أبو الفيزياء “إسحاق نيوتن”، هذا الاسم الذي يحرك في ذهن السامعين صورة لتساقط التفاح على الأرض، والأفكار العبقرية التي غيرت مسار تاريخ الفيزياء حول ظاهرة الجاذبية. ومع ذلك، إذا كنت تتخيله عالـمًا عقلانيًّا صارمًا يوثق ملاحظاته بدقة، بعيدًا عن التصوف والروحانيات، فأنت على موعد مع مفاجأة.
لقد كشفت الدراسات الحديثة النقاب عن جانب عجيب من شخصية إسحاق نيوتن لم نكن على دراية به من قبل، وهو أنه كان رجلاً قد مزج بين العلوم الطبيعية والتجربة الروحية، وسار على الخط الفاصل بين التجريبية الصارمة والتصوف العميق.
بداية القصة
بدأ كل شيء في عام 1936، في دار سوثبي للمزادات في لندن، عُرضت مجموعة كبيرة من الوثائق العلمية والأوراق الشخصية المتعلقة بـ”نيوتن” في مزاد علني، وهي اللحظة التي شهدت فيها صورة نيوتن المنقوشة في الأذهان تحولاً زلزاليًّا.
فقد اشتراها الاقتصادي البريطاني الشهير “جون ماينارد كينز”، واحتوت هذه الأوراق على اكتشافات أذهلت المؤرخين وأثارت فضولهم. وبعيدًا عن كونها مجرد خربشات تحليلية، فإن العديد من هذه الأوراق قد فصّلت صولات “نيوتن” وجولاته في مجالات قد يسميها العلماء الماديون اليوم بـ”العلوم الزائفة” أو الخرافية.
عالم نيوتن الخفي
بعيدًا عن الرياضيات والفيزياء، يبدو أن “نيوتن” كان لديه اهتمام عميق الجذور بعالم الغيب، وكان مهووسًا بالدين بشكل خاص. وخلافًا للاعتقاد الشائع بأنه كان رائد عصر العقل، كشفت هذه المخطوطات النقاب عن “نيوتن” الذي بدا أكثر كباحث روحاني، يسعى إلى فك رموز النصوص الدينية والأساطير القديمة. لقد كان فهم الكون بالنسبة لـ”نيوتن” سعيًا روحيًّا بقدر ما كان سعيًا علميًّا.
وإلى جانب الدين، كان نيوتن مفتونًا بالكيمياء بشكل مثير، ففي عصر كان ينظر فيه إلى الكيمياء على أنها مزيج من العلم والسحر، بهدف تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب واكتشاف إكسير الحياة، كان نيوتن مغمورًا بها إلى أقصى حد.
كان نيوتن يعتقد أن المعرفة القديمة التي ضاعت مع الزمن، كانت مشفرة في الأساطير اليونانية. وبينما كان ينظر معظم الناس إلى الحكايات الغريبة على أنها أساطير وخرافات، فقد اعتبرها نيوتن وصفات مشفرة من الماضي السحيق.
كان “حجر الفلاسفة” وهو مادة يعتقد أنها تحول المعادن إلى ذهب، من بين هواجس نيوتن. تخيلوا أبا العلم الحديث وهو يجري تجارب في غرف مضاءة بالشموع، ويخلط المواد الغامضة، محاولاً توليد الذهب!
كانت ميول نيوتن الدينية بعيدة كل البعد عن التيار السائد. كان لديه آراء مثيرة للجدل تتحدى العقائد المركزية للمسيحية. بعد أن تعمق في النصوص المسيحية القديمة، أصبح نيوتن مقتنعًا بأن مفهوم الثالوث خطأ. لقد كانت استفسارات نيوتن العلمية ومعتقداته اللاهوتية متشابكة فيما بينها كجزء من سعيه الأكبر لفهم القوانين الإلهية المبثوثة في الكون.
ازدواجية نيوتن
بينما تضفي الوثائق المكتشفة على نيوتن مسحة صوفية، دعونا لا ننسى دراساته حول الكون الذي يحيط بنا. فقد أحدث هذا الرجل ثورة في فهمنا للضوء والحركة والجاذبية. ولقد تحدى المعتقدات السائدة في عصره، حيث كان يعتقد أن قوانين الحركة نفسها تنطبق على الأرض والسماء على حد سواء.
كانت رؤيته للجاذبية -التي تصورها كقوة غير مرئية تؤثر عبر المسافات دون أي وسيط- رائدة على أقل تقدير. وكان حساب التفاضل والتكامل، وهو فرع جديد من الرياضيات غيّر المشهد العلمي، ريشة أخرى في قبعة نيوتن. فقد سمحت هذه التقنية للعلماء بفهم وحساب الكميات المتغيرة باستمرار، مما أرسى الأساس لاكتشافات مستقبلية.
إعادة التفكير في أيقوناتنا
تنبهنا وثائق وأوراق نيوتن بأن الشخصيات التاريخية لها أوجه متعددة -مثلنا تمامًا- وهي معقدة ومليئة بتناقضات ومفاجآت واهتمامات متنوعة. كما أنها تسلط الضوء على الجدل القديم حول العلم مقابل الدين، وتؤكد أن الاثنين ليسا منفصلين أو متناقضين، بل مترابطين بعمق بالنسبة للكثيرين.
لذا، في المرة القادمة عندما تفكر بإسحاق نيوتن، لا تذكره على أنه العالم الذي أعاد تشكيل ملامح الفيزياء، ولكنه أيضًا الرجل الذي بحث عن الله في المعادلات، ورأى الأساطير قصصًا تخفي في بواطنها أسرارًا كونية مشفرة.
عندما نقلب صفحات الماضي، من يدري ما هي المفاجآت الأخرى التي تنتظرنا؟ دعونا نقدر الإسهامات العديدة التي قدمها إسحاق نيوتن العقلاني، والخيميائي، واللاهوتي، وقبل كل شيء، الباحث عن الحقيقة دون كلل أو ملل.