تُصدر مجلة “حراء” عددها 100 في محطة تاريخية فارقة، حيث يأتي هذا العدد محمَّلاً بمشاعر الحزن والأسى لفقدان أحد أبرز مفكريها، الأستاذ “فتح الله كولن”، الذي شكَّل فكره المستنير وقلمه المتوهج إضافة ثمينة في مسيرة المجلة.
لقد كان كولن منارة علم ومعرفة، وأحد الأقلام التي أثرت المجلة برؤى فكرية عميقة، وحمل رسالة إنسانية سامية تدعو إلى السلام والحوار والتعايش.
يضم العدد 100 مجموعة من المقالات الفكرية والعلمية والثقافية التي تعكس تنوع المجلة وثراء محتواها، من أبرزها:
في باب القضايا الفكرية “الإبداع وتأثيره على الذكاء والتعلم” للكاتب “عبد الرؤوف بن حمزة” والذي يناقش فيه العلاقة الوثيقة بين الإبداع والذكاء، وكيف يساهم التفكير الإبداعي في تطوير المهارات التعليمية وتعزيز القدرات الذهنية للأفراد.
ومقال “متلازمة أليس في بلاد العجائب” للدكتورة “صهباء بندق” ويستعرض المقال هذا الاضطراب العصبي النادر، والذي يؤثر على إدراك الإنسان لحجم وشكل الأشياء من حوله، مما يجعله يعيش حالة من التشوه الحسي والإدراكي.
وفي باب العلوم مقال “الثقافة في عالم الحيوان” للكاتب “خلف أحمد أبو زيد” يأخذنا فيه إلى رحلة لاكتشاف القدرات الفريدة التي تمتلكها بعض الحيوانات في التعلم والتكيف داخل بيئتها، وكيف تسهم هذه المهارات في بقائها وتطورها.
ومقال “البصمة الدماغية أحدث آليات كشف الهوية” للكاتب “رضا إبراهيم محمود” ويناقش الاكتشافات الحديثة حول بصمة الدماغ، وكيف أن لكل إنسان نمطًا دماغيًّا مميزًا يشبه البصمة الوراثية، مما يفتح آفاقًا جديدة في علم الأعصاب والتكنولوجيا الحيوية.
ومقال “ميزان الألوان في حياة الحيوان” للدكتور “ناصر سنة” ويتناول دور الألوان في حياة الحيوانات، وكيف تساعدها في التمويه، وجذب الشريك، والتواصل، والتكيف مع بيئاتها المختلفة.
أما في باب التاريخ والحضارة فيأتي مقال “مسجد سيدي غانم: شاهد على تاريخ الجزائر” ليستعرض هذا المَعلم التاريخي، الذي يُعدّ من أقدم المساجد في الجزائر، ويسلط الضوء على دوره في نشر الثقافة الإسلامية وحفظ التراث.
لماذا يُعدُّ هذا العدد محطة فارقة؟
يؤكد العدد 100 من مجلة “حراء” على استمرار مسيرتها في تقديم محتوى ثري ومتجدد يجمع بين الفكر والعلم والثقافة، رغم فقدان أحد أعمدتها الفكرية. ونأمل أن يجد القراء في هذا العدد زادًا فكريًّا يعينهم على التعمق في قضايا الفكر، والتأمل في معاني الحياة، واستكشاف آفاق جديدة من المعرفة.
رسالة حراء.. وداع فكر خالد
بقلوب يعتصرها الألم، تنعى “مجلة حراء” فقيدها المربي، الأستاذ “فتح الله كولن”، الذي كان رمزها وروحها، وعقلها المفكر، وقلبها النابض بالفكر المستنير. لقد كان كولن صاحب رؤية فكرية عميقة، وحامل رسالة إنسانية نبيلة، سخّر قلمه ليضيء دروب المعرفة، ويبث روح القيم والأخلاق في صفحات المجلة وبين سطورها. برحيله، تفقد “حراء” أحد أعمدتها الفكرية، لكنها لا تفقد إرثه، فقد ترك وراءه فكرًا خالدًا، ومدرسةً فكرية تبقى نبراسًا للأجيال القادمة.
إن مسؤولية الأمانة الفكرية اليوم تتعاظم على كل من سار على دربه، ليواصل رسالة العلم والنور التي حملها بقلب صادق وعقل مضيء، فالأفكار لا تموت، والأرواح العظيمة تبقى خالدة بأثرها وعطائها.