لا شك أننا نعيش في عالم تسيطر فيه التكنولوجيات على الإنسان ويتعرض فيه الإنسان للإدمان في مجالات مختلفة ويبتعد عن الإنسانية ويتغافل عن قيمها الجيلُ القادم وهم يقعون في فخ التكنولوجيات وصناعات الألعاب الإلكترونية الضارة حيث يلعب جيلنا الجديد تلك الألعاب الإلكترونية ليل نهار وهم لايشعرون أن لها أضرارًا ستنتج عنها. وقد كثر عدد مستخدمي الألعاب الإلكترونية في السنوات الأخيرة خاصة في العامين الماضيين. وقد أثبتت عدة دراسات أجريت حول تأثيرات الألعاب الإلكترونية في الأطفال والمراهقين أن للألعاب الإلكترونية تأثيرات إيجابية وسلبية حيث إن هناك أنواعًا من الألعاب الإلكترونية التي لها فوائد لتنمية العقل وتشغيل الذكاء. وفي نفس الوقت يوجد الكثير من الأنواع الإلكترونية التي ستؤثر على صحة الأطفال بشكل سلبي.
كشفت إحدى دراسات أجريت بين 3034 مراهقًا أن 9% من المراهقين الذين تم مقابلتهم أنهم يظهرون أعراض الإدمان في حياتهم و4% منهم يمضون على الأقل 50 ساعة أسبوعيًا للألعاب الإلكترونية. وأما الطلبة الذين تعرضوا لإدمان الألعاب الإلكترونية فهم لا يمكنهم التركيز على الدراسات ويخسرون في التعليم إلى المستوى الأدنى بدرجة أقل من الطلبة الذين لم يتعرضوا لإدمان الألعاب الإلكترونية لأن تلك الألعاب التي ستنتج عنها مشاكل عديدة ومنها مشكلة إجتماعية وثقافية وإنسانية لأن من تعرضوا لإدمان تلك الألعاب ستظهر فيه تغيرات في العقل وفي المعاملات مع الناس. ربما لعل الإنسانية غابت عن هؤلاء الأشخاص حتى تفقد منهم قدرة التمييز بين الحسن والقبيح والخير والشر والإنسانية والشيطانية. هكذا انتشرت تلك الألعاب الإلكترونية في العالم وقلما نجد دولة ليس فيها من يستخدمون تلك الألعاب.
ومن المعلوم لدى الجميع أن فترة الإغلاق إثر انتشار فيروس كورونا قد أثرت إلى حد كبير في حياة الأطفال والطلاب من إستخدام الألعاب حيث لما تحولت المدارس والجامعات إلى التعليم عن بعد بواسطة إنترنت عبر منصات التواصل الإجتماعي اضطر جميع الطلبة سواء كانوا في مرحلة المدارس أو مرحلة الجامعات لاستخدام الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية ومن هنا بدأ الطلاب المراهقون أن يعرفوا عن تلك الألعاب وتمكنوا من لعبها كما يشاءون لأن في أيديهم الهواتف من أجل التعلم والدراسة. ومن هؤلاء الطلبة من تعرضوا لإدمان الألعاب ومنهم من استخدموا الهواتف بشكل يليق بهم بالإغتنام بالفرص لكسب العلم ومعلومات جديدة من جهات مختلفة عبر تطبيق يوتيوب أو أي منصات أخرى حتى تمكن هؤلاء الطلبة من الحصول على تجارب جديدة وكسب مهارات الإبداع في شتى المجالات. لكن ما تكشفه دراسات أجرتها جامعة ارغوسي،(مدرسة مينيسوتا لعلم النفس المهني) أن معظم الطلبة في العالم أصبحوا مدمنين للألعاب الإلكترونية في فترة الوباء التي بدأت منذ منتصف سبتمبر عام 2019م وأكثرهم مَن يبلغ عمرُهم بين 6 و 22 عامًا.
تأثيراتها السلبية
ومما لا بد من توضيحه أن لتلك الألعاب الإلكترونية تأثيرات سلبية تصيب صحةَ العقل والبدن وتؤدي الإنسان إلى عالم الخيالات بدون أن يشعر بشيء يحدث في عالم الواقع وهذا بالنسبة للمراهقين والأطفال خطر عظيم. ويذكر الخبراء بعض المشاكل الصحية الناتجة عن إدمان الألعاب الإلكترونية ومنها الحرمان من النوم واضطراب إيقاع الساعة البيولوجية وكآبة وعدوانية وقلق. وثمة بعض المشاكل المنوطة بالمجتمع الإنساني ومنها ابتعاد هؤلاء المدمنين عن المجتمع وعدم معرفتهم عما يحدث في المجتمع من الحوادث والوقائع ويمضون حياتهم داخل عالم الإنترنت معتقدين أن عالم الإنترنت هو عالم حقيقي. وبالنسبة للأطفال يكون كل شيء مرتبطًا بتلك الألعاب فتكون هي همَّهم الأكبر وتصبح فكرتهم كلها مرتبطة بالألعاب سواء كانوا في المدارس أم في البيت. ويكون مدمنو الألعاب من الطلاب تصطادهم فكرة اللعب من قمة رأسهم إلى أخمص قدميهم وهم في الصف والبيت والرحلة حتى في المشي حيث أنهم يذكرون على الدوام عن شخصيات وأبطال رأوهم في ساحات الألعاب الإلكترونية.
ومما لا جدال فيه أن الطلبة الذين تعرضوا لإدمان الألعاب الإلكترونية تغيرت أخلاقهم وطريقة معاملاتهم مع الآخرين حيث إن دراسات بحثية تكشف أن من يغضب على المعلمين والمعلمات من الطلبة أكثرهم ممن تعرضوا للإدمان. وهذا ليس في المعاملة مع المعلمين فحسب بل في المعاملة مع والديهم أيضًا لأنهم يتوقعون أكثر حرية لهم في عالمهم الإفتراضي وبذلك لا يحبون الحياة في عالم الواقع ويكرهون النصائح من الكبار فأما ما يحبونه هو أن يعيشوا في عالمهم بدون أي إزعاج من الخارج سواء كان الإزعاج صغيرًا أو كبيرًا. ربما تكون النصائح متعلقة بالأمور الدينية والقيم الإنسانية ولكنهم لا يحبون منْعهم من لعب الألعاب وإبعادهم عن شاشات الهواتف الذكية أو الكمبيوتر. ومن تغيرات أخلاقهم أنهم ينسون ما يجب علهم فعله في حالات مختلفة مثل إكرام الضيوف وترحيب القادمين إلى البيت وهكذا تدريجيًّا ينسون عادات المجتمع والأعراف والقيم المجتمعية التي حافظ عليها القدماء والآباء إلى يومنا هذا. ومن تأثيرات إدمان تلك الألعاب ظهور أفكار خاطئة في قلوب المراهقين وتؤدي هذه الأفكار مدمني تلك الألعاب إلى القيام بالسرقة والإجبار على الكذب للجميع بدون فرق بين الزملاء والوالدين والمعلمين فأما السرقة فيفكرون بها عندما يحتاجون إلى المال والنقود لدفع المبالغ المطلوبة من قبل شركات الألعاب لشراء لعب جديدة أم لفتح المرحلة الجديدة في اللعب وأما الكذب فيعتمدون عليه للتخلص من أسئلة الوالدين أو من ولاة أمورهم حيث أنهم كانوا أحيانًا يلعبون على الإنترنت باسم الدراسة يكذبون بأن لهم محاضرات خاصة في موضوع ما. ولكن استمرارهم في السرقة والكذب خطر للغاية في مستقبل حياتهم.
ومما لا ينكره أحد أن عددًا من المراهقين في أنحاء العالم انتهت حياتهم بالإنتحار بسبب إدمان الألعاب الإلكترونية الضارة وأكثرهم من يبلغ من عمرهم ما بين 9-22 عامًا. وحسب المعلومات التي أفادتها قنوات إخبارية هندية أن عدد الإنتحار بسبب الألعاب الإلكترونية في الهند يرتفع سنويًّا في ربوع البلاد. ومن بين المدمنين أطفالٌ من كل طبقات في المجتمع ولا فرق بين الأغنياء والفقراء والأميّين والمثقفين. ومما يدل على الإنتحارات بسبب إدمان الألعاب ما حدث من انتحار فتى صغير تعرض لإدمان لعب فري فاير( free fire) في ولاية كيرالا بالهند في فترة الإغلاق إثر انتشار فيروس كورونا المستجد. وكان ما أداه إلى الإنتحار عدم حصوله على مال كافٍ من الوالدة لدفعه في تطبيق الألعاب وشعورُه بأنه فقد كل شيء في حياته. وتقول والدة الفتى المذكور لـ Manorama news (إحدى القنوات الإخبارية الهندية): إن ابنها كان طالبًا مجدًّا في التعلم وكان يتعاون معنا جميعًا بشكل جيد حتى وجد الهواتف الذكية ومنذ حصوله على الهاتف المحمول قلبت أخلاقه ومعاملاته وعاداته رأسًا على عقب وأصبح لا يطيع والدته وأخته. وأردفت والدته قائلة: بعد أن تعرض ابني لإدمان تلك اللعبة المسمى فري فاير أصبح كمن لا جوع له ولا عطش. وكل وقت كانت عيونه مغروسة على الشاشة ولا يتكلم معي إلا لحاجة النقود من أجل تعبئة رصيد الهواتف وبدأ يطلب مبلغًا كبيرًا في كل مرة فأعطيه المال المطلوب حسب إمكانيتي أنا. ويغضب حينما لا يجد مالاً كافيًا لحاجته. ووفقًا لما بثته قنوات إخبارية مختلفة أن الفتى المذكور كان يسهر الليالي في أيامه الأخيرة بدون أكل وشرب وكان ينفق على الأقل عشرين ساعة للعب فري فاير.
والحادثة المذكورة مجرد واحدة من أنواعها وهناك في العالم تستمر نفس الحوادث بين المراهقين والأطفال في كل زاوية من زوايا الدنيا باستثناء بعض الدول التي حظرت فيها الألعاب الإلكترونية بالكامل أم حددت وقتًا معينًا للعبها. في الحقيقة معظم الآباء في العالم لا يشعرون بأن أولادهم تعرضوا لإدمان الألعاب الخطيرة. وبعض الأولاد الذين آباءهم يعملون في مختلف البلاد البعيدة من أسرتهم يسرقون أموالاً من أجل الألعاب من حساب أمهاتهم بدون علمهن. أحيانًا تعرف الأمهات بالأمر عندما يذهبن إلى البنك من أجل الإجراءات البنكية. ويقال أن معظم المراهقين الذين تم انتحارهم سببه هو ندامة على ما فعله من سرقة وإضاعة أموال الوالدين من أجل الألعاب الإلكترونية.
ومن الخطير للغاية أن ما يظهر على مستخدمي المخدرات من نوع من الجنون يظهر أيضًا على مستخدمي الألعاب الإلكترونية الضارة. وفي الواقع عديد من الطلبة قد وقعوا في أفخاخ شركات الألعاب في زمن كورونا لأنهم تمكنوا من استخدام الهواتف الذكية كما يشاءون ولكنهم لم يشعروا بأن في بعض مواقع الإنترنت مصيدة لهم ففي البداية كانوا يلعبونها لمجرد التمتع والمرح ولكن في نهاية المطاف قلبت الأمور رأسًا على عقب أي تعرضوا للإدمان وهم لا يشعرون. ومن هنا يبدأ انهيار الإنسانية والرحمة من القلوب وفقْد السيطرة على العقول من يد صاحبيها ولذلك كثير من المدمنين يلجؤون إلى الإنتحار ويختارونه لأنهم كانوا يدفعون الأموال لشركات الألعاب بعد أن سرقوها من حسابات الوالدين بدون علمهم ثم يصبحون على ما فعلوه نادمين فيلجؤون إلى قتل أنفسهم.
الحل المناسب
بالنسبة للوالدين عليهم منع أولادهم من الوقوع في تلك المكايد وإنقاذهم من أفخاخ تلك الألعاب وبذلك عليهم أيضًا تنبيههم عن مخاطرها بالوعظ والنصيحة وتذكيرهم عن مصير تلك الألعاب وغيرها. ويجب على الوالدين ألا ينزعوا من أيدي الأولاد الهواتف أو الكمبيوتر باستخدام القوة لأنه ربما يستفز الأولاد الذين تعرضوا للإدمان ويؤديهم إلى اختيار القتل بالنفس أو أن يغضبوا على الوالدين بشكل غير مسبوق، وعلى عتاق الوالدين مسؤولية تربية أولادهم بشكل جيد حيث يمكنهم إنقاذ الأولاد المدمنين من مشاكلهم بحيث يذهبوا بهم إلى طبيب النفس و يُحضروا أولادهم للعلاج المطلوب فيستطيعون إعادة أولادهم إلى الحياة الطبيعية. وثمة بعض التوجيهات إلى الوالدين بشأن الأطفال ومنها تركيز الوالدين على كل أعمالهم وألا يفتحوا لهم باب الفخ والخطر. وتعد قلة معاملات الوالدين مع الأولاد سببًا رئيسيًّا لوقوع الأطفال في أفخاخ مختلفة فبذلك عليهم إنفاق أوقات معينة للمعاملة مع أولادهم وتزيين الأجواء داخل البيت بالحب والتمتع لإبعاد حالة الإكتئاب والوحدة عن قلوب الأطفال وأن يشجعوهم على ألعاب طبيعية تساعد العقل والجسد. وبتنفيذ هذه التوجيهات قد يتمكن الوالدين من إنقاذ أولادهم من إدمان الألعاب الإلكترونية الضارة. وعلى الوالدين أن يكونوا حذرين قبل أن يقع الفأس على الرأس وألا ينسوا أن “الوقاية خير من العلاج”.