العيد المأمول

هو يوم الوصول والوصال.. يوم اللقاء والانبهار، هو ذاك اليوم الذي من أجل لقياكَ ضرب السائرون إليك أكباد أنفسهم وأسرعوا السير وانقضت أعمارهم فرارًا إليك وكحَّلو أعينهم بسواد ليل ودمع. إليك يا كل المنى والتمنِّي، إليك يا من تعالى واقترب، يا من أحب فعُشِق، يا من بتقديرك انتظم الملكوت، وبرحمتك وصلت الشفقة لكل مولود، يا من عز وقَدَر وأراد وأمر، كلٌّ على وفق مشيئتك يمشي ويسير، لك الإرادة والتدبير، أنت من هو خلف الأسباب والمسبِّبات وتدبير المخلوقات.

العيد هو العَود إلى حظيرتك القدسية، هو نظرةٌ بلا إحاطة إلى طلعتك البهية، إلى أنوارك العلوية السرمدية الأبدية. العيد هو الزيادة بعد إعطاء المزيد.. لولا ذاك العيد ما طلب العابدون العائدون إليك الجنان، وما اشتكوا من نيران، فهم في لهيب الاشتياق إلى لقياك منذ نشأوا، وما رضوا بذلك التعذيب إلا لعلمهم بعذوبة الوصال ولذته.

يا من فوق فوق الخيالات، وإليه تصعد الدعوات.. تدعوك القلوب مقرة بعلاك، وأنت أقرب للقلوب من الخلجات والخفقات.. يا من جمع بين كل ضدٍّ ولا ضد ولا ندّ ولا وزير ولا مشير.. من حيث قربك من الخلق أحسّوا برحماتك وجناب جمالك، ومن حيث بعدهم عنك هاموا على وجوههم يسجدون حينًا ويرفعون أياديهم تقديسًا لعلاك حينًا.. أمرتهم بالانقطاع عن التخيل في الذات لإصلاح ذواتهم من الفساد فأْتمروا بلا كيفَ؟ ولِمَ؟

انتظروا ذاك العيد المأمول يوم الشهود في يوم الخلود، والعَود للمعبود، وتقديسك في علاك يا محمود.. ها هم في بعدهم عنك عبدوك وقدسوك وحمدوك وعشقوك.. فكيف حالهم بقربهم منك وإذْنك لهم برؤية أنوار جمالك العلية المتعالية عن الأوصاف والإدراك؟! أقسم بجلال جمالك أنهم لولا تثبيتك لقلوبهم أثناء ذاك اللقاء لانخلعت قلوبهم، ولولا عِقالك لعقولهم فلم يبق لعقولهم أثر، ولولا تجليك بجمالك لذابوا من جلالك، ولولا رحماتك بعبادك ما استحق واحد منهم الاطلاع ورؤية جمالك.

لك يا لطيف، الحمد والثناء المجد والإجلال، ليس بألسنة التراب، ولكن بلسان الأرواح العلوية في الملكوت.. ولا هم يحمدوك بما تستحق ولا يثنوا عليك كما ينبغي، بل نثني عليك ونحمدك بثناء وحمدٍ من ذاتك لذاتك، من حيث أنت أنت بلا واسطة ولا عدٍّ ولا حدٍّ، واحد أنت في علاك، فردٌ عن المشابهة والمماثلة في الأسماء والصفات، ولا أحد من المخلوقات عالم بك. علمك لذاتك، فلا يوفون حق حمدك وإن اجتهدوا وواصلوا الليل بالنهار، وصارت دموعهم أنهارًا.. في الصحاري يصرخون في طلبك صرخة تنهار منها الجبال تنهار، لكل ذا نحمدك بكل مجامع الحمد، من الأبد للسرمد، وبعده نُقرّ فنقول: ما حمدناك حق حمدك يا محمود، وما قدَّسناك حق تقديسك يا الله.