جميعنا يسعى لأجل التطوير الذاتي أو التحسين الشخصي. فسعادة المرء ونجاحه لا يتحقق إذا بقي على قصوره الذاتي وعاداته السيئة، التي تُقصي الفاعلية والنجاح والسعادة، وتضيع الفرص التي تطرق بابه ليلًا ونهارًا.
إن سبيلنا في التغيير الذاتي والتطوير الشخصي، ينحصر على واحدة من طريقين؛ طريقِ الأرنب أو طريقِ السلحفاة، المقتبستين من القصة الرمزية التي سبقت فيها السلحفاة الأرنبَ الذي اغتر بسرعته، فتكاسل حتى سبقته السلحفاة بصبرها وعزمها ومثابرتها رغم سيرها البطيء.
فالكثير من الناس يختار مسلك الأرنب؛ إذ يغترون بسرعتهم وقوتهم وإرادتهم، حتى يسوِّفون الأعمال ويؤجلون الآمال، لينتبهوا في اللحظات الأخيرة إلى تراكم الأعباء عليهم وصعوبة حملها.. فبدلًا من أكْل لقيمة واحدة بانتظام، يريدون تناول كل اللقيمات في مرة واحدة، ويجمعون كل الخطوات في خطوة واحدة، ثم يظلون يُثقلون الحِمل حتى تنحني ظهورهم، فيضعفون خلال السير، وينقطعون عن العمل، ويملّون من حَمْل الأحمال، بل يتركون الجمل بما حمل.
هذه الفئة من البشر، لا يصبرون على القليل المستمر، إنما يريدون الكثير المنقطع، ولا يستمرون أيضًا على الكثير المنقطع، بل لهم في كل عام خطة مختلفة، وفي كل سنة وثبة أخرى. فمحاولتهم قصيرة النفَس، وهم لا يداومون عليها بل ينقطعون عنها.. لا يحبون العمل القليل الدائم، بل يسعون إلى اختصار الطرق وطي المسافات، وكأنهم يريدون نقل المجرات في عدة لحظات.
هؤلاء يحبون القفزات، ويعدون أنفسهم بالأمنيات.. وكيف يصلون والنفس بحاجة لصبر طويل على العمل القليل حتى تألفه.. أيْ وهم في نومهم العميق وسباتهم الطويل، يبحثون عن علاء الدين ومصباحه.. يفتشون عن صفقة العمر ويضيعون الكثير من الفرص في قليل من العمل.. فالكسل الذي لديهم منعهم من القليل والكثير، وحال بينهم دون الكبير والصغير.. ليس لديهم غير رأس مال المفلسين الذي هو الأمنيات، والقفزات المنقطعة فقط.
أما أصحاب الطريق الثانية فقليلون، وهم أندر من الكبريت الأحمر، قد تجد واحدًا بالمئة فقط من هؤلاء.. إنهم السالكون طريق السلحفاة.. يصبرون على العمل القليل الدائم؛ فيقرؤون -مثلًا- كتابًا صغيرًا كل شهر، ويؤلفون كتابًا كل ثلاث سنوات، وينقصون من وزنهم الزائد كيلو جرام كل شهر.. إنهم الصابرون الذين يحققون النجاحات بالقليل الدائم؛ بعزمِ النملة يسيرون فيصلون وينجحون ويفلحون ويحصلون على النتائج المبهرة المرجوة. أصحاب طريق السلحفاة، يقضون في العمل المتوسط سنوات، لكنهم يتمونه ويصلون. يبنون العادات النافعة في أعوام، لكنهم في النهاية يُنْجزون وعلى ذلك يداومون، حتى يشيدوا صروحًا من الإيجابيات النافعات.
هؤلاء خيرٌ من سالكي الطريق الأولى، الذين يقضون أعمارهم بالتسويف والتأجيل والكسل.. الذين يسيرون على الطرق الخالية من الصبر والمثابرة وعدم التحمل.. الذين يريدون حلولًا سريعة ونتائج فورية، ثم يسأمون تكاليف الحياة ويملُّون مشاقها وصعوباتها، لتظل أحلامهم وآمالهم حبيسة العقول والأوراق، لا تعرف التحقيق ولا التنفيذ.
وعليه فإن أصحاب الطريق الثانية، يبنون بالصبر والتأني قصورًا شامخة، ويغرسون أشجارًا راسخة يصعب على العواصف اقتلاعها، بخلاف أصحاب الطريق الأولى الذين يبنون قصورًا في أيام، ويغرسون أشجارًا في غضون ساعات، فتأتي الرياح تقتلعها في لحظات. ففرقٌ كبير بين من بكى ومن تباكى، وبون شاسع بين عملٍ يقوم على أساسٍ راسخٍ رسوخ الجبال، وعمل ضحلٍ شديد السطحية كرمال الشطآن.
لا تستعجل بإنجاز الأعمال العملاقة التي تفوق طاقتك، وكأنك تريد نقل المجرات من مكانها في عشية أو ضحاها، ولكن ابدأ بالذرات شيئًا فشيئًا، ليكبُر عملك مع الأيام، ويَعظُم بعد أن كان بسيطًا.
منذ عدة سنوات تريد أن تقرأ كل يوم ساعة ولكنك عجزت، تريد تغيير عادة لديك ولكنك أخفقت، تريد تطوير مهارة عندك ولكنك جفلت.. فخذْ من كل عمل تريد بناءه ذرة واحدة كل يوم، وبعد سنين تجد لديك أطنانًا من تلك الذرات التي حملتها خلال أعوام، لتصبح من كبار الأثرياء.
قراءة ثلاث دقائق كل يوم تجعلك تقرأ ثلاثة كتب كل عام، وحفظ جملة إنجليزية كل يوم ستنهي مقررًا في تعلم الإنجليزية كل سنة، وكتابة فقرتين كل يوم ستكوِّن كتابًا آخر كل حول.. فبعد عشر سنوات، ستجعل منك الثلاث دقائق قراءة رجلًا مثقفًا، وستجعل الفقرتان منك كاتبًا، والجملة الإنجليزية ستصيرك متقنًا للغتك الثانية.
الثلاث دقائق اليومية في القراءة خير لك من الساعة التي تعد بها نفسك كل عام ولا تستمر عليها إلا يومًا أو يومين.. والفقرتان في الكتابة خير لك من نصف ساعة كتابة تمني بها نفسك ولا تستطيع الالتزام بها.. والجملة الإنجليزية اليومية خير لك من الكورس الذي تشرع فيه ولا تكمله.
لا تستعجل بإنجاز الأعمال العملاقة التي تفوق طاقتك، وكأنك تريد نقل المجرات من مكانها في عشية أو ضحاها، ولكن ابدأ بالذرات شيئًا فشيئًا، ليكبُر عملك مع الأيام، ويَعظُم بعد أن كان بسيطًا.
لا تجعلوا العمل اليومي مرهقًا، بل اجعلوه ممتعًا..اجعلوه سهلًا ويسيرًا خفيفًا على النفس حتى تعتادوه.. لا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتها، لا تنتظروا اليوم الذي تنقطعون فيه عن الأعمال الأخرى حتى تتفرغوا لصلاح أنفسكم وتطويرها، بل اعملوا على صلاح أنفسكم بالجهد اليسير والعمل البسيط والقليل الدائم.. اجعلوا سيركم مستمرًّا، ولكن من غير إرهاق ولا استعجال.. اجعلوا تطوير أنفسكم بجوار عملكم وأدواركم الحياتية وممارسة أنشطتكم اليومية، فالعمل القليل لن يحتاج منك تفرغًا ولا إجازة بدون مرتب لتقوم به.
كونوا مثل من يحفر بئرًا بإبرة خيط، أو من ينقل جبلًا من مكانه، إذ ينقل كل يوم حصاة دون كلل ولا ملل، أو مثل من يبني قصرًا شامخًا بوضع حجر واحد كل يوم دون فتور، لا تكترثوا بزمن اكتمال البناء، ولكن احرصوا على الاستمرار في البناء.
لا تجعلوا العمل اليومي مرهقًا، بل اجعلوه ممتعًا.. اجعلوه سهلًا ويسيرًا خفيفًا على النفس حتى تعتادوه.. لا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتها، لا تنتظروا اليوم الذي تنقطعون فيه عن الأعمال الأخرى حتى تتفرغوا لصلاح أنفسكم وتطويرها، بل اعملوا على صلاح أنفسكم بالجهد اليسير والعمل البسيط والقليل الدائم.
لا تنشغلوا كثيرًا بالنتائج، بل ركزوا في العمل فقط، واجعلوا عملكم وكأنه شجرة غرستموها ثم مضيتم إلى غرس شجرة أخرى.. ودعوها تكبر وتنمو وتؤتي ثمارها على مهل، لتتفاجؤوا بعد سنوات بالحصاد العظيم الناتج عن ذلك الجهد اليسير.. كونوا كالسائرين على الطريق، يأكلون البلح ويلقون نواه على جانبيها، ليتفاجؤوا بعد سنوات بالنخيل الذي يزين الطريق.. إنها ثمرة النوى الذي ألقي قبل سنوات.
لو سلكنا طريق السلحفاة، ورضينا بسيرها البطيء، وعملنا بطريقتها في التغيير الشخصي والتطوير الذاتي، وصبرنا على السير البطيء والنتائج الضئيلة، سنحقق نجاحات عالية، وسنحصد ثمارًا يانعة في حياتنا الشخصية، وسنبلغ التطوير الذاتي والتحسين النفسي الذي نحلم به ونتمناه.
لا تنشغلوا كثيرًا بالنتائج، بل ركزوا في العمل فقط، واجعلوا عملكم وكأنه شجرة غرستموها ثم مضيتم إلى غرس شجرة أخرى.. ودعوها تكبر وتنمو وتؤتي ثمارها على مهل، لتتفاجؤوا بعد سنوات بالحصاد العظيم الناتج عن ذلك الجهد اليسير.
الرضا بالعمل اليسير شيء شاق على النفس وأمر عسير في آن واحد؛ إذ لا نرضى بالقليل الدائم بسهولة، فمعظمنا يستعجل للوصول إلى النتائج العملاقة.. فنحن لا نبذل الجهود الكبيرة، ومع ذلك نريد حصادًا كبيرًا. علمًا بأن ذلك لا يتحقق إلا بعد جهود جهيدة وصبر ومثابرة عظيمة.. يجب أن نعوِّد أنفسنا على طريق السلحفاة الفعالة، لأن الصابر على القليل الدائم سيجني حتمًا الفوز والنجاح.
جربتم طريق الأرنب سنوات عديدة، وشاهدتم إخفاقكم، وذقتم فشلكم، حتى عجزتم عن السير، وانقطعتم عن المسير، وسئمتم من المحاولة، ومللتم من التكرار، فيئستم من التغيير والإصلاح.. ما دام الأمر كذلك، فجربوا طريق السلحفاة شهرًا فقط وليس عامًا، فسترون التغيير العجيب، والإصلاح الكبير، والتطور السريع.. فاتركوا طريق الأرنب، واتخذوا طريق السلحفاة سبيلًا لكم؛ حتى تحققوا أمنياتكم، وتبلغوا آمالكم، وتصلوا إلى أهدافكم المرجوة.
(*) كاتب وباحث مصري.