الإعلام الجديد والشباب

تأثير الإعلام الجديد في شبابنا، كيف نوجهه؟ وكيف نحمي مجتمعنا من الذوبان في المجتمعات الأخرى؟ وهل أعددنا إعلامًا إسلاميًّا متميزًا بديلاً عن الإعلام الجديد، بحيث يجد فيه شبابنا ما يبحث عنه في الإعلام الآخر، ويراعي عقيدة المجتمع وشريعته وأخلاقه، دون أن ينسى القواسم المشتركة بيننا وبينهم، والتي هي ملك المجتمعات الإنسانية كلها حتى لا يحدث الانفصام والصدام؟

يتميز الإعلام الجديد بأن له تأثير مباشر على الجانب الأخلاقي والسلوكي، فهو يعزز لدى الشباب الممارسات غير الأخلاقية من خلال ما يشاهدونه عبر القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت.

مفهوم الإعلام الجديد

لا يوجد تعريف علمي ثابت للإعلام الجديد نظرًا لتغيراته المتسارعة في حقول التكنولوجيا والثورة المعلوماتية وتطور البرمجيات، إضافة إلى أن الإعلام الجديد له مرادفات عدة، منها الإعلام الرقمي، والإعلام الاجتماعي، وصحافة المواطن، ومواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام التفاعلي.
والإعلام الجديد لم يعد فيه نخبة متحكمة أو قادة إعلاميون، بل أصبح متاحًا لجميع شرائح المجتمع وأفراده الدخول فيه واستخدامه والاستفادة منه طالما تمكنوا وأجادوا أدواته. وبهذا نستطيع أن نقول إن تكنولوجيا الإعلام الجديد فتحت بابًا واسعًا لحرية الإعلام لا يمكن إغلاقه، وهي وسيلة سهلة لإيصال المعلومات ونشرها إلى جميع أطراف العالم عن طريق وسائله (مواقع الشبكات الاجتماعية والمدونات والويكيبيديا والمنتديات وتويتر وموقع يوتيوب).

الفرق بين الإعلام الجديد والقديم

إن للعملية الإعلامية ثلاثة عناصر: مؤثر ومتأثر ووسيلة تأثير. وكان للإعلام القديم اتجاهًا واحدًا مؤثرًا، والمتلقي متأثرًا، والوسيلة الإعلامية المستخدمة إمَّا صحافة أو تلفاز أو إذاعة، وفي كل الحالات الثلاث يبقى المتلقي متأثرًا بشكل سلبي.. لذلك كان لهذه الوسائل الإعلامية أهمية كبيرة في صياغة وتشكيل الرأي العام في أي قضية، وفي الإعلام الجديد تغير الوضع، حيث حصل تحول مذهل في وسائل الاتصال خلال العقد الأخير. وقد لامس الوسيلة الإعلامية بشكل مباشر، الأمر الذي أعاد صياغة المعادلة السابقة من مؤثر ومتأثر إلى مؤثر، والمتأثر أصبح أيضًا مؤثرًا.

إن للعملية الإعلامية ثلاثة عناصر: مؤثر ومتأثر ووسيلة تأثير.

مثلاً كان الكاتب في الجريدة الورقية أو المجلة سابقًا يكتب مقالة، فيقرأها الناس بقدر كبير من السلبية، حيث يستوي المؤيد والمعارض، فلم تكن هناك وسائل معينة لقياس مدى تقبل القراء لكاتب وعدم تقبلهم لآخر إلا من خلال التعقيبات التي ترسل إلى الجريدة ذاتها. ومعنى هذا أن الكاتب الصحفي كان تأثيره كبيرًا في السابق، وهو المتحكم في المعلومة أو الفكرة التي يصوغها للجمهور. بينما في الإعلام الجديد بإمكان المتأثر أن يكون فاعلاً ومؤثرًا من خلال ردوده السريعة وتعقيباته التي يراها الجمهور بعد نشر مقال الجريدة أو المجلة.

خصائص الإعلام الجديد

• التفاعلية: بمعنى أن ممارسة الاتصال تكون ثنائية الاتجاه بين القائم بالاتصال والمتلقي، ويكون هناك تبادل الأدوار الاتصالية، ويكون الحوار حرًّا في الآراء والأفكار، وقد يكون مباشرًا أو في حجرات المحادثة أو مواقع تبادل رسائل البريد الإلكترونية، وتطلق التفاعلية على الدرجة التي يكون فيها للمشاركين في عملية الاتصال تأثير على أدوار الآخرين.
• المشاركة والانتشار: بتطور الإنترنت ووسائل الاتصال، أصبح بالإمكان لكل شخص يمتلك أدوات بسيطة أن يكون ناشرًا يرسل رسائله إلى الآخرين.
• العالمية: أصبحت بيئة الاتصال اليوم بيئة عالمية تتخطى حواجز الزمان والمكان والقارات والرقابة.
• الحركة المرنة: حيث يمكن نقل الوسائل الجديدة بحيث تصاحب المتلقي والمرسل، مثل الحاسب المتنقل، وحاسب الإنترنت، والهاتف الجوال، بالاستفادة من الشبكات اللاسلكية.
• تجاوز الحدود الثقافية: شبكة الإنترنت تلتقي فیها مئات الآلاف من الشبكات الدولیة التي تتزاید كل عام بنسبة كبیرة، ومعها یتزاید عدد مستخدمي الإنترنت بطریقة غیر مسبوقة، مما أدى بالتالي إلى تجاوز الحدود الجغرافیة وسقوط الحواجز الثقافیة.
• اندماج الوسائط: في الإعلام الجديد يتم استخدام كل وسائل الاتصال، مثل النصوص، والصوت، والصورة الثابتة، والصورة المتحركة، والرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد ..إلخ.
• الحفظ والتخزين: أصبح بالإمكان للمتلقي أن يحفظ الرسائل الاتصالية ويخزنها ويسترجعها متى شاء ويستخدمها في الوقت المناسب.

الشباب هم الفئة الأكثر تأثرا بالرسائل الثقافية والمعرفية التي تتضمن الأكواد والرموز، التي لا يستطيع جلهم حل رموزها ومعرفة أبعادها.

 حقيقة الــتـأثــير والــتـأثــــر

أصبح للإعلام الجديد تأثير كبير في مخاطبة عقول ونفوس الشباب، ووسيلة هامة في منظومة القيم، بل أمسى له تأثير في مجرى تطور البشر.. ويختلف التأثير والتأثر بحسب الوسيلة الإعلامية ووظيفتها، وطريقة استخدامها، والظروف الاجتماعية والثقافية للأفراد والمجتمعات، وقد يكون التأثير سلبيًّا وقد يكون إيجابيًّا.
والتأثير من المصطلحات المشهورة في الإعلام والاتصال حيث يعرف بأنه “ما تحدثه الرسالة الإعلامية في نفس المتلقي (المتأثر)، وكلما استجاب المتلقي للرسالة، تعد الرسالة الإعلامية قد أحدثت تأثيرها، ويكون القائم بالاتصال قد حقق الهدف من الاتصال”.
يرى “باركر وويزمان” أن الفرد يتلقى هذه المنبهات أو يستقبلها في شكل نبضات عصبية تأخذ طريقها إلى المخ، ثم يميز المخ بين هذه المنبهات ويختار بعضًا منها يخضعها للتفكير بعد أن يكون قد قام بفك كودها، ثم تحدث بعد ذلك عملية الاستجابة.

مجالات تأثير الإعلام الجديد

1- التأثير الثقافي والمعرفي: الشباب هم الفئة الأكثر تأثرا بالرسائل الثقافية والمعرفية التي تتضمن الأكواد والرموز، التي لا يستطيع جلهم حل رموزها ومعرفة أبعادها نتيجة شح رصيدهم الثقافي والمعرفي بتراث الأمة وانبهارهم بالتكنولوجيا الحديثة، ولم يعد مهتمًّا بما يجري من أخبار في الجريدة أو التلفاز أو الإذاعة بما يسمى الإعلام القديم. وأصبح الإعلام الجديد -بكل وسائطه- يسيطر على اهتمامات الشباب تأثرًا وتأثيرًا، فإذا أراد أحدهم أن يخبر صديقه عن مكتبة زاخرة بالكتب، يختصر له الكلمات في رابط قد لا يتجاوز السطر، أو إذا أراد أن يخبره عن مشهد مثير يقول له: “ادخل على اليوتيوب وطالع الحدث”.
والرسالة التي يحملها الإعلام الجديد إلى العالم العربي والإسلامي، هي ترسيخ الثقافة الغربية في عقول ونفوس الشباب؛ فمعظم الأفلام والرسوم المتحركة والأفكار التي تبث في جميع وسائل الإعلام الجديد، تُمجّد الرجل الأمريكي أو الغربي الذي يتصدى للجميع ويحاول أن يساعد الجميع، بالإضافة إلى الرسائل التبشيرية للديانة المسيحية واليهودية من جهة الغرب، ومن جهة الشرق: رسائل الإلحاد الوافدة من الديانات الشرقية المعروفة، بالإضافة إلى تشويه صورة الدين الإسلامي وتصويره على أنه دين الإرهاب العالمي والتخلف والهمجية، وأن العرب ما هم إلا رعاة إبل ينتشرون في الصحارى لا علاقة لهم بالحضارة، وهذه الصور تدرّس حتى في منظومتهم التربوية. ويمكن أن نلخص التأثير الثقافي والمعرفي في الشباب في هذه النقاط:
• وسائل الإعلام الجديد تعيد صياغة طريقة التفكير لدى الشباب والحكم على الأشياء، وهكذا يتحول تفكيرهم تدريجيًّا إلى تفكير صناع القرار في الإعلام الجديد، أي البرمجة العقلية والذهنية لدى الشباب بما يتماشى وأهدافهم القريبة والبعيدة.
• الإعلام يؤثر على طريقة التفكير والتصرفات لدى الشباب، فهم يقلدون في كل شيء، مما يفقدهم القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب.
• نتيجة انبهار الشباب بتكنولوجيا الغرب، أصبح يصدِّق كل الإشاعات والأخبار الصادرة من الغرب.

التأثير الأسري والمجتمعي

أصبحت الأسرة اليوم تعتمد على التكنولوجيا الرقمية التي سيطرت على الجو العائلي؛ فبرامج التلفاز حلت محل حكايات الجَدَّة، والبرامج التعليمية حلت محل تعاليم الأب والمعلم، وهواتف اليد حلت محل هاتف البيت.. وهكذا لم يعد الأب هو المراقب والمسيطر على الوضع داخل الأسرة وخارجها، حيث يمكن للطفل أن يشاهد ما شاء على التلفاز، وقد تملك البنت أرقام هواتف خارج إطار الأسرة، ويمكن لهم الاتصال بالآخر بالصوت والصورة والفيديو أحيانًا، دون الانتباه إلى أضرارها المادية والمعنوية وتهديدها لكيان الأسرة وقطع أواصر العلاقات الاجتماعية، وكما يقول الإعلامي فهد الشميمري: “إن الرسالة الإعلامية، سواء كانت في شكل خبر أو فكاهة أو برنامج وثائقي، فإنها تستطيع أن تعمل على إزالة قيمة من القيم وتثبيت أخرى محلها، أو ترسيخ شيء قائم والتصدي لآخر قادم، وهذا بالضبط هو مفهوم التنشئة الاجتماعية في أبسط صورها”.

يستعمل الأطفال حاسة البصر أكثر من استعمالهم للحواس الأخرى، وهذا يؤدي إلى عدم التوافق والتوازن في القدرة التحليلية أثناء التفكير.

ويمكن أن نلخص الآثار السلبية الأخرى فيما يلي:
• نقل أنماط الحياة الغربية إلى المجتمع الإسلامي يؤدي إلى خلخلة نسق القيم في عقول الشباب.
• السهر وعدم النوم مبكرًا والجلوس أمام التلفاز أو جهاز الكمبيوتر دون الشعور بالوقت وأهميته، له الأثر السلبي على التحصيل الدراسي والواجبات الضرورية.
• المضامين الإعلامية الموجهة إلى الشباب غير هادفة في أغلبها.
• تمرد الأبناء على التراث الإسلامي وانبهارهم بالمدنية الغربية وما تنتجه من تكنولوجيا.

التأثير الأخلاقي والسلوكي

يتميز الإعلام الجديد بأن له تأثير مباشر على الجانب الأخلاقي والسلوكي، فهو يعزز لدى الشباب الممارسات غير الأخلاقية من خلال ما يشاهدونه عبر القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، الأمر الذي يؤدي إلى التمرد على القيم الدينية والعادات الاجتماعية السائدة، والسخرية من العلماء، وتفشي الرذيلة، والتشكيك في قيم الأمة ومعتقداتها ومكنوناتها.
والقيم الأخلاقية مسؤولة عن توثيق العلاقة بين أفراد المجتمع وحفظ توازنه، وحينما يتجرد الإعلام عن الأخلاق يصبح يلبي رغبات جهات مشبوهة تكنّ العداء للمجتمع الإسلامي النظيف. وقد نجح الإعلام الغربي في تفكيك عقول الشباب وإعادة بنائها، وأمسى الشباب لا يثق إلا بما تقوله وسائل الإعلام الغربية، وبالتالي يستحيل أن نتصور علاقة طبيعية بين مثل هذا الإعلام وبين القيم الأخلاقية، والواقع يثبت هذا التصور، فكل السلوكات الشاذة التي تصدر عن شريحة كبيرة من الشباب، سببها الإعلام بكل وسائله الحديثة.
ويمكن أن نلخص جملة من مظاهر تأثير الإعلام الحديث على المستوى الأخلاقي والسلوكي في هذه النقاط:
• تدل الإحصائيات التي أجريت في إسبانيا، أن 39% من الأحداث التي قام بها بعض المنحرفين، قد اقتبسوا أفكارها من مشاهدة الأفلام والبرامج العدوانية وتصفحهم لبعض المواقع.
• هناك مواقع وقنوات تروِّج لكثير من العادات السيئة، حيث يترسخ في ذهن الشباب أن الإنسان إذا صادفه مشكل أو قلق أو فشل، يتجه إلى شرب الخمر أو التدخين.
• كثير من القنوات وصفحات الإنترنت، تثير في الشباب السلوك العدواني من خلال مواقع الألعاب.
• يستعمل الأطفال حاسة البصر أكثر من استعمالهم للحواس الأخرى، وهذا يؤدي إلى عدم التوافق والتوازن في القدرة التحليلية أثناء التفكير، كما تقول الباحثة الأمريكية “باتريسيا ترينفيلد”: “إن ما تغير خلال الخمسين سنة المنقضية، هو استخدام الطفل لعينيه أكثر من حواسه الأخرى، مما جعل قدرة الطفل التحليلية البصرية تفوق قدراته التحليلية الأخرى، وهذا الكلام ينطبق على الشباب الذي يقضي أوقاتًا طويلة أمام الإنترنت”.
يبقى الإعلام ووسائله من أهم عوامل نقل الحضارة، وإشاعة الثقافة الجادة، ودعم الفكر الصالح، وبث القيم الصحيحة في العادات والسلوك، وإصحاح البيئة الإنسانية والمجتمع البشري، وتحقيق التواصل الاجتماعي والثقافي بين الأفراد والجماعات والأمم؛ ولذا فإن اهتمامنا بالإعلام البديل للحفاظ على الشباب من الانحراف والتأثر بالإعلام الجديد، هو في حقيقة الأمر تأسيس لبناء حضارة إنسانية يتعايش فيها الجميع مهما اختلفت الأديان والأعراق والألوان؛ ذلك لأن الرسالة المحمدية هي رسالة عالمية تحمل المنهج الأقوم للحياة الفاضلة التي تحقق السعادة لبني الإنسان.
واليوم قد دخلنا مرحلة حاسمة، تتطلب منا القيام بأعمال ملموسة لصيانة الشباب، الذي هو حصن الأمة في المستقبل، وذلك من خلال تكثيف اللقاءات العملية والتكوينية في مجال الإعلام، والسعي إلى تطويع هذه الآليات “التقنية الحديثة”، واستنباط وسائل حديثة في الاتصال الإلكتروني تستخدم في تحقيق هدف المشروع الحضاري الإسلامي في تنوير وتحرير عقول الشباب من القيود المادية، وتأهيله للقيام بدوره الحضاري باستخدام أدوات وآليات الإعلام.
(*) باحث في الدراسات الإسلامية والإعجاز / الجزائر..