أطفالنا في زمن كورونا

الحديث السائد حاليًّا في أي دولة في العالم العربي أو الأوروبي أو غيره، هو “فيروس كورونا”. فكلما انتشر الوباء وزادت أعداد الوفيات، اشتد الخوف لدى الناس. ومع ارتفاع أعداد المرضى المصابين أو المحتمل إصابتهم بفيروس كورونا الجديد في جميع أنحاء العالم، وصولاً إلى الدول العربية، يتعرض الأطفال لكمٍّ كبير من المعلومات والأخبار والإشاعات، مما يؤدي بدوره إلى العديد من المشكلات لدى الطفل؛ فقد أشارت منظمة الصحة العالمية (World Health Organization) على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، أن “استجابة الأطفال للضغط النفسي تختلف خلال فترة العزل المنزلي، فقد يصبح بعضهم أكثر تعلقًا أو قلقًا أو انطواء أو غضبًا أو تهيجًا، وقد يصل الأمر إلى التبول في الفراش، وغير ذلك من المشكلات السلوكية والنفسية”. ولكن كيف يمكن للآباء والأمهات الحفاظ على سلامة أطفالهم، والحديث معهم عن فيروس كورونا دون إثارة الهلع والخوف لديهم؟ وهذا ما سنتناوله عبر السطور الآتية، بتوضيح أنسب الطرق والأساليب للتعامل مع تلك المشكلة.

هل يمثل فيروس كورونا خطرًا على الأطفال؟

يشير موقع منظمة الصحة العالمية إلى أن فيروسات كورونا هي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان، والتي تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس). ويؤدي فيروس كورونا المستجد إلى إصابة الجهاز التنفسي المصحوبة بالحمى والسعال الجاف. كما يؤدي إلى ضيق في التنفس ويحتاج بعض المرضى بسببه إلى العلاج في المستشفى، في حين لا يحتاج غالبية المصابين به الذهاب إلى المستشفى؛ حيث يستطيع الجهاز المناعي التغلب على الفيروس بصورة طبيعية في معظم الحالات. وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة، خصوصًا في حال كون الجهاز المناعي للشخص ضعيفًا، كما في حالات كبار السن والمرضى المصابين بأمراض مزمنة. وما يزال الباحثون والعلماء غير متأكدين تمامًا من كيفية انتقال العدوى بالفيروس من شخص لآخر، لكن الفيروسات المماثلة تفعل ذلك عبر الرذاذ، كالذي يخرج من فم الإنسان حين يسعل أو يعطس. لذلك تعتمد معظم إجراءات مواجهة المرض على العزل والحجر المنزلي للشخص المصاب لتقليل انتشار المرض، وإعطاء فرصة للجهاز المناعي للمصاب بالمرض لمواجهة الفيروس.

هذا وتؤكد الدراسات والتقارير، أن وباء كورونا يمكن أن يصيب الأشخاص من جميع الأعمار. وتزداد خطورة فيروس كورونا في حالات كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، مثل الربو، وداء السكري، وأمراض القلب، حيث تزداد شدة آثار كورونا لديهم.

وبالنسبة للأطفال، ففي أكبر دراسة من نوعها،فحص الباحثون الصينيون نتائج الإصابة بفيروس كورونا الجديد في أكثر من 2000 حالة مؤكدة أو مشتبه بها في مرحلة الطفولة، وتبين أن ما يزيد قليلاً عن نصف الأطفال، ظهرت لديهم أعراض خفيفة تشبه البرد، أو لم تظهر عليهم أعراض على الإطلاق.

وقد انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، شائعات وفيديوهات مفبركة عن موت الناس أثناء السير في الشوارع أو في الملاعب يمكن أن تثير الذعر. وانتشرت العديد من القصص التي يتم تناقلها عن موت الناس وعدم توفر الغذاء، وإغلاق المدارس، إضافة إلى تداول تهويلات، مثل “الإمكانيات الوبائية” التي يمكن أن تضاعف الشعور بالقلق والذعر، خاصة لدى الأطفال في المدارس.

ومع الاهتمام العالمي بفيروس كورونا عبر وسائل الإعلام، يطرح الأطفال -كما هو الحال دائمًا- أسئلة مباشرة وصعبة حول ما سيحدث، ونسمع من الكثير من الأطفال هذه الأيام هذه الأسئلة: “هل سأمرض؟”، “هل ستغلق مدرستي؟”، “هل ستموت جدتي؟”، “هل مناعتي ضعيفة؟”.. وغيرها من الأسئلة التي يثيرها انتشار الحديث عن فيروس كورونا في وسائل الإعلام وفي المدارس وفي البيت أيضًا. وما يهمنا هنا، ألا يزيد الشعور بالقلق والتوتر لدى الطفل، مما قد يؤدي إلى إصابته بالرعب أو الاكتئاب أو يؤثر سلبًا على حالته النفسية والانفعالية.

الطفل في فترة الحجر المنزلي

تتنوع الأساليب والطرق التي يقدمها المتخصصون والباحثون للآباء والأمهات للتعامل مع الطفل في الظروف الحالية، حتى نخفف من الآثار السلبية على صحة الطفل العقلية والنفسية، وذلك من خلال استخدام الأساليب الآتية:

1- بث الوالدين للثقة والطمأنينة في أفراد الأسرة: في ظل هذه الظروف وانتشار هذا الوباء وعدم وجود علاج له حتى الآن، فإن على الآباء أن يراعوا كيفية التعامل معه ومع الأخبار الواردة عنه أمام أفراد الأسرة، فيجب ألا يذعروا فيسببوا المزيد من الخوف والتوتر لمن حولهم من الأطفال، بل على العكس يجب أن يبثوا الاطمئنان في نفوس أفراد الأسرة، سواء كانوا أطفالاً أو مراهقين، ولا يجب أن يكون محور أحاديث الأسرة اليومية حول المرض، بل يجب التركيز على تناول موضوعات مختلفة بعيدًا عن المرض، مثل الحديث عن الطعام أو الواجبات، والأنشطة التي يرغبون القيام بها في المنزل. وضرورة الابتعاد عن تعنيف الأطفال، أو الإكثار من إصدار الأوامر لهم لما يترتب عليه من آثار نفسية سلبية.

2- تقديم المعلومات حول وباء كورونا بصورة مبسطة للطفل: يجب أن يراعي الآباء والأمهات، الطريقة التي يتم نقاش موضوع فيروس كورونا به مع الأطفال لأنها مسألة حيوية وأساسية، لأن الوالدين يمثلان أفضل مصدر يثق به الأبناء في مثل هذه الظروف. ولذلك فعلى الآباء أن ينصتوا إلى الأطفال، ويتحدثوا معهم بلطف، ويجب نشر الطمأنينة في نفوسهم، وذلك من خلال الحوار مع الطفل حول المرض بلغة بسيطة يفهمها ويستوعبها بسهولة، وتقديم معلومات مبسطة حول كيفية انتشار فيروس كورونا وطبيعة المرض، وما يمكن القيام به للمساعدة في تقليل المخاطر والوقاية منه، مثل الحرص على غسل اليدين، وعدم الاختلاط بالمصابين بأمراض الجهاز التنفسي. كما يجب طمأنة الطفل بالابتسام في وجهه، وبتناول العبارات الإيجابية التي تبعث الثقة، مثل القول بأنه طفل قوى، وأن الأب والأم سيبذلان قصارى جهدهما للحفاظ على صحة الطفل، وأن هذا المرض مؤقت وأن الحياة ستعود إلى طبيعتها، وسيعود الطفل إلى مدرسته.

3- متابعة استخدام الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي: تشير الدكتورة كارين روجرز (Karen Rogers) طبيبة الأطفال النفسية بمستشفى الأطفال بولاية لوس أنجلوس الأمريكية، إلى ضرورة متابعة الآباء أطفالهم عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وضمان أن الأطفال والمراهقين لديهم وقت للتعلم والدراسة، والاستفادة من أوقاتهم، وتجنبهم المواقع والتطبيقات السيئة التي تنشر العادات والقيم السلبية أو تمثل خطرًا عليهم وعلى صحتهم النفسية.

4- استخدام الأساليب المختلفة لتخفيف الضغوط الانفعالية لدى الطفل: يمكن للآباء مشاركة أطفالهم المشاعر بالحديث حول ما ينتابهم من مشاعر نتيجة البعد عن الأصدقاء، وإشعار الأطفال بأن تلك حالة مؤقتة، وأن كل شيء سيعود لمساره الطبيعي.. كما يمكن للآباء مشاركة اللعب مع الأطفال، والاستذكار، وإتاحة المجال للطفل للتعبير عن انفعالاته ومشاعره، من خلال رسم صور أو كتابة قصة حول ما يشعرون به. كما يمكن للآباء والأمهات، أن يسمحوا للأطفال بمساعدتهم في شؤون المنزل أو إعداد الطعام، وذلك لإشعار الأطفال بقدرتهم على الإنتاج وتحقيق الإنجاز أثناء وجودهم في المنزل. فيمكن للآباء تعليم أبنائهم الصغار كيفية صنع كوب من الشاي، أو عمل المعكرونة، أو المهام المنزلية الأخرى. فمن خلال تلك الأنشطة، يمكن للطفل أن يطبق مفاهيم رياضية، مثل تحديد المعايير وحساب الكميات.

5- مساعدة الأطفال على مواجهة القلق الناتج عن إغلاق المدارس: وهنا يقدم المختصون النصيحة للآباء بأن يحرصوا على إشعار الطفل باستمرارية الدراسة، فيحرصون على إيقاظهم يوميًّا في نفس مواعيد المدرسة، كما يمكن أن يجعلوا الأبناء يرتدون نفس الزي المدرسي، كما يمكن أن ينظموا جدولاً للمذاكرة يحاكي الجدول المدرسي، بحيث يشعر الطفل وكأن الحياة تسير على نفس الوتيرة. كما يجب أن يحرص الآباء على تواصل الأطفال مع معلميهم عبر شبكة الإنترنت، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر التطبيقات التعليمية المختلفة المتاحة على شبكة الإنترنت. كما يجب أن يركز الآباء على تواصل الأطفال مع زملائهم وأصدقائهم في المدرسة، وأقاربهم، حيث يتوجب الحذر بشكل كبير من العزلة المفرطة للأطفال، خاصة وأن لها تأثيرًا كبيرًا على الصحة الذهنية للأطفال. لذلك لا بد من تشجيع الأطفال على البقاء على التواصل مع أصدقائهم بطريقة صحية، بدلاً من الخروج وتعريض الآخرين للخطر، وتشجيعهم خلال هذه الفترة على ممارسة الفنون والحرف اليدوية لشغل أوقات فراغهم.

ويبقى العامل الأساسي في نجاح الأسر في تنظيم أوقات الأطفال والتواصل معهم خلال فترة بقائهم في المنزل، وعدم تركهم فترات طويلة رهينة للألعاب الإلكترونية والأجهزة الرقمية، بل أيضًا استغلال ذلك الفضاء الإلكتروني الواسع، وتسخيره للتعلم وتوسيع المعرفة لدى الأطفال إما عبر التعليم المنهجي الذي تقدمه المؤسسات التعليمية الخاصة والعامة، أو من خلال متابعة البرامج والأفلام الوثائقية والتعليمية. 

المراجع

(1) منظمة الصحة العالمية: WHO (2020)، نصائح للعامة بشأن فيروس كورونا المستجد: تصحيح المفاهيم المغلوطة، https://www.who.int.

(2) موقع سكاي نيوز (2020)، ماذا يعرف العلماء حتى الآن عن تأثير كورونا على الأطفال؟ https://www.skynewsarabia.com.

(3) موقع وكالة دويتش فيلا الألمانية، كيف نحمي أطفالنا من كورونا؟ https://www.dw.com.