لقد عرف قدماء المصريين منذ 4,500 سنة مضت، الظواهر الكهربائية، وتشهد بذلك النقوش التذكارية في سقارة، التي عليها رسم سمك القرموط الكهربائي الذي يعيش في أعالي النيل. وفي أوروبا تعرفوا على الكهرباء منذ 600 سنة قبل الميلاد، والفضل يعود في ذلك إلى مشاهدات “تاليس ميليتوس”؛ فقد لاحظ أنه عند تدليك قطعة كهرمان فإنها تكتسب خاصية جذب ثم طرد الأشياء الصغيرة المختلفة. وكلمة “الكهرباء” مشتقة من الكلمة اليونانية “اليكترون” بمعنى “كهرمان”.
هذا وقد عُرف منذ وقت طويل ثلاثة أنواع من الأسماك التي تولِّد صدمات كهربائية قوية، رغم أن طبيعة هذه القوة كانت غامضة بالنسبة إلى القدماء. قيل إن القوابع الكهربائية من عائلة الرعاد، استعملت من قِبَل الأطباء الرومان القدماء بشكل بدائي في المعالجة الكهربائية، ولوحظ أن لها اسمًا عربيًّا هو “أبو الرعد”. كان الرومان يعتقدون أن هذه السمكة المرعبة، تفرز في الماء موادّ سامة عند رؤيتها فريستها، ووجد أنها تؤثر على الإنسان أيضًا عن طريق الجلد مباشرة ولكن لا يسبب موته، وإذا لمس شخص هذه السمكة، فإنه يشعر بصدمة وترتعش يده تلقائيًّا. وقد اعتبر الأطباء الرومان سمَّ الرعاد دواء ناجعًا يشفي الكثير من العلل، فكانوا يصيدونه ويحتفظون به في أحواض بحرية خاصة للاستخدامات الطبية.
وفي أمريكا الجنوبية ظهر أن الأنقليس الكهربائي وهو أقوى أنواعه كهربائيًّا. كان معروفًا للسكان المحليين قبل أن يكتشف الأوروبيون، إذ وصلت الأنباء إلى الأوربيين عن هذه الأسماك متأخرًا جدًّا؛ فبعد اكتشاف أمريكا، تدفق إليها المغامرون المتعطشون للذهب، وكان الإسبان أول من غزا أمريكا، فشاعت أسطورة بينهم بأن جدران وأرصفة “إلدورادو” تتكون من الذهب، فراحوا يبحثون عن هذا البلد الأسطوري، وكان من بين الباحثين فريق يرأسه رجل يدعى “دي سيكا”، وقد استطاع هذا الفريق الوصول إلى أعالي نهر الأمازون، كانت الأخطار تحفهم من كل جانب، وعندما وصلوا إلى المستنقعات الضحلة تنفس الأوربيون الصعداء، معتقدين أن الطريق سيكون سهلاً، وعندما وصلوا إلى وسط أحد المستنقعات رفض الهنود المرشدون الاستمرار في السير معهم عبر الماء، عندها تقدّم أحد الأوروبيين راغبًا في المواصلة، ولكنه لم يخط بضع خطوات حتى دوى صوت غريب وارتمى الرجل على ظهره فجأة، فسارع رجلان لمساعدته، وإذا بهما أيضًا يسقطان على الأرض في المستنقع، وعندما بحثوا عن السبب فيما بعد، وجدوا نوعًا من الأسماك طوله حوالي مترين ووزنه نحو عشرين كلغ، صدَمَهم بصدمات كهربائية قوية؛ إنه سمك “الأنقليس”. وقد أطلق الهنود الحُمر على الأنقليس اسم “أريما” يعني “أم الشلل”؛ لأن هذا الثعبان السمَكي عندما يلمس أحدًا بجسمه، يفرّغ فيه شحنة من الكهرباء تجعل الجزء العلوي الذي أصابه المس، مشلولاً جزئيًّا، ولا يشفى من هذا الشلل إلا بعد عدة أيام.
وثمة أنواع أخرى من هذه الأسماك، ثبت أنها كهربائية فقط، وذلك بعد أن تطورت تقنية الوسائل في دراسة الكهربائيات. علمًا بأن القدرة الكهربائية القوية للسمك المنجم الكهربائي لم يتم التعرف إليها حتى حلول القرن الماضي.
هناك عشر عوائل تمثل ست رتب تم تمييزها كأسماك لها أعضاء كهربائية، وعائلة أخرى هي عائلة الجلكي، وُجد أنها تنظم مجالاً كهربائيًّا حول الرأس، ولكن منشأ هذا المجال غير معروف حتى الآن. العوائل ذات الكهرباء القوية هي عائلة الرعّاد، وعائلة الجري الكهربائي، وعائلة حاملات الكهرباء، وعائلة أسماك الفلكيات.
القدرة الكهربائية للأسماك
تنتشر القوابع الكهربائية انتشارًا واسعًا في المياه البحرية، والبعض منها يعيش في الأعماق. إنها قاعية وبطيئة، وبعض أنواعها الكبيرة قادرة على توليد صدمة بقوة 220 فولت. أسماك الجري الكهربائية التي تعيش في المياه المعتمة للأنهار الأفريقية، يصل طولها إلى حوالي متر، وتنتج صدمات بقوة 350 فولت. نوع أمزوني هو الأنقليس الكهربائي، وهي سمكة خاملة مثل سابقاتها تعيش في المياه العَكِرة، وهي كبيرة نسبيًّا. فقد وصل طول إحدى العينات إلى ثلاثة أمتار، ولها صدمات تصل إلى 650 فولت، ولكن القوة العظمى المعتادة هي 350 فولتًا. فالجهد العالي للتيار الكهربائي لثعبان السمك ضروري، لأن الماء العذب موصل رديء جدًّا للكهرباء. السمكة المنجمة الكهربائية بحرية وتعيش غرب المحيط الأطلسي، وتعتاد الحفر في الرمال، كما تستطيع أن تولِّد 50 فولتًا من الكهرباء.
الأسماك ضعيفة الكهرباء، هي ضمن عوائل موجودة غالبًا في المياه الاستوائية العذبة، ولكن إحدى هذه العائلات بحرية، وتكون قاعية أو شبه قاعية، وإلى حد ما خاملة.
الأعضاء الكهربائية
تتكون الأعضاء الكهربائية من خلايا متخصصة تدعى الخلايا الكهربائية (Electrocytes) في النوع البالغ من الأنقليس يصل عددها إلى أكثر من مائة ألف خلية على كل جانب من العضو الكهربائي، وتنشأ هذه الخلايا من خلايا عضلية، تكون الخلايا الكهربائية نحيفة وعلى شكل رقائق وتنتظم في حزم اعتمادًا على توجه العضو، ويكون أحد أسطحها مزودًا بالأعصاب بكثافة، بينما السطح المقابل غير منتظم ويحتوي على عديد من البروزات حليمية الشكل، وتحاط حزم أو أعمدة الخلايا الكهربائية بمادة هلامية. الأعضاء الكهربائية غنية بالأوعية الدموية والأعصاب والأنسجة الرابطة.
ورغم التشابه الأساسي العادي لبناء الأعضاء الكهربائية، فإنها تختلف كثيرًا في موضعها ومظهرها في أنواع الأسماك المختلفة. فهي موجودة في الرعاد على شكل مجموعتين كبيرتين على جانبي الرأس في الزعانف الصدرية المتسعة، أما عضو ثعبان السمك الكهربائي فيتكون في كثير من عضلات الذيل، وفي سلور النيل الرعاد يطوق النسيج الكهربائي كل الجسم تحت الجلد مباشرة، وفي هذه الحالة يكون منشؤه من نسيج عضلي غير مؤكد.
مهام الأعضاء الكهربائية
يبدو أن وظيفة الأعضاء الكهربائية القوية هي صعق الفريسة وتثبيط همة الدخلاء أو المفترسين، واستعمال الكهرباء للحصول على الفريسة أمر ملاحَظ في أسماك الرعاد، ويبدو أن استعماله لمثل هذا الغرض في الأنواع الأخرى، محتمل عند الأخذ بنظر الاعتبار الظروفَ التي تعيشها الأنواع الكهربائية. كل الأنواع تكون متكتمة وتعيش قرب القاع في ظروف تسمح للفريسة بالاقتراب دون حذر، وأسماك المنجم على وجه الخصوص يمكنها التخفي بشكل جيد، سامحة للقشريات أو الأسماك الصغيرة بالتحرك في الرمال التي تكون المفترسات مدفونة تحتها. أما عند الأسماك ضعيفة الكهربائية فتقوم الكهرباء بتحديد الموقع كهربائيًّا للأشياء القريبة، فهذه الأسماك تكوّن حول نفسها مجالاً كهربائيًّا ضعيفًا، لكن شكله ثابت تمامًا، وخطوط قواه في مستوى الرأس يقوم بوظيفة الرادار الخاص، لا تستخدمه الأسماك لكي تنجو بنفسها من الأعداء فقط، بل تستعين به في تجنب الاصطدام بالحواجز واختراقها، مثلها في ذلك مثل الخفاش الذي يستخدم “صدى الرادار”.
(*) كاتب متخصص في علوم البحار والبيئة / اليمن.