مجلة حراء تقطع “الفيافي القاحلة”، وتسوق الفكر “طوعًا لا كرهًا”، تستنطق الماضي التليد اعتبارًا، وتعتصر أحداث الحاضر اعتصارًا، ثم ترسم معالم المستقبل المتفائل أملاً، وذلك بروحٍ هفهافة تلوذ بالتعريض وتنأى عن التصريح، وبأسلوبٍ يرتضي التلطُّف والتعفّف، بديلاً عن التخويف والتعنيف.

ولعلَّ الصورة الملوَّنة، والرمز البديع، والزخرفة المتميِّزة التي تسند الكلمة والعبارة، وتقرّب المبنى والمعنى، مما أبدعته أنامل المصمّم والمهندس الفنيِّ المثابر لـ”حراء” المجلة، وفريقه الملهَم المغامر… لعلَّ ذلك يستوجب منَّا التفاتة وعناية، ويستلزم شكرًا وتقديرًا، وقد شارفتْ المسيرةُ على العدد الأربعين وهو عمر بلوغ الأشدِّ:
فإنَّ صورة “اليد الكريمة، المسنودة بأيادٍ سخيّة، تحمل تُربة خصبة، وتُخرج نباتًا طيّبًا” هي عنوان “أجيال الأمل” للأستاذ فتح الله كولن، وهي في ذات الوقت “أملٌ للأجيال”. وإنَّ “سِيَر حياة هؤلاء الأبطال يتجدَّد باستمرار في إطار الإيمان والعرفان والمحبة والعشق والذوق الروحاني، وتَخفق أجنحة فكرهم الواسع كالآفاق سابحة في الرحاب المميزة بين الفاني واللانهائي”.
أمَّا الحلم المشروع، في مقال “لديَّ حلم” لـ”سلمان العودة”، فتزيّنه أبواب نورانية سماوية، وأشجار باسقة فارهة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي تهزأ بالممنوع ولا تعرف المستحيل. ولصورة العالم رمزية، وهي تلوّن بحبر جديد، تحملنا خلالها الكاتبة “مهدية أمنوح” إلى سفوح “رسائل النور” حملاً رفيقًا. ولم يغب القلم البديع لصاحب قصَّة الحيوان لـ”عرفان يلماز”، وهو يحكي لنا عن “آكل النمل”.
و”الزهراوي” الطبيب المسلم الرائد، لـ”بركات محمد مراد”، و”طبيب يبحث عن مرضاه” لـ”مونية الديغوسي”… كلُّ ذلك يرتسم على شكل ذبذبة القلب في جهاز قياس النبض…
ألا ما أحوجنا إلى أطبَّاء الروح والمعنى، في سياقنا وسباقنا، وحراكنا وحركيتنا.
وقد أجاد صاحب “الدولة المدنية” “سمير بودينار”، في ضبط المفهوم والمصطلح، ضبطًا معرفيًّا محكمًا، علّ الله يحفظ ديننا بمدنيتنا، ويعلي شأن مدنيتنا بديننا، ويفرّج عن شامنا ويماننا، وعن شرقنا وغربنا… فلا فصل ولا فتق، لكنَّه وصل ورتق، بدلالة مقولة الحكيم الخرِّيت: “سيأتي يوم يقر فيه الزمان، ومَن في الزمان، على الفلك الذي أمر به تعالى وبأحكام الله القاهرة بالمناهج المعينة في الأخرويات، والمقررات المبينة سلفًا”.
وإنّ غدًا لناظره قريب.