ما هو الخرف الدلالي؟

لعل أكبر مثال على التدهور والإضطراب اللغوي نتيجة حدوث تلف أو قصور على مستوى الذاكرة الدلالية هو الخرف الدلالي، فماهو الخرف الدلالي وما هي أسبابه والأعراض الدالة على احتمالية الإصابة به؟

إن كلمة خرف حسب المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للأمراض “تصنيف الاضطربات النفسية والسلوكية”؛ هو متلازمة تنجم عن مرض في الدماغ يكون في العادة ذات طبيعة مزمنة أو مترقبة وفيه يحدث اختلال في كثير من الوظائف القشرية العليا التي تشمل الذاكرة والتوجيه والفهم والحساب وإمكانية التعلم واللغة والقدرة على المحاكمة، ولا يكون هناك غياب في الوعي، أما الاختلال المعرفي فيكون في العادة مصحوبًا أو مسبوقًا بتدهور في السيطرة على الانفعالات أو السلوك الاجتماعي.

فالخرف وكما جاء في نفس المرجع هو أكثر من مجرد خلل في الذاكرة ففيه أيضا قصور في التفكير وفي القدرة على الإستدلال وانخفاض في توارد الأفكار، كما يوجد أيضًا قصور في استيعاب المعلومات الواردة حيث يجد الشخص صعوبة متزايدة في استقبال أكثر من منبه واحد في وقت واحد؛ كالمشاركة مثلاً في المناقشة مع أفراد متعددين حيث يجد المريض صعوبة في تحويل تركيزه من موضوع إلى أخر.

ومنه فالخرف الدلالي هو مرض من أمراض الشيخوخة حيث تتراوح الفترة العمرية لاحتمالية الإصابة به مابين (50 _ 70 سنة) فهو مرض تنكسي عصبي ناتج عن تدهور حاد في الذاكرة الدلالية سواء في المجالات اللفظية أو غير اللفظية، ويصنف من بين ثلاث متلازمات سريرية تنكسية ترتبط بشكل أساسي بتلف الفص الصدغي.

أسباب الإصابة بالخرف الدلالي

إن الإصابة بالخرف الدلالي يكون نتيجة حدوث تلف وضمور على المستوى الفص الأيسر من الدماغ وبالتحديد حدوث ضمور وتلف على مستوى الفصوص الصدغية .

أهم الأعراض التي تشير إلى إمكانية الإصابة بالخرف الدلالي:

  • فقدان القدرة على الكلام.
  • فقدان القدرة على الإنتاج اللغوي.
  • فقدان القدرة على الفهم.
  • فقدان التعرف على الأشياء المألوفة.
  • انعدام التميز.
  • عدم القدرة على مطابقة الصور مع المواضيع ذات الصلة بها لغويًا.
  • عسر القراءة السطحي.
  • عسر الكتابة السطحي.
  • تغيرات ملحوظة في السلوك والشخصية مع تطور المرض.

إن الخرف الدلالي يحدث تأثيرات عميقة على المستوى اللغوي للمريض، حيث يصاب الفرد في لغته التي تعتبر ركيزة كل مجتمع، فاللغة وكما يحددها غوسدروف هي الوسيط بين الإنسان والعالم، وبين الإنسان والغير، وبين الإنسان وذاته. وسيطًا يمكن الإنسان من تحقيق إنسانيته التي تشترط الفعل التواصلي، فالوجود أو الحضور الإنساني في هذا العالم الشاسع بالنسبة لغسدروف يعني أخذ الكلمة بمعنى تحويل التجربة إلى عالم من الكلام.

فاللغة بشكل عام و الكلام بشكل خاص هو طريق الدخول للواقع الإنساني؛ فالطفل يتمكن من قطع صمت الحياة العضوية عن طريق التحكم المتدرج في اللغة وبفضلها تتحدد القدرة على التواصل مع أبناء جنسه. ومرضى الخرف الدلالي شأنهم شأن باقي الأفراد تمكنوا من اكتساب اللغة ومارسوا الفعل التواصلي بكل تجلياته وأبعاده بشكل طبيعي عادي… وفجأة وجدوا أنفسهم في دوامة اضطراب واختلال النظام اللغوي وأصبحوا فاقدين للقدرة على الكلام، والفهم، والإنتاج والتعبير، والتعرف، والتمييز، وانعدام الطلاقة اللفظية.

ليصبح المرء في هذه الحالة فاقدًا لذلك الوسيط الذي يعتبر بمثابة خيط رابط بينه وبين محيطه الاجتماعي ككل فتغدو إمكانية التواصل والاندراج في الجماعة أمر صعب ومحرج للغاية فيبدأ بالانعزال والتموقع والتمركز حول الذات .