(1) الشاعر: ابن دَرَّاج القَسْطلي
أبو عمر أحمد بن محمد بن العاصي بن دَرَّاج القَسْطلي الأندلسي، ولد عام 347هـ/ 958م في قَسْطَلَّة دَرّاج، قرية في غرب الأندلس منسوبة إلى جدِّه، كان شاعر المنصور أبي عامر، وكاتب الإنشاء في أيامه، قال عنه الثعالبي: كان بالأندلس كالمتنبي بالشام، وأورد ابن بسام في الذخيرة نماذج من رسائله وفيضًا من شعره، مات سنة 421 هـ/1030 م، وله ديوان شعر مطبوع في مجلد ضخم.
القصيدة:
تُحَفًا لشعبانٍ جلا لَكَ وَجْهَهُ | عِوَضًا مِنَ الوردِ الَّذِي أهدى رَجَبْ |
فاقْبَلْ هدِيَّتَهُ، فقد وافى بِهَا | قدرًا إِلَى أَمدِ الصيامِ إذا وَجَبْ |
وَاسْتَوفِ بَهْجَتَها، وطيبَ نسيمِها | فإذا دَنا رَمضانُ فاسْجُد واقترِبْ |
وله مطولة بلغت أربعة عشر ومئة بيت على البحر الطويل، منها:
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ | وَصَلْتَهُما بالبِرِّ شَهْرًا إِلَى شَهْرِ |
فناطِقُ صِدْقٍ عَنْكَ بالصِّدْقِ والنُّهى | وشاهِدُ عَدْلٍ فيكَ بالعَدل والبِرِّ |
فهذا بِما استَقْبَلْتَ من صائِبِ النَّدى | وهذا بما زَوَّدْتَ من وافِرِ الذُّخْرِ |
فكَمْ شافِعٍ فِي ظِلِّكَ الصَّوْمَ بالتُّقى | وكَمْ واصِلٍ فِي أَمْنِكَ اللَّيْلَ بالذِّكْرِ |
وكم ساجِدٍ لله مِنَّا ورَاكِعٍ | يَبيتُ عَلَى شَفْعٍ ويَغْدُو عَلَى وَتْرِ |
ووَجْهُكَ للهَيْجَاءِ من دُونِ وَجْهِهِ | وتَسْرِي إِلَى الأَعْداءِ عنه ولا يَسْرِي |
وظِلُّكَ ممدودٌ عَلَيْهِ وتَصْطَلِي | بِجَاحِمِ نارِ الحربِ أَوْ جَامِدِ القُرِّ |
خَلَعْتَ عَلَيْهِ ثَوْبَ صَوْنٍ ونِعْمَةٍ | وظاهَرْتَ عَنْهُ بَيْنَ صِنٍّ وصِنَّبْرِ |
وكمْ قاطِعٍ بالنَّوْمِ لَيْلًا وَصَلْتَهُ | بِغَزْوِكَ مَا بَيْنَ الأَصِيلِ إِلَى الفَجْرِ |
وأَقْدَمْتَ فِيهِ الخَيْلَ حَتَّى رَدَدْتَها | وآثارُها ثَغْرٌ لقاصِيَةِ الثَّغْرِ |
كَأَنَّ دُجى لَيْلٍ يَمُرُّ عَلَى الضُّحى | إِذَا سِرْنَ أَوْ بَحْرًا يمورُ عَلَى البَرِّ |
فَأَنْتَ جَزَاءُ صَوْمِنا وَصَلاتِنا | وَفِيكَ رَأَيْنا مَا ابْتَغَيْنَا مِنَ الأَجْرِ |
ومِنْكَ اسْتَمَدَّ الفِطْرُ مَطْعَمَ فِطْرِنا | وفيكَ أَرَتْنَا قَدْرَها لَيْلَةُ القَدْرِ |
وباسْمِكَ عَزَّتْ فِي الخِطابِ مَنابِرٌ | بأَسْعَدِ عِيدٍ عادَ بالسَّعْدِ أَوْ فِطْرِ |
ولاحَ لَنَا فِيهِ هِلالٌ كَأَنَّهُ | بَشِيرٌ بِفَتْحٍ مِنْكَ أَشْرَقَ بِالبِشْرِ |
أَهَلَّ فأَهْلَلْنا إِلَيْهِ تَمَثُّلًا | بِرُحْبِكَ جُنْحَ اللَّيْلِ بالضَّيْفِ تَسْتَقْرِي |
وأَسْفَرَ عَنْ زُهْرِ النُّجُومِ كَأَنَّما | جَبينُكَ أَبْدى عن خَلائِقِكَ الزُّهْرِ |
عَلا وتَدَانى للعُيُونِ كَمَا عَلا | مَحَلُّكَ واسْتَدْنَيْتَ بُعْدًا عَنِ الكِبْرِ |
وذَكَّرَنا عَطْفًا بِعَطْفِكَ حانيًا | عَلَى الدِّينِ والإِسلامِ فِي البَدْوِ والحَضْرِ |
هلالُ مَساءٍ باتَ يَضْمَنُ لِلضُّحى | غَدَاةَ المُصَلَّى مطلعَ الشَّمْسِ والبَدْرِ |
ومِلْءَ عُيُونِ النَاظِرِينَ كتَائِبًا | كَتَبْتَ بِهَا الآفاقَ سَطْرًا إِلَى سَطْرِ |
مُخَطَّطَةً بالخَيْلِ والأُسْدِ والحُلى | ومُعْجَمَةً بالبَيْضِ والبِيضِ والسُّمْرِ |
وصادِقَةَ الإِقْدَامِ تَهْتَزُّ لِلْوَغى | وخافِقَةَ الأَعْلامِ تَعْتَزُّ بِالنَّصْرِ |
فَصَلَّيْتَ وَهْيَ النُّورُ فِي مَشْرِقِ العُلا | وأَصْلَيْتَ وَهْيَ النَّارُ فِي مَغْرِبِ الكُفْرِ |
ولما اسْتَهَلَّتْ بالسَّلامِ صَلاتُهُمْ | أَهَلَّتْ إِلَى تَسْلِيمِهِمْ سُدَّةُ القصْرِ |
فَكَرُّوا يُعِيدُونَ السَّلامَ عَلَى الَّذِي | يُعَاوِدُ عَنْهُمْ فِي العِدى صادِقَ الكَرِّ |
يُحَيُّونَ بالإِعْظَامِ مَوْلًى، حَنانُهُ | أَخَصُّ بِهِمْ مِنْ رَأْفَةِ الوالِدِ البَرِّ |