مع التطور الذي حظي به الهاتف الحديث، فتغيرت إمكاناته، وزادت خدماته وتطورت تقنياته، فأصبح يقدم عشرات الخدمات من بيع وشراء وتواصل مع الاقارب وممارسة الأعمال، وتقديم الاستشارات والرد على الاستفسارات بجوار المكالمات الهاتفية التي كانت في الهواتف العتيقة، فأصبح الهاتف حاجة ماسة لكل مسلم، ليتسنى له مواكبة العصر الحديث، فلا يستطيع الاستغناء عنه، ولا الاستعاضة عنه بالهاتف التقليدي.
لكن مع ذلك أصبح هذا الهاتف من أكبر المشغلات، ومن أشد الملهيات، فاختلطت فيه الحاجيات بالترفيهيات، فطفق الكثير من الناس عليه عاكفون ليلاً ونهارًا، صرفوا فيه سنام وقتهم، وأضاعوا فيه فراغهم، فصرفهم عن العبادة والذكر وشغلهم عن طلب العلم والقراءة وألهاهم عن متابعة الأهل والأولاد والقيام بدور المربي.
فالهاتف من غير اتصال بالإنترنت فيه من التطبيقات التي تكفي في إلهاء القلب، وإشغال النفس، فكيف إذا أضيف له الإنترنت ووضعت عليه منصات التواصل الاجتماعي، التي تجعل المرء فيها كالسكران الذي لا يفيق من سكره ولا يعي فعله.
وشركات المنصات الاجتماعية ومعدو التطبيقات يطورون منتجاتهم تلك ويحدثونها باستمرار؛ لتكون جذابة تأسر القلوب والعقول بتصميماتها وزخارفها، حتى تجعل المرء لا يذرها إلا لمامًا، فهم يحرصون على تقوية محفزات الإدمان، ليحصدوا ملايين الدولارات التي يحصلونها من البيانات التي يجمعونها، ومن الإعلانات التي يبثونها، فلذلك هم يدأبون على بث ما يحفز ذلك التعلق والإدمان.
وإدمان منصات التواصل مشكلة شكا منها الكثير، فهذا الشيخ الواعظ محمد المختار الشنقيطي حدثت له واقعة يتيمة مع إحدى هذه الملهيات فيقول:(والله هذه الوسائل أمرها عجيب، جلست مرة من المرات على ما يسمى بتويتر، واسمه في النفس منه شيء، وفعلاً جلست بعد صلاة العشاء لأول مرة حتى فوجئت بالسحر، ذهب عليّ وردي من الليل، مصيبة عظيمة، ما تشعر بشيء، ومن يعرف هذه الأشياء يعرف هذا…).
فينبغي للمسلم أن يحذر من هذا الهاتف ويَعُدُّه من أعدائه، ويتخذ السبل والوسائل التي تخلصه من أسر تلك الآلة، فكم ضيع من ساعات وكم أهدر من أوقات وكم أضاع من طاقات، وكم عطل من إمكانات لو صرفت فيما ينفع لعادت بالخير عليه وعلى المسلمين.
فلينظر المسلم للساعات التي يضيعها على هذا الهاتف، فليحاسب نفسه عليها، ولينظر كم يستطيع ملء صحيفته بالحسنات والدرجات العلا لولا هذا الهاتف، لا تظن أنها دقائق معدودة، فهذه الدقائق القليلة عندما تضم لبعضها تصل لأيام وشهور وسنوات ضائعة على الهاتف.
هناك عدد من الحيل والوسائل التي تساهم في الحد من هدر الأوقات على تلك الهواتف الغبية، وهي طرق مجربة نافعة تقلل من ذلك الإدمان، وتجعل المرء يقترب من مرحلة السواء النفسي في التعامل مع هذا الهاتف.
ومن ذلك مراقبة المرء لنفسه للوقت الذي يقضيه على الهاتف، فيعرف مدى ما يقضيه من الساعات ليتدرج في ذلك، ولينظر أين يصرف هذه الساعات هل يصرفها في التطبيقات الهادفة كالمصحف والمكتبة الشاملة والكتب الإلكترونية الهادفة أم يصرفها فيما يضره كمنصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الإلهاء ونحوها.
ومن تلك الطرق: الانشغال بالقيام بالأمور النافعة التي تصرفه عن الهاتف كقراءة ورده اليومي من المصحف ومطالعة الكتب الورقية، واستخدام الأدوات الأخرى المتاحة بعيدة عن شاشة الهاتف؛ حتى يقلل صلته بالهاتف.
ومن تلك الطرق استخدام بعض التطبيقات التي تقلل من إدمانه مثل تطبيق (يور أور) الذي يتيح له غلق شاشة الهاتف عدة ساعات فلا يستخدمه إلا للاتصال الهاتفي، وتطبيق (بلوك) الذي يتيح غلق التطبيقات المحفزة على الإدمان عدة ساعات، وتطبيق (فورست) الذي يدرب المرء على غلق الشاشة عدة دقائق والانشغال بمهام أخرى بعيدًا عن الهاتف وتطبيق (تك تك) الذي يساعد في كتابة المهام وإنجازها.
بدلاً من أن يصبح الهاتف عائقًا عن طاعة الله ومشغلاً عن عبادته، ليجعله المسلم عونًا على طاعته، يتلو منه ورده، ويقرأ منه ذكره، ويتعلم منه دينه، ويصل به رحمه، ويتفقد به ولده وأهله، ويتواصل مع ذوي القربى، وما عدا ذلك من الفضول فليجتنبه وليحذر منه أشد الحذر.
لا ينبغي للمرء أن يستهين بمشكلة الإدمان الهاتفي، فهي مشكلة خطيرة تضيع على المرء الأوقات النفيسة، وتعطل استخراج الطاقات الكامنة وتصرفه عن القيام بواجباته، فهي من أخطر المشكلات التي تحتاج للمزيد من العلاج والصبر على مجاهدة النفس ودعاء الله ليخلصه من أسر ذلك الإدمان، وفقنا الله وإياكم لما يرضيه.