جَدِّي والضيفُ الكريمُ

بعد قفْز وَجرْي وضَحك في الحقول، وبين أزقة الحي، دخل الطفل على جده كالعادة مبتسمًا ليجد جده الطاعن في السن على أريكته وبجانب عكازه الذي لا يفارقه كما لا تفارق السبحة يده بادره بالسؤال بعد التحية:

جدي كثر في هذا الشهر حديث وسائل الإعلام عن الضيف الكريم يقصدون به شهر رمضان الذي سيحل قريبًا، فهل هو إنسان حتى يوصف بالضيف الكريم؟

لا يا حفيدي، بل الأيام والشهور والسنوات ضيوف ونعمٌ من الله تعالى، فمن شاء أن يستفيد من كرمها فله ذلك.

أيعني ذلك أن يوم الجمعة الذي نحن فيه ضيف مثلاً؟

تمامًا فهو ضيف جليل أُمرنا بالاهتمام به ذكرًا وعبادة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي من حديث أوس بن أوس: “مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عليه السلام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَليَّ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟! أَيْ يَقُولُونَ: قَدْ بَلِيتَ. قَالَ: “إِنَّ اللهَ -عز وجل- قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام“.

والآن ألا ترى معي أن يوم الجمعة ضيف جليل؟

بدأت أفهم يا جدي، وأستسمحك كي أشرب لأني عطشان. ركضت ولعبت كثيرًا اليوم والأسئلة ترنّ في ذهني قبل مقابلتك. 

لا عليك يا حفيدي الجميل اذهب واشرب ولا تنس أن تدرب نفسك على الصبر على العطش والجوع عَلّك تصوم يومًا أو أكثر إن استطعت فشهر رمضان على الأبواب.

انصرف الولد برهة ثم عاد إلى جده بعد أن شرب وارتوى مشتاقًا إلى أجوبته ليتابع الحوار مع الجد:

جدي ربما نسيت الإجابة عن سؤالي عن رمضان وعن كرمه.

لا، لم أنس، فما قلته لك سابقًا تمهيد للحديث عن فضل وكرم رمضان، وما قلته عن يوم الجمعة مقدمة للحديث عن شهر رمضان.

حدثني، هأنذا آذان صاغية، حديثك مثير ومفيد يا جدي.

اعلم يا حفيدي أن شهر رمضان خير الشهور، فكما فضل الله بعض خلائقه على بعض، فضل بعض الأيام وبعض الشهور على أخرى والشهر الوحيد المذكور باسمه في القرآن الكريم هو شهر رمضان، ويكفيه فضلاً أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن. قال تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة/185) . وإن من فضائل شهر رمضان وكرمه، تضمنه لليلة عظيمة، هي ليلة القدر يقول تعالى: “إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿۱﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿۲﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿۳﴾ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴿٤﴾ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴿٥﴾“.

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “في الجنّة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمى الريّان، لا يدخله إلا الصائمون“. (رواه البخاري)

واعلم يا حفيدي أن رمضان كريم، ففيه تضاعف الأجور والحسنات، وتكثر الصلوات ويستجاب الدعاء ويحسن الناس إلى الفقراء والمحتاجين.

ما أجلك يا جدي! ذاكرتك قوية جدًا، تحفظ القرآن، وتحفظ أحاديث نبوية، وأنت في هذه السن.

تذكرْ يا حفيدي أني حين كنت صبيًّا، لم يُخترع بعد لا التلفاز ولا الهواتف المحمولة التي ألهت الناس عن الكد والجد في القراءة والحفظ.

صحيح، شكرًا جدي، الآن أدركت خطورة المحمولات وأدركت أن رمضان ضيف كريم، ويتوقف كرمه على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في استقباله وأعماله فيه.

حفظك الله يا حفيدي الجميل، ورزقك الصحة والعافية، وجعلك من الصائمين الأبرار.

أطال الله عمرك يا جدي الحنون سأخبر أصدقائي بكرم وفضل رمضان، شهر الغفران.