي ودوائي لهذا الاضطراب.
كذلك، لا يمكن إغفال إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية، وبذل قصارى جهد الشخص لتناول وجبات مغذية وممارسة النشاط البدني بانتظام والحصول على نوم جيد ليلاً، بما معناه العودة إلى الروتين اليومي المعتاد بشكل تدريجي وسليم.
لا يمكن الحصول على علاج للشخص المصاب بالحادث الصادم بين ليلة وضحاها، فهناك أدوية، ولكن الطبيب النفسي يعمد بشكل أساسي إلى العلاج النفسي بالدرجة الأولى، وهذا الأمر هو من أولويات مهام المعالج النفسي.
بالنسبة للأطفال وخاصة ممن تعرضوا للحدث الصادم ألا وهو الزلزال، فقد عاشوا لحظات حرجة ومؤلمة، من شأنها أن تترك آثارًا سلبية في نفوسهم، فكيف يمكن لنا مساعدتهم للخروج من الصدمة؟
يجب إعطاء المجال للأولاد كي يتكلّموا ويعبّروا عن مخاوفهم. قد يسألون أسئلة كثيرة، ومن المهم الإجابة والصبر على محاولاتهم المتكرّرة لمعرفة المزيد.
يجب علينا أن نطمئن الطفل على أنه الآن بأمان، وأنّ الحدث السيئ قد انتهى. كذلك يجب علينا تقديم الحب والرعاية والاهتمام للأطفال، والانتباه إلى سلوك الأهل أمام الطفل، وعدم التصرف بخوف دائم، لأنّ الطفل يراقب، ويتأثّر بحالة الأهل. كذلك محاولة العودة للحياة الطبيعية وإعادة الروتين، وخاصة بالعودة إلى استمرار التعليم في المدارس أو حتى في مراكز الإيواء، ومحاولة العودة للنشاطات إنْ أمكن ذلك.
وفي حال تأزمت نفسية الطفل، وبدت عليه أعراض اضطراب وقلق وعدم تناول الطعام وما إلى ذلك، وجب عرضه على أخصائي للحصول على العلاج النفسي المناسب.
ختامًا نقول: من خلال متابعتنا للمساعدات المادية التي قُدمت إلى سوريا لمتضرري الزلزال، لفتنا غياب المساعدات النفسية، فهناك آلاف من الناس قد عاشوا لحظات صعبة جدًّا أثناء سقوط بيوتهم أمام أعينهم، وفقدوا أشخاصًا قريبين من قلوبهم، وبلحظة واحدة فقدوا كل شيء، هؤلاء بالتأكيد قد تعرَّضوا إلى صدمات نفسية كبيرة ومعقدة، من هنا وجب علينا لفت النظر إلى ضرورة تفعيل الدعم النفسي إلى جانب الدعم المادي، وذلك بإرسال أطباء في مجالي علم النفس وعلم الاجتماع من أجل إقامة المحاضرات في مراكز الإيواء وغيرها، هذا مما يجعل الناس يتجاوزون الصدمات التي نالتهم إثر الزلزال، وهذا الأمر يشمل كل شرائح أعمار الناس، وعلى وجه التحديد الأطفال.