لا مراء في أن الدين الإسلامي هو خاتم الرسالات، حمل رسالته سيد البشرية -محمد صلى الله عليه وسلم- هذه الرسالة التي جاءت موجهة للعرب خاصة وللعالم عامة، وببساطة ووضوح وشمولية هذه الرسالة دفعت بكثير من الأقلام الغربية إلى الكتابة عن الدين الإسلامي ورسوله، ومن ضمن هؤلاء “مارسيل بوازا”.

ليس الإسلام دين فقط، بل هو حياة جديرة أن تحيا في الوقت الحاضر.

يقول عن الدين مقارنًا بين الغرب والإسلام: “ليس الإسلام دين فقط، بل هو حياة جديرة أن تحيا في الوقت الحاضر. ولفظة”RELIGIO” الغربية لا تعبر إلا جزئيًا وبشكل غير كامل عن المفهوم الإسلامي لكمة دين، وقد تعني كلمة دين في الإسلام الحقيقة، والعرف والتصرف السوي، والموقف السليم. وتجمع بمعناها الواسع الإيمان والإسلام والاحسان، فقد بين الله في رسالته إلى الناس الحقيقة والشريعة ومكارم الأخلاق. فالحقيقة تتصل بالعقل والشريعة بالإرادة، ومكارم الأخلاق بالوجدان، والصلة بين عناصر هذا التعريف الثلاثة الأساسية وثيقة لا تنفصم عراها”(1).
ثم انتقل للحديث عن الصلاة يقول: “ولما كانت الصلاة، -وهي شعار محدد تحديدًا دقيقًا- تسبيحًا وابتهالاً فإنها تشد المسلم إلى الإسلام وتدمج الإنسان بالعالم الشامل، إنها تضفي عليه عزته عن طريق رؤية استعلائية إلى طبيعته وتستلزم من هذا الوقاع بالذات الخضوع الناشئ عن مظهر الصلاة المادي، إذ يجب أن تلامس أشرف أجزاء الجسم الأرض. وليست الصلاة تضرعًا إلى الله متروكًا أمره إلى الاستلهام الشخصي أو إلى شعور مبهم، وإنما ينبغي على العكس من ذلك أن يغذيها كلام الله باستمرار”(2).
ومن فريضة الصلاة تطرق للزكاة مبينًا مزاياها بقوله: “الزكاة مقرونة في الأعم الأغلب إلى الصلاة. إنها تطهر مؤتيها بقهر الأثرة والرضى الناجم عن الاشتراك في بناء مجتمع إسلامي أعدل. وليس إحسانًا، بل واجب على الغني وحق للفقير، وهي بوصفها توزيعًا بين شركاء في خيرات الجماعة، تحقق الإخاء والتضامن، إنها أكثر من عمل اجتماعي”(3).
عن دور العقيدة يقول: “وقد جعلت وحدة العقيدة من الإسلام دينًا يعز وصفه وتستحيل مقارنته بالمفاهيم التقليدية للفلسفة الغربية. فلقد نظمت لشريعة المنزلة كل شيء، ولم تترك عملاً من أعمال المؤمن بلا غاية، مرشدة سلوكه الشخصي وعلاقته بالآخرين وتصرفه في المجتمع الإسلامي أو خارجه…، الفضيلة الاجتماعية الأساسية، هي قاعدة السلوك الأخلاقي للمسلم، جماعية أكثر مما هي بين فرد وآخر، وهذه لعمري خصيصة النظام الإسلامي الجوهرية. فالقرآن والسنة والفقه تلح كلها على ضرورة تدعيم الروابط التي تشد أفراد المجتمع بعضهم إلى بعض وتوثيقها(4).
بعد ذلك تطرق لقضية جد هامة ومهمة وهي العقل، يقول في ذلك: “يتحدد مكان العقل والفطنة على امتداد الطبيعة المنطقي، ويسمحان بالعثور على نظام الأمور الشامل، إنهما يفضلان التنظيمات على الحكمة، فليس للمؤمن أن ينزعج من الأحداث الخارجة عن ذات نفسه، طالما أنه يعي عرضية الوجود بإزاء المطلق. إنه يعتبر أن خيرات هذا العالم زائلة، وأنها آية على مشيئة الله، ومع ذلك لا يعني موقفه الزهد فيها. وهكذا يبقى بمنأى عن حساسية قد تقوده إلى ضلالات أو مبالغات في نطاق ما تنص عليه الشريعة”(5).
بعد قضية العقل، تناول “مارسيل بوازار” الهدف من نزول القرآن، يقول بخصوص هذه النقطة: “إن نزول القرآن لم ينزل لشرح ماهية الآدمي، وإنما لتعريف الله إلى الناس. وإذ كان يقدم شريعة شاملة تجمع بقوة بين الروحي والزمني، فالله يمثل نظام عمل يحدد الفضائل الأخلاقية، بيد أنه لا يمثل مجموعة من النماذج عن العناصر الخاصة بطبيعة الإنسان الداخلية، والإسلام دين الايمان والتبصر. وننجم قوة الإقناع في تعاليمه عن أنه يعرض حقيقة المطلق ويظهر الوحدانية المتناغمة للخليقة الناتجة عنه. وهكذا يصبح الله مطلقا وكلي القدرة، لأنه يمثل المشيئة الأولى والقوة”(6).

إن رسالة الإسلام الخاتمة، الرسالة الإنسانية، الرسالة التي جاءت من أجل الإنسان لربط صلته بالخالق سبحانه وإفراده بالعبودية.

ومن بين القضايا ذات الأهمية التي استأثرت اهتمام “مارسيل بوازار” قضية حقوق الإنسان، وقد عقد مقارنة بين الغرب والإسلام، يقول عن ذلك: “تتحدد حقوق شخص من الأشخاص في جماعة من الجماعات وتضمن عن طريق واجبات سائر الأعضاء فرديًا وجماعيًا. ويمكن تقديم تعريف الحقوق والواجبات في المفهوم الغربي التقليدي بواسطة معايير إلزامية أو ذاتية، تقليدية ظرفية، تختلف باختلاف تطور المجتمع والظروف الخارجية…والحقوق والواجبات والمحظورات والاكراهات، في الإسلام، جميعها من أصل ديني. وينبغي للوهلة الأولى أن تكون العلاقات المتبادلة محددة بصورة واضحة. إذ يفترض في الشريعة المنزلة تقرير الأحكام لكل المناسبات. ومع ذلك ينظر النظام الإسلامي إلى الإنسان، على الصعيدين الفردي والجماعي، من خلال مفهومين غير متباينين وإن كانا غير متشابهين. وليست الموازنة بين حق الفرد وبين ضرورة وجود الخير المشترك مفقودة، لكنها مائلة من خلال رؤية إسلامية بحتة، وينبغي أن توازن عن طريق تطبيق الشريعة المنزلة تطبيقا صحيحا”(6).
جملة القول، إن رسالة الإسلام الخاتمة، الرسالة الإنسانية، الرسالة التي جاءت من أجل الإنسان لربط صلته بالخالق سبحانه وإفراده بالعبودية، هي رسالة جديرة بأن تستأثر اهتمام القاصي والداني مسلم وغير المسلم. ولنا في نموذج “مارسيل بوازار” خير دليل، وما ينقصنا اليوم سوى التعريف بمثل هذه الدراسات والكتابات والأبحاث، في وقت أصبح فيه العالم قرية صغيرة، وفي وقت كثر الحديث عن الحوار الحضاري والثقافي والديني، فهل نحن فاعلون؟
(1) إنسانية الإسلام، “مارسيل بوازار”، ترجمة: د. عفيف دمشقية، ط1، 1980
(2) المرجع السابق
(3) المرجع السابق
(4) المرجع السابق
(5) المرجع السابق
(6) المرجع السابق