عبر كل موقف يتبين لكل ذي عقل، صدق مقولات كتاب اللّٰه سبحانه وتعالى وسنةِ نبيه صلى الله عليه وسلم، وحجتها وإحاطتها، وقدرتها على الامتداد في الزمن والمكان لكي تغطي كلَّ حالة وتعطي جوابها لكل معضلة وتستجيب لكل نداء.
إنها كلماتُ اللّٰه سبحانه وتعالى، تصدر عن علمه المطلق الذي خلق السماوات والأرض وبعث الحياة والإنسان وأحاط بها جميعًا.. فهي تجيء لكي تطابق حاجات النفس والمجتمع في كل زمان ومكان، ولكي تقدم الصيغ المثلى لكل موقف. وما عداها لا يعدو أن يكون مجرد محاولات تخطئ كثيرًا وتصيب قليلا. وهي حتى في حالة إصابتها لا تقدر على تقديم الصيغة الأكثر كمالا.. وتبقى من ثم تحمل عجزها وقصورها ونسبيتها وتقطعها وعدم قدرتها على الامتداد.
إن القرآن الكريم يقولها بوضوح كامل: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾(الأنعام:153).

وتلك هي مهمة الدين في هذه الحياة؛ أن يمنح الإنسان الصراطَ المستقيمَ وأن يشيرَ إليه بكلتا يديه ويسلط عليه الأضواءَ من أجل تمكين الإنسان من الوصول إلى أهدافه من أقرب طريق وأيسر طريق.. ذلك أنه طريق الوفاق مع نواميس الطبيعة وقوانين العالم وسنن الكون.. والوفاق يمنح الإنسان قدرة أكبر، على الفعل والاجتياز والتركيز واختصار حيثيات الزمن والمكان، والانطلاق إلى الأهداف الكبيرة بالعزم الذي تمنحه العقيدة، والطاقة التي يبعثها هذا الانسجام والتناغم مع قوى الوجود على امتداده الفسيح.
ذلك هو الصراطُ المستقيمُ الموصولُ باللّٰه، الممتدُ بين الأرض والسماء، بين الإنسان والكون.. وليس بعد هذا الصراط سوى السبل البشرية النسبية القاصرة القلقة المهزوزة التي لن تصل بالإنسان إلى أهدافه المرتجاة، والتي بسبب من عجزها وارتجاليتها تُحدث دوما انشقاقا بين قدرات الإنسان ومطامحه، وبين سنن العالم ونواميس الكون والوجود.. حيث يؤول الأمر إلى ارتطام محزنٍ بين الطرفين ويؤدي إلى تفتتِ الطاقات، وهدر الإمكانيات وتدميرها، وصدِّ الإنسان عن تحقيق توحده وانسجامه وقدرته على الفعل والإنجاز والعطاء.
وما أكثر ما تفرقت السبل بالأمم والجماعات والشعوب، وما أكثر ما قاد هذا التفرق إلى سفكِ أنهار من الدماء وتجريع البشرية بحرًا من الدموع والمتاعب والمنغصات والآلام.
ولماذا هذا كلُّه والطريقُ واضحٌ.. بيّنٌ.. هناك.. يتمثل بصراط اللّٰه المستقيم؟
ويقينًا فإن اليوم الذي ستطبق فيه التجربةُ المُرَّة على أعناق بني آدم، وترغمهم على أن يرجعوا إلى الصراط سيجيء.. يقينًا سيجيء..
فمن خلال التجربة التي تكشف الزيفَ من الحقيقةِ، وتفرز الذهبَ من الترابِ سيتبين صدقُ مقولات القرآن، وسينضوي إليها الإنسان المتعبُ، الممزقُ، المكدود في يوم قريب أو بعيد. وصدق اللّٰه العظيم القائل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾(فصلت:53).
لقد ظهر الفساد في البّر والبحر بما كسبت أيدي الناس عبر تاريخهم المترع بالمرارة والشقاء والتعاسةِ والأحزان، ليذيقَهم اللّٰه الثمار المُرّة لبعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
وسيرجعون يقينًا، لأنهم لن يجدوا غير الإسلام من يعصمهم من الغرق في بحر الفسادِ الكبير، وينقذهم من خضمّه المخيف العميق.