كثيرًا ما يشكو فلان من الناس من ألم في بطنه أو مفاصله أو صدره فيذهب إلى الطبيب، ويُجرى له العديد من الفحوصات وصور الأشعة وما إلى ذلك، فتكون النتيجة أن أموره سليمة لا مشكلة جسدية لديه، مما يجعله في حيرة من أمره، فيطرح على نفسه أسئلة عدة: فأي مرض يعاني منه؟ وهل الطبيب يخفي عنه مرضه؟ ربما هو مصاب بمرض خطير وطبيبه خشي أن يصدمه بالحقيقة؟ ومن أين تأتي تلك الآلام ما دامت الفحوصات سليمة بشكل عام؟ ولكن واقع الحال يشير إلى أن أسباب ذلك المرض نفسية بالدرجة الأولى، فأعراض المرض النفسي “السيكوسوماتي” ترافقها أعراض جسدية بلا شك.
من هنا آثرنا الدخول عبر بوابة الطب النفسي؛ للكشف عن هذا المرض ومعرفة أسبابه وأعراضه وعلاجه، وكيف يمكن لنا معرفة الشخص المصاب بهذا المرض، وذلك من خلال حوارنا مع الباحث سلام جواد الذهب أستاذ علم النفس، قسم الإرشاد النفسي والتربوي في العراق مدينة بابل، والدكتور “رضاب منصور حسين” وهو من جامعة الكرخ للعلوم في العراق، ومختص في علم النفس التربوي.
بداية عرَّف الدكتور رضاب حسين منصور “السيكوسوماتي” بأنه اضطراب نفسي جسدي حيث لا يمكن الفصل بينهما، ويرتبط مع مدى إمكانية الفرد بالتكيف مع مواقف الحياة اليومية والمواقف الاستثنائية، بمنبهاتها العالية والاستجابة إما بالتفاعل الإيجابي فيستطيع الفرد أن يحافظ على قدراته الجسدية الظاهرية والداخلية، أو بالتفاعل السلبي مما يولِّد لديه الإحباط النفسي والقلق وعدم الاستجابة وعجز الأعضاء الداخلية؛ كالبنكرياس واضطراب إفراز السكر في الدم، ليولد -مثلاً- مرض السكر وغيره من الأمراض النفسية الجسدية.
تسمى “السيكوسوماتية” الآن حسب التصنيف العالمي، اضطرابات انفعالية وسلوكية، ثانوية، ومصاحبة لاضطرابات فسيولوجية.
فلفظ “سيكوسوماتي”، يعني ازدواجية الجسم والنفس، ولأن النفس والجسم متلازمان، فلا يمكن انفصالهما، وبالتالي العرض واحد.
وقد أضاف الدكتور سلام الذهب العجيلي تعريفًا “للسيكوسوماتية”، بأنها اضطرابات جسمية ناشئة عن اضطرابات عقلية نفسية وعاطفية، تحدث نتيجة اختلال شديد في أمراض مزمنة في كيمياء الجسم.
وكلمة “السيكوسوماتية” هي كلمة مشتقة من اللغة اليونانية، فكلمة “سيكو” تعني النفس، وكلمة “سوما” تعني الجسد.
وبيَّن الدكتور رضاب منصور حسين، أهم أعراض الاضطرابات السيكوسوماتية فقال: تتولد الاضطرابات لدى الفرد نتيجة سوء التكيف مع البيئة، بحيث يعجز عن توظيف قدراته العقلية والجسدية للتكيف مع المتغيرات التي تطرأ على مواقف حياته اليومية، مما يخلق لديه حالة من عدم الاستقرار والتوتر واللاتوازن.
إن السيكوسوماتية لا يعتبر مرضًا خطيرًا بالقياس إلى غيره من الأمراض، فالتشخيص الدقيق للحالة يحمي المريض من الوقوع في مطب العلاجات غير الصحيحة. فالمريض هو القادر فعليًّا على تحديد الألم المرافق للحالة العصبية.
فإذا خضع المريض إلى فحوصات طبيعية من أشعة وتحاليل وغير ذلك، فقد لا يظهر لديه أي نوع من الأمراض فيكون جسده سليمًا، والسبب يكمن في الخلل النفسي للمريض لأن أساس المرض “السيكوسوماتي” نفسي بالدرجة الأولى.
إن “للسيكوسوماتية” علاقة محكمة بين الانفعال النفسي والأحشاء، فبعض الأمراض مثل قرحة الاثنى عشر والربو الشعيبي والروماتزم، يشعر المريض من خلالها بالاكتئاب والقلق، من هنا كان التلازم بين المرض النفسي والجسدي مما يُشكِل على الأطباء أنفسهم، فيصفون للمريض علاجًا قد لا يكون بحاجة إليه مما يجعل وضعه يزداد سوء. كما يلاحظ على المريض استنفار حواسه إزاء أي موقف، بحيث تكون لديه حساسية مفرطة بالتفاعل مع أي موقف.. كذلك حالتا اللا استقرار واللا توازن تفقدانه حالة الإحساس بالهدوء والراحة والطمأنينة، مما يولِّد لديه صراعات داخلية ما بين الإقدام والإحجام للقيام بأي عمل، فلا يستطيع اتخاذ قرار بشأن الموقف الذي يواجهه، إضافة إلى فقدان الشعور بالحب والأمان مع عجز عن إشباع احتياجاته الأساسية، مما يخلق لديه الأمراض الجسدية وخاصة عند المواقف المربكة، وتعرضه إلى مواقف مؤلمة سلبية تشعره بالإحباط والقلق والتوتر. مثلاً، عندما يواجه الشخص حيوانًا مفترسًا أو إنسانًا مجرمًا أو سيارة ستصدمه، فسوف يصفرُّ وجهه ويبدو وكأن رجليه قد عجزتا عن حمله ويشعر بجفاف الريق.. وهذا الخوف أو القلق يتطور إلى سرعة دقات القلب وشعور المريض بالاشمئزاز، إضافة إلى شدَّة التعرق وجفاف الفم، وألم في الصدر والإحساس بالصداع الشديد وسرعة في التنفس.. مما يجعله عرضة لمرض الضغط والسكري والتعرُّق المفرط والشلل. فأي شخص مصاب بالضغط الانفعالي أو السكر، يكون بفعل الأمراض “السيكوسوماتية”. يعني مثلاً يخاف الإنسان من مصدر معلوم، والمقصود به -مثلاً- مواجهة حيوان مفترس مما يولِّد الخوف، على عكس القلق فهو مصدر غير معلوم.
فالخوف، ينعكس على إفرازات الغدد الداخلية فتضطرب. فمثلاً الغدة الكظرية توعز للبنكرياس ليضطرب في إفراز السكر فيصاب الإنسان بمرض السكر. أصحاب الضغط الانفعالي يتأثرون بالخوف والانفعال فيلازمهم مرض الضغط، وأحيانًا يلجأون لشرب السجائر أو الخمر للترويح عن أنفسهم، وهذا سلوك خاطئ؛ فالمريض يعتقد أنه يعالج نفسه بينما هو يفاقم الحالة.
ويتطرق الدكتور رضاب منصور حسين، إلى ذكر بعض الأمراض “السيكوسوماتية” المهمة؛ مثل قرحة المعدة، والاثني عشر، وروماتيزم المفاصل، والسمنة، والصداع النصفي، وقرحة القولون، والربو الشعيبي، وارتفاع ضغط الدم، وقصور الشرايين التاجية بالقلب، وبعض الأمراض الجلدية.. كل هذه الأمراض لها أسبابها النفسية.
وأشار الدكتور سلام الذهب العجيلي إلى أسباب هذا المرض، بأنه يحدث نتيجة اختلال مزمن في كيمياء الجسم، وذلك بسبب الضغوط النفسية الحادة. وبالتالي هو مرض جسمي له جذور نفسية أسبابها الصراع النفسي داخل الذات، أو الضغوط التي يتعرض إليها في حياته، سواء في المنزل أو خارجه، وهنا يحدث للشخص ضعف القدرة على التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على حياته، وتظهر عليه أعراض ضيق في التنفس والتعب والوهن وغير ذلك. ومن ثم تحدث اضطرابات لها تأثير مباشر على النفس والجسد.
كما تحدَّث الدكتور رضاب منصور حسين، عن طرق العلاج، حيث نصح المريض بالابتعاد عن العقار الطبي الكيميائي، واللجوء إلى العلاج النفسي الذي يتمثل في تغيير المكان المتواجد فيه، أي الانتقال إلى مكان أكثر راحة وطمأنينة، إضافة إلى ممارسة الرياضة وخاصة السباحة، فأغلب المساهمات الرياضية تسهم في العلاج حتى وإن كان المرض جسديًّا، لأن سببه نفسي في الحقيقة.
كذلك يمكن إضافة المكملات الغذائية والفيتامينات، وذلك لمساعدة المريض على التخلص من الآثار الضارة جراء الحالة المرضية. وفي حال الاعتماد على الأدوية، فمن المستحسن تناولها بحيث لا تسبب تأثيرات جانبية كالنوم أو ارتخاء في العضلات، كي يتابع المريض حياته بصورة طبيعية.
وتابع الدكتور سلام الذهب العجيلي حديثه حول كيفية علاج المصاب ب”السيكوسوماتية”، بأن هناك بعض العقاقير المهدِّئة لهذه الحالة كالمسكنات ومضادات الاكتئاب، كذلك يجب اتباع العلاج السلوكي في هذا الأمر، فيجب التركيز على المشكلات الشخصية وإزالة العقبات عن طريق العلاج النفسي السلوكي والمعرفي، مما يساعد المريض على كيفية إدارة ظروف الحياة المجهدة بشكل أفضل.
وختامًا نقول إن مرض “السيكوسوماتية” لا يعتبر مرضًا خطيرًا بالقياس إلى غيره من الأمراض، فالتشخيص الدقيق للحالة يحمي المريض من الوقوع في مطب العلاجات غير الصحيحة. فالمريض هو القادر فعليًّا على تحديد الألم المرافق للحالة العصبية، وبالتالي يمكن له توجيه نفسه نحو الطبيب المناسب. وينصح علماء النفس بأن يكون المريض واثقًا من نفسه، فهذا من الممكن أن يؤثِّر إيجابيًّا على كيمياء الدماغ لتغيير الحياة، وبالتالي تخفيف وطأة الاضطرابات النفسية، فيصبح الشخص واثقًا من نفسه حقيقة في كل الأمور.