أبواب السماء، التكوين الإلهي العجيب

وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونََ﴾(الحجر:14).
على الرغم من كون “لو” حرف امتناع لامتناع، وكون هاتين الآيتين الكريمتين قد وردتا في مقام التشبيه والتصوير لحال المكابرين من الكفار والمشركين وعنادهم وصلفهم، إلا أن صياغتهما قد جاءت -كما تجيء صياغة كل آيات القرآن الكريم- على قدر مذهل من الدقة العلمية والشمول للحقيقة الكونية والكمال المطلق مما يشهد بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته.
وأحاول في هذا المقال عرض عدد مما استطعت إدراكه من ملامح الإعجاز العلمي في هاتين الآيتين الكريمتين على النحو التالي:
السماء بناء محكم
وقد ورد في قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ مما يؤكد أن السماء ليست فراغا كما كان يعتقد الناس إلى عهد قريب، حتى ثبت لنا أنها بنيان محكم، يتعذر دخوله إلا عن طريق أبواب تفتح للداخل فيه. والسماء لغة، هي كل ما علاك فأظلك.واصطلاحاً، هي ذلك العالم العلوي الذي نراه فوق رؤوسنا بكل ما فيه من أجرام، وعلمياً، هي كل ما يحيط بالأرض من مختلف صور المادة والطاقة بدءا من غلافها الغازي وانتهاء بحدود الكون، والذي أدرك العلماء منه مساحة يبلغ قطرها 24‏ ألف مليون سنة ضوئية على الأقل.
وقد ثبت مؤخرا أن السماء مليئة بمختلف صور المادة والطاقة التي انتشرت بعد انفجار الجرم الكوني الأول -والذي كان يضم كل مادة الكون، ومختلف صور الطاقة المنبثة في أرجائه اليوم- وذلك عند تحوله من مرحلة “الرتق” إلى مرحلة “الفتق” كما يصفهما القرآن الكريم. وعند ذلك تحولت مادته ومختلف صور الطاقة المخزونة فيه إلى سحابة هائلة من الدخان ملأت فسحة الكون، ثم أخذت في التبرد والتكثف بالتدريج حتى وصلت إلى حالة من التوازن الحراري بين جسيمات المادة وفوتونات الطاقة. وهنا تشكلت بعض نوى الإيدروجين المزدوج (الديوتريوم)، وتبع ذلك تخلق النوى الذرية لأخف عنصرين معروفين لنا وهما الأيدروجين والهيليوم، ثم تخلق نسب ضئيلة من العناصر الأثقل وزنا. وبواسطة دوامات الطاقة التي انتشرت في سحابة الدخان التي ملأت أرجاء الكون تشكلت السدم، في سلسلة من العمليات المنضبطة حتى تصل إلى مرحلة الاندماج النووي التي تكوّن النجوم. ومن أشلاء النجوم تكونت الكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات والشهب والنيازك والأشعات الكونية التي تملأ فسحة الكون بأشكالها المتعددة، وغير ذلك مما لا نعلم من أسرار هذا الوجود.
ولقد كان السبب الرئيسي لتصور أن الكون فراغ تام هو التناقص التدريجي لضغط الغلاف الغازي للأرض مع الارتفاع عن سطحها حتى لا يكاد يدرك بعد ألف كم فوق سطح البحر. ومن أسباب زيادة كثافة الغلاف الغازي للأرض بالقرب من سطحها هو انطلاق كميات هائلة من بخار الماء وغازات عديدة أغلبها أكاسيد الكربون والنتروجين. وقد اختلطت تلك الغازات الأرضية بالسحابة الغازية الكونية، وساعدت جاذبية الأرض على الاحتفاظ بالغلاف الغازي للأرض بكثافته التي تتناقص باستمرار بالبعد عنها، حتى تتساوى مع كثافة الغِلالة الغازية الأولية التي تملأ أرجاء الكون وتندمج فيها.
قانون بقاء التحرك الزاوي
لقد وصفت الآية الحركة في السماء بالعروج: ﴿فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾، والعروج لغةً هو: سير الجسم في خط منعطف منحن، وقد ثبت علميا أن حركة الأجسام في الكون لا يمكن أن تكون في خطوط مستقيمة، بل لابد لها من الانحناء نظرا لانتشار المادة والطاقة في كل الكون، وتأثيرِ كل من جاذبية المادة والمجالات المغناطيسية للطاقة على حركة الأجسام في الكون. وحتى الأشعةُ الكونية على تناهي دقائقها في الصغر إذا عبرت خطوطَ أيّ مجال مغناطيسي فإن هذا المجال يُحني مسار الشعاع بزاوية قائمة على مساره. فانتشار كل من المادة والطاقة في الكون عبر عملية الفتق وما صاحبها من انفجار عظيم كانت من أسباب تكوره، وكذلك كان انتشار قوى الجاذبية في أرجاء الكون من أسباب تكور كل أجرامه، وكان التوازن الدقيق الذي أوجده الخالق العظيم بين كل من قوى الجاذبية والقوى الدافعة الناتجة عن عملية الفتق هو الذي حدد المدارات التي تتحرك فيها كل أجرام السماء، والسرعات التي تجري بها في تلك المدارات والتي يدور بها كل منها حول محوره.
فعند انفجار الجرم الكوني الأول انطلق كل ما كان به من مخزون المادة والطاقة بالقوة الدافعة الناتجة عن ذلك الانفجار العظيم (عملية الفتق)، والتي أكسبت كل صور المادة والطاقة المنطلقة إلى فسحة الكون طاقة حركة هائلة، وجعلتها بذلك واقعة تحت تأثير قوتين متعارضتين هما: قوة التجاذب الرابطة بينها‏، والقوة الطاردة الناتجة عن ذلك الانفجار الكوني. وبفضل التوازنُ الدقيق بين هاتين القوتين المتعارضتين هو الذي يحفظ أجرام السماء في مداراتها، ويجعلها تتحرك فيها حركة دائرية بخطوط منحنية باستمرار، كما جعلها تدور حول محاورها بسرعات محددة.‏
ودوران الأجرام السماوية حول محاورها وفي مداراتها تخضع لقانون يعرف باسم “قانون بقاء التحرك الزاوي” أو “قانون العروج”. وينص هذا القانون على أن كمية التحرك الزاوي لأي جرم سماوي تقدر على أساس نسبة سرعة دورانه حول محوره إلى نصف قطره على محور الدوران، وتبقى كمية التحرك الزاوي تلك محفوظة في حالة انعدام مؤثرات أخرى، ولكن إذا تعرض الجرم السماوي إلى مؤثرات خارجية أو داخلية فإنه سرعان ما يكيف حركته الزاوية في ضوء التغيرات الطارئة.
وبمثل عملية نشأة الكون تماما وبالقوانين التي تحكم دوران أجرامه حول محاورها، وفي مدارات لكل منها حول جرم أكبر منه تتم عملية إطلاق الأقمار الصنعية ومراكب الفضاء من الأرض إلى مدارات محددة حولها، أو حول أي من أجرام مجموعتنا الشمسية، أو حتى إلى خارج حدود المجموعة الشمسية، وذلك بواسطة قوى دافعة كبيرة تعينها على الإفلات من جاذبية الأرض، من مثل صواريخ دافعة تتزايد سرعتها بالجسم المراد دفعه إلى قدر معين من السرعة. ولما كانت الجاذبية الأرضية تتناقص بزيادة الارتفاع عن سطح الأرض، فإن سرعة الجسم المرفوع إلى الفضاء تتغير بتغير ارتفاعه فوق سطح ذلك الكوكب، وبضبط العلاقة بين قوة جذب الأرض للجسم المنطلق منها إلى الفضاء والقوة الدافعة لذلك الجسم (أي سرعته) يمكن ضبط المستوى الذي يدور فيه الجسم حول الأرض، أو حول غيرها من أجرام المجموعة الشمسية أو حتى إرساله إلى خارج المجموعة الشمسية تماما، ليدخل في أسر جرم أكبر يدور في فلكه.
وأقل سرعة يمكن التغلب بها على الجاذبية الأرضية في إطلاق جرم من فوق سطحها إلى فسحة الكون تسمى باسم “سرعة الإفلات من الجاذبية الأرضية”، وحركة أي جسم مندفع من الأرض إلى السماء لابد وأن تكون في خطوط منحنية، وذلك تأثرا بكل من الجاذبية الأرضية، والقوة الدافعة له إلى السماء، وكلتاهما تعتمد على كتلة الجسم المتحرك، وعندما تتكافأ هاتان القوتان المتعارضتان يبدأ الجسم في الدوران في مدار حول الأرض مدفوعا بسرعة أفقية تعرف باسم “سرعة التحرك الزاوي” أو “سرعة العروج”.
ولولا معرفة حقيقة عروج الأجسام في السماء لما تمكن الإنسان من إطلاق الأقمار الصنعية، ولا استطاع ريادةَ الفضاء، فقد أصبح من الثابت أن كل جرم متحرك في السماء -مهما كانت كتلته- محكوم بكل من القوى الدافعة له وبالجاذبية مما يضطره إلى التحرك في خط منحن يمثل محصلة كل من قوى الجذب والطرد المؤثرة فيه، وهذا ما يصفه القرآن الكريم بالعروج، وهو وصف التزم به هذا الكتاب الخالد في وصفه لحركة الأجسام في السماء في آيات متفرقات، وذلك قبل ألف وأربعمائة سنة من اكتشاف الإنسان لتلك الحقيقة الكونية المبهرة على النحو التالي:
• ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾(الحجر:14).
• ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾(السجدة:5).
• ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾(سبأ:2)، (الحديد:4).
• ﴿وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾(الزخرف:33).
• ﴿مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾(المعارج:4-5).
ظلمة الكون
وقد وردت في قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾. ومعني ﴿سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ﴾ أغلقت عيوننا وسدت، أو غشيت وغطيت لتمنع من الإبصار، وحينئذ لا يرى الإنسان إلا الظلام. ويعجب الإنسان لهذا التشبيه القرآني المعجز الذي يمثل حقيقة كونية لم يعرفها الإنسان إلا بعد نجاحه في ريادة الفضاء حين فوجئ بحقيقة أن الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبية أجزائه، وأن حزام النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس لا يتعدى سمكه 200 كم فوق مستوى سطح البحر، وإذا ارتفع الإنسان فوق ذلك فإنه يرى الشمس قرصا أزرق في صفحة سوداء حالكة السواد، لا يقطع حلوكة سوادها إلا بعض البقع الباهتة الضوء في مواقع للنجوم.
وإذا كان الجزء الذي يتجلى فيه النهار على الأرض محدودا في طوله وعرضه بنصف مساحة الكرة الأرضية، وفي سمكه بـ200 كم، وكان في حركة دائبة مرتبطة بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس، وكانت المسافة بين الأرض والشمس في حدود 150 مليون كم، وكان نصف قطر الجزء المدرك من الكون يقدر بـ12 بليون سنة ضوئية، اتضحت لنا ضآلة سمك الطبقة التي يعمها نور النهار، وعدم استقرارها لانتقالها باستمرار من نقطة إلى أخرى على سطح الأرض مع دوران الأرض حول محورها، واتضح لنا أن تلك الطبقة الرقيقة تحجب عنا ظلام الكون، خارج حدود أرضنا ونحن في وضح النهار، فإذا جن الليل انسلخ منه النهار، واتصلت ظلمة ليلنا بظلمة الكون، وتحركت تلك الطبقة الرقيقة من النور لتفصل نصف الأرض المقابل عن تلك الظلمة الشاملة التي تعم الكون كله.
وأما تجلي النهار على الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض بهذا اللون الأبيض المبهج فهو نعمة كبرى من نعم الله على العباد. وتُفسَّر بأن الهواء في هذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض له كثافة عالية نسبيا، وأن كثافته تتناقص بالارتفاع حتى لا تكاد تدرك، وأنه مشبع ببخار الماء وبهباءات الغبار التي تثيرها الرياح من فوق سطح الأرض فتعلق بالهواء، وتقوم كل من جزيئات الهواء الكثيف نسبيا، وجزيئات بخار الماء، والجسيمات الدقيقة من الغبار بالعديد من عمليات تشتيت ضوء الشمس وعكسه حتى يظهر باللون الأبيض الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة على النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس. وبعد تجاوز 200 كم فوق سطح البحر يبدأ الهواء في التخلخل لتضاؤل تركيزه، وقلة كثافته باستمرار مع الارتفاع ولندرة كل من بخار الماء وجسيمات الغبار فيه لأن نسبها تتضاءل كذلك بالارتفاع حتى تكاد تتلاشى.
فسبحان الذي أخبرنا بهذه الحقيقة الكونية قبل اكتشاف الإنسان لها بألف وأربعمائه سنة، فشبه الذي يعرج في السماء بمن سكر بصره فلم يعد يرى غير ظلام الكون الشامل، أو بمن أعتراه شيء من السحْر فلم يعد يدرك شيئا مما حواليه، وكلا التشبيهين تعبير دقيق عما أصاب رواد الفضاء الأوائل حين عَبَروا نطاق النهار إلى ظلمة الكون فنطقوا بما يكاد أن يكون تعبير الآية القرآنية دون علم بها: ﴿إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾.
باطن الشمس مظلم
نأتي إلى قوله تعالى: ﴿فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾. فالتعبير اللغوي لـ﴿ظَلُّوا﴾ يشير إلى عموم الإظلام وشموله وديمومته بعد تجاوز طبقة النهار إلى نهاية الكون. ومن الأمور التي تؤكد ظلمة الكون الشاملة أن باطن الشمس مظلم تماما على الرغم من أن درجات الحرارة فيه تصل إلى خمسة عشر مليون درجة مئوية أو يزيد، وذلك لأنه لا ينتج فيه سوى الإشعاعات غير المرئية من مثل أشعة جاما، والأشعات فوق البنفسجية والسينية. أما ضوء الشمس فلا يصدر إلا عن نطاقها الخارجي فقط والذي يعرف باسم “النطاق المضيء”. ويؤكد هذا المعنى قَسَم الحق سبحانه وتعالى -وهو الغني عن القسم- بالنهار إذ يجلي الشمس أي يكشفها ويوضحها فيقول عز وجل: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾(الشمس:1-4) أي إن النهار هو الذي يجعل الشمس واضحة جلية لأحاسيس المشاهدين لها من سكان الأرض.
وكذلك في إشارة الآيتين الكريمتين إلى الرقة الشديدة لغِلالة النهار وذلك في قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا..لَقَالُوا..﴾ بمعنى أن القول بتسكير العيون وظلمة الكون الشاملة تتم بمجرد العروج لفترة قصيرة في السماء، ثم تظل تلك الظلمة إلى نهاية الكون، وهنا تتضح روعة التشبيه القرآني في مقام آخر يقول فيه الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾(يس:37)، حيث شبه انحسار طبقة النهار البالغة الرقة من ظلمة كل من ليل الأرض وليل السماء بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها، مما يؤكد أن الظلام هو الأصل في الكون، وأن النهار ليس إلا ظاهرة نورانية عارضة رقيقة جدا، لا تظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض، وفي نصفها المواجه للشمس في دورة الأرض حول نفسها أمام ذلك النجم، وبتلك الدورة ينسلخ النهار تدريجيا من ظلمة كل من ليل الأرض وحلكة السماء كما ينسلخ جلد الذبيحة عن جسدها.
وفي تأكيد ظلمة السماء يقرر القرآن الكريم في مقام آخر قول الحق: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾(النازعات:27-29) والضمير في ﴿أَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ عائد على السماء، بمعني أن الله تعالى قد جعل ليل السماء حالك السواد من شدة إظلامه، فهو دائم الإظلام، فيصفه ربنا سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أي أظهر ضوء شمس السماء لأحاسيس المشاهدين لها من سكان الأرض بالنور والدفء معا في أثناء نهار الأرض، والضحى هو صدر النهار حين ترتفع الشمس ويظهر ضوؤها جليا للناس، بينما يبقى معظم الكون غارقا في ظلمة السماء.