لا أدري أين هو الآن… في صلب أيّ رجل… في رحم أي امراة… على كرسي أي دائرة… في صف أي مدرسة ابتدائية أو متوسطة أو عالية… على رأس أي فوج، أي سرية، أي فصيل… في أي زاوية هادئة من زوايا أي مسجد… في أي ركن هادئ من أي مكتبة… أين هو… أين؟… لا أدري.
أيأتي عن طريق الانتخاب… أيظهر وهو يقود الجماهير… أم يصل بواسطة منظمة جديدة؟… أيقفز من المظلة أم ينـزل من صحن طائر؟… كيف يأتي؟… كيف؟… لا أدري.
أيكون سلاحه القلم أم السيف؟… إبرة التطعيم أم قنينة الدواء؟… ما هو سلاحه؟… ما هو؟… لا أدري…
ولكن الذي أومن به كبدِيهية رياضية هو أن هذه الأمة ذات التاريخ العريق منذ آلاف السنين والتي وجدت أغلى شرفها وعزتها في الإسلام تنتظر وتبحث عن البطل الذي يجدد لها إيمانها وأشواقها؛ وإنها ستجد ما تبحث عنه بلا شك ودون ريب.
أجل! إن الشيء الذي أعلمه هو أن هذا الوطن بجماده ونباته وحيوانه وإنسانه… هذا الوطن بأجمعه ينتظر مُنقذه مثلما تنتظر السنبلة الملوحة بالشمس قطرات الماء… مثلما ينتظر المريض الدواء… مثلما ينتظر البريء العدالة… مثلما ينتظر العاشق الموله معشوقته… هكذا تنتظر هذه الأمة منقذها.
إن هذا انتظار من نوع آخر، بحيث حتى إن لم يكن هناك من يأتي، ولو لم يكن هناك من يتوقع مجيئه فإن هذا الانتظار من القوة بحيث يعطي له وجودا… يولده وينشئه ويربيه ويصقله.
أجل! نحن ننتظر هذا البطل… هذا البطل الذي ستشكله في رحم أمه شدة رغبتنا ولهفة انتظارنا له.
وبخلاف تيار السطحية والتعصب وجفاف القلب والروح، وجفاف الشوق والوجد سيدافع هذا البطل عن معانٍ وعن روح المقاييس المقدسة بجميع جبهاتها ومفاهيمها الظاهرة منها والباطنة.
سيرفع هذا المنقذ ذراعيه صارخا: “لا..” في وجه الجمود والتأخر، وفي وجه التقليد الغربي الذي بدأ منذ عهد “التنظيمات” ووصل إلى ذروته في عهد “الجمهورية”. سيقول : “لا..” في وجه إنكار واحتقار مقوماتنا وشخصيتنا، وتسليم هذه الشخصية إلى الغرب بتقليد سطحي يتناول مظاهر الأشياء.
سيعرف هذا المنقذ العالم الغربي بكل جوانبه وبكل أزماته أفضل من أي مفكر غربي، ويعرف العالم الشرقي بكل نقاط ضعفه وكل قواه الخفية، ويعرف السر الموزون والمحسوب بين هذين العالمين ويرفعه في يده كشعلة وهّاجة.
سيقدم هذا المنقذ إلى هذه الأمة المقياس الذي تستطيع بواسطته تمييز الأبطال الزائفين الذين ظهروا في عهود الجمود والتأخر والانحطاط عن الأبطال الحقيقيين، ويكشف بذلك خداع ونفاق الذين قدموا الزائف في صورة الحقيقي.
سيبحث هذا المنقذ وسيدافع عن حقوق الإيمان والأخلاق والتاريخ، وعن حقوق مؤسسات الأمة، وسيرسي قواعد البيت والعائلة، وعلاقات وحقوق الرجل والمرأة والطفل، والمدرسة والمزرعة والمصنع، والدولة وكرسي العدالة والجيش على قواعدها الأصلية الحقيقية.
سيُظهر هذا المنقذ في أجلى صورةٍ ما فقده الذين انقلبت المفاهيم عندهم في “التقدّمية”، وما خفي عنهم في “الرجعية”. سيرتفع هذا المنقذ بالروح، وسيجمل ويزين المادة تحت إمرة الروح.
سيعلن بكل قوة أن ما يبحث عنه هو في الإسلام، ولن يأخذ عن الغرب غير العلوم والمعارف المجردة، وغير حق العقل في فحص المادة وتدقيقها؛ وبذلك يقدم أحسن أنموذج يشتاق إليه القرن العشرون. وبكلمة واحدة فإن هذا المنقذ سيكون الممثل الحقيقي للإسلام بكل ما فيه من أصالة وصفاء اليوم وغدا.
وبنسبة مأساة وسفالة انحطاطنا ستكون نسبة ارتفاعنا وصعودنا على يد هذا المنقذ البطل.
حسب السنن الإلهية وقوانينها…
لا بد أن يأتي هذا البطل…
بما أن هذه الأمة ستبقى…
إذن فهو آت لا محالة.
________________________
الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي.