المرأة والرجل في ميزان الإسلام

تتضح مكانة المرأة في الإسلام بذكر الدليل على المساواة بينها وبين الرجل، وهو دليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، ألا وهو قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(غافر: 40).

وعدل الإسلام يشمل المرأة والرجل؛ فالنساء في شريعة الإسلام شقائق الرجال في الأحكام. شقائق: أخوة في الدين، وتعاون على البر والتقوى، وتآزر على قطع مفاوز الحياة الدنيا، لا العداوة والشقاق.

ونعيب على الذين يتهمون الإسلام بالتقصير؛ إذ يصر المعارضون والأعداء على أن للإسلاميين قضية مع المرأة، وعلى أن المرأة مظلومة. ويعرفون القضية ويترافعون عنها في محكمة الحريات والمتعة، ويلصقون بالإسلام وشريعته وتاريخه تهمة التضييق على المرأة ومصادرة حقها الطبيعي وحقوقها الإنسانية. ويتخذون من هذه التهمة واحدة من أهم مطاياهم للتشنيع على الدعوة الإسلامية.

لم تنحط المرأة وحدها، بل انحطت بانحطاط المجتمع، وانحط المجتمع بانحطاط الحكم وانتقاض عروته، وانحبس الفقه، وسد باب الاجتهاد، ودارت الفتوى في حلقة ضيقة مقلدة. وغفا العقل المسلم الذي كان ذات يوم رائدًا في مجالات العلوم الكونية كما كان سابقًا في فقه الشرع.

وكان رسول الله ﷺ رفيقًا بالنساء في بيعتهن. فيشرح لجماعة منهن أن غش الأزواج نقض لشروط البيعة. وتأتيه عجوز لتبايع، فيشرط عليها وعلى من معها من النساء ألا ينحن على ميتٍ. فقالت العجوز: يا رسول الله! إن ناسًا كانوا قد أسعدوني على مصائب أصابتني، وإنهم قد أصابتهم مصيبة، فأنا أريد أن أُسعدهم. قال: فانطلقي فكافئيهم. فانطلقت فكافأتهم، ثم إنها أتته فبايعت.
ونص الحديث عن أم عطية قالت: لما نزلت هذه الآية: ﴿يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَلَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾، و ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قالت: كان منه النياحة. قالت: فقلت يا رسول الله إلا آل فلان، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بد لي من أن أُسعدهم. فقال رسول الله ﷺ: “إلا آل فلان”.

وتلك أم المؤمنين عائشة، المُحدثة المكثرة التي تتقدم فتسامي أكثر الصحابة جمعًا للسنة ورواية لها وحفظًا وتعليمًا. وهي المجاهدة التي كانت تنقز قِرَب الماء، تجري بها سريعة لتسقي جرحى أُحد وتواسيهم. وهي الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، التي كانت تنتقد أمير المؤمنين عثمان، وهي قائدة الثورة على الإمام علي -كرم الله وجهه- لما اجتهدت فأخطأت، ثم ندمت على خطئها وتابت في آخر حياتها واستغفرت.

كيف تربت هذه الفذّة من نساء الإسلام؟ تلك الشابة التي كانت تحب اللهو، فيقف لها رسول الله ﷺ حتى تشبع نهمها من الفُرجة على الحبشة وهم يلعبون في المسجد، كيف نشأت؟ كيف ترعرع إيمانها؟ كيف انفعلت مستبشرةً مُنزجرةً بآيات الله تتلى طرية في بيتها؟

وثمة أحاديث بعينها ترويها عائشة وغيرها من صفوة النساء – دون الرجال؛
روى الشيخان والترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: “إن الله يحب الرفق في الأمر كله”.
وفي رواية للبخاري أنه ﷺ قال: “يا عائشة! عليك بالرفق، وإياك والعنفَ والفُحشَ”.
وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما خُيِّر رسول الله ﷺ في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا”.
ما بال أحاديث التدرج والرفق واللين واليسر ترويها امرأة؟
القلب الرحيم لا شك، وحس المؤمنة المجبولة على تعهد الحياة وبناء الإنسان، محمولاً في البطن، وموجعًا من أجله في الوضع، ومرضعًا محنُوًّا عليه، ومفطومًا مفصولاً برقة، وصبيًّا يلعب في الحجر، وغلامًا مشاكسًا، ويافعًا ثائرًا، وزوجًا بعد وأبًا. كل ذلك يطلب من المعاناة والصبر واللين والحب والرفق ما تقدره المرأة حق قدره، فتسمعه من الوحي، وتخزنه لنا ذاكرتها. فللمؤمنة في فقه التغيير وتفقيه الرجال بأسلوبه المرتبة الأولى.

المرأة المسلمة وميدان الجهاد

وثمة مضمار آخر تسابق فيه المرأة المسلمة، ألا وهو مضمار الجهاد، والذي تدخل المرأة غماره إذا اضطرت إلى ذلك؛ حضرت السيدة الجليلة سيدتنا أم عمارة، نسيبة بنت كعب الأنصارية، بيعة العقبة الثانية يوم أسس رسول الله ﷺ الكيان السياسي للأمة. بايعوه يومئذ وأم عمارة معهم، ثانية اثنتين من المؤمنات، على أن يمنعوه إن هاجر إليهم مما يمنعون منه أُزرهم، أي نساءهم، على أن لهم الجنة. ووفّت أم عمارة بالعهد أتم الوفاء، رضي الله عنها.

قال ابن هشام: قاتلت أم عمارة يوم أُحد. سألتها أم سعد: يا خالة! أخبريني خبرك.
فقالت: خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سِقاء فيه ماء، فانتهيتُ إلى رسول الله ﷺ وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون، انحزت إلى رسول الله ﷺ، فقمت أُباشر القتال، وأذبُّ عنه بالسيف، وأرمي عنه بالقوس، حتى خلصت الجراح إليَّ.
قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جُرحًا أجوف له غور.
فقلت: من أصابك بهذا؟
قالت: ابن قمئة أقْمَأه الله!
قالت أم عمارة: لما ولّى الناس عن رسول الله ﷺ، أقبل ابن قمئة يقول: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا!
قالت: فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله ﷺ، فضربني هذه الضربة. ولكن، فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان.

للمرأة وخصوصية جنسها وجمالها وجاذبيتها معنى كونيٌّ مصيريٌّ، دنيوي أخروي، لا سبيلَ لإدراك حكمة الشرع فيما أمر ونهى بصددها من دون استحضاره والاستبصار به. هذا المعنى هو أنها زينة الدنيا وملخص شهواتها للرجل، وملتقى أمانيه. فهي بذلك للرجل، وهو بذلك لها، وهذا من أثر التزيين الإلهي المغروز في الفطرة.

وننعي على الرجال الذين يعتبرون أنفسهم جنسًا فوق جنس النساء؛ حيث يعتقدون أن درجة تفضيل الرجل على المرأة تعني تفضيلاً قهريًّا؛ فكفة المرأة اليوم طائشة في المجتمع المسلم، مرجوحة في مجتمع المارقين من الدين. بينما المؤمنات والمؤمنون أكفاء في شرع الله المنزل بميزان العدل. لا ترجح كفة الرجل ولا كفة المرأة إلا بالتقوى. يجد هو وتجد هي فضل ذلك الرجحان في ميزان الحسنات يوم القيامة.
أما التكافؤ في الحقوق والواجبات هنا في الدنيا، فمحكوم بشريعة مفصلة ثابتة ثبوت الفلك الدوار وثبوت نواميس الله في الكون. فإذا وقع التحول بالهبوط أو الانحراف في أشخاص ذوي الحقوق وفي بيئتهم الاجتماعية والعالمية، فإن مرونة الاجتهاد تُكيف ما بين الواقع وبين المطلوب الشرعي بالتدرج والتقريب وإعمال وازعي القرآن والسلطان.

درجة الرجال على النساء

إن “الدرجة” التي أعطاها الله عز وجل للرجال على النساء بصريح النص القرآني هي ترجيح لكفة الرجال في ظاهر الأمر. وهي تثقيل لميزان الرجل بمثاقيل المسؤولية، وتخفيف عن أعباء المرأة التي ندبها الشرع لمسؤولية عظيمة، يصرح بها الشرع، ويُلوّح إليها، ويُضمِّنها أحكام التوزيع للواجبات والمسؤوليات بين الرجل والمرأة.

“الدرجة” إمارة في القافلة الاجتماعية. هي بمثابة أمير السفر الذي أوصت به السنة النبوية. إمارة بدونها تكون الفوضى في القافلة، فتضعف، فيجد العدو فيها مغمزًا، فيعدو عليها ويمزقها. ولقد أساء المسلمون الرجال ممارسة “الدرجة”.

إن الإيمان بدرجة الرجال على النساء إيمان بالقرآن، والكفر بها كفر بالقرآن. فهذا فيصل ما بيننا وبين أعداء الدين. الدرجة للرجال على النساء مزية ثابتة بالكتاب والسنة. قال الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌۭ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(البقرة: 226).
جاءت الآية في سياق أحكام الطلاق، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الفقهاء. فتثبت الدرجة للرجال في الشأن الخاص في الحياة الزوجية، وفي الشأن العام في الحياة السياسية والاجتماعية.

لكن ما مضمون هذه الدرجة؟ أهي براءة تمنح للرجل وتفويض لكي يدوس المرأة تحت قدميه؟ أم هي مسؤولية رعاية أمينة وقيادة رحيمة؟

الدرجة في تفسير الحافظ ابن كثير هي درجة في الفضيلة، والخلق، والخُلُق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة. بعبارة موجزة، فهي “مواطنة” من الدرجة الثانية في الدنيا والآخرة.
وهذا ما يصادم صدر الآية الذي جعل ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ﴾، ويصادم في ما يرجع لفضل الآخرة قوله تعالى مخبرًا عن السعداء أولي الألباب: ﴿فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍۢ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰۚ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍۢ﴾(آل عمران: 195).

الرجل في أهل بيته نجد نموذجه في رسول الله ﷺ، الذي كان في خدمة أهله إذا دخل البيت، وكنّ ينازعنه ويراجعنه في حلم ولا يغضب، ويتلطف ويداري. ومع مرور الزمن هبطت رعاية الرجال للنساء مع الهبوط العام، فأصبحت الزوجة والأم والأخت عضوًا منكمشًا محبوسًا لا يكاد يظهر له أثر في مجمل النظام الاجتماعي والاقتصادي.
وساد فقه السجن الذي يريد للمرأة ألا تخرج من البيت إلا مرتين: مرة من بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومرة من بيت زوجها إلى القبر.

كانت المؤمنة الصالحة تقف في درجة الرجل لكي يسمو بنفسه، فلا يتدحرج في خطوات الشيطان. كانت الواحدة منهن تخاف الله وترجو لقاءه، فتقول: “يا أبا فلان! أطعمنا حلالاً، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار وغضب الجبار”.
مساندات كنّ، ومانعات للرجل عن التدحرج. بل ومنهن من تقتحم العقبة، لا تنتظر الرجل أن يسحبها معه كما يُسحب التابع.
كم من صحابية أسلمت وتخلت عن الزوج المشرك، والأب المشرك، والأم المشركة، والعشيرة والقوم والحماية والرزق. كم منهن هاجرن إلى الله ورسوله ابتداءً من ذاتهن وهمتهن ومبادرتهن.

ونفرّق بين مصطلحي “المرأة” و”الزوجة”، إذ إن كلًّا منهما له دلالة شرعية؛ يقول مصطفى صادق الرافعي –رحمه الله–: “إياكم إياكم أن تغتروا بمعاني المرأة، تحسبونها معاني الزوجة. وفرّقوا بين الزوجة بخصائصها، وبين المرأة بمعانيها. فإن في كل زوجة امرأة، ولكن ليس في كل امرأة زوجة. واعلم أن المرأة في أنوثتها وفتونها النسائية كهذا السحاب الملون في الشفق حين يبدو: له وقت محدود، ثم يُمسخ مسخًا. ولكن الزوجة في نسائيتها الاجتماعية كالشمس: قد يحجبها ذلك السحاب، بيد أن البقاء لها وحدها، والاعتبار لها وحدها، ولها وحدها الوقت كله”.

تعدد الزوجات في الإسلام

أما تعدد الزوجات في شريعة الإسلام، فهو حلٌّ استثنائي لحالات استثنائية، ليس أصلاً ولا قاعدة. فإن استغل بعض الرجال هذه التوسعة الشرعية ليُشبِعوا أنفسهم لذة، ويشبعوا النساء ظلمًا، فالحيف منهم لا من الشريعة.

التعدد حلّ لما يمكن أن يلقاه الرجل، أو يعانيه المجتمع من مشاكل: الرجل تقوى فيه الحاجة فلا تكفيه امرأة واحدة، أو تمرض زوجته وهو صحيح، أو تعقم وهو يطلب الولد.
أو أن المجتمع يربو فيه عدد النساء على عدد الرجال، فتجيء شريعة التعدد لتصون حصة منهن عن العنوسة. وتكون شريعة التعدد هي الحل الوحيد إن حصدت الحربُ الرجال، كما حدث في الحربين العالميتين.
فالتعدد حصانة للرجل والمرأة والمجتمع. وبديله الرذيلة في المجتمعات الانحلالية، حيث تنطلق الشهوات ما لها من رادع.

إن الاختيار هو اختيار بين أقصى ما يمكن من عدل وإنصاف للمرأة، وأحطّ ما يمكن أن تنزل إليه المرأة. إنه اختيار بين الغريزة تحكم، وبين الفطرة مهّد لها الفاطر سبحانه سبيلاً إلى سعادتها الدنيوية والأخروية.
التعدد ضرورة لحل مشاكل خاصة، ضرورة لوقاية النشء وكفالته. إنه حفاظ على الذرية أن تضيع في حضن أم زانية.

المراجع:

– عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ط1، بيروت، دار لبنان للطباعة والنشر، 2003م.

– عبد العظيم أحمد عبد العظيم، المنهج النبوي في علاج المشكلات، دار الصحابة، طنطا، مصر، 2021م.

– مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مكتبة رحاب، الجزائر.