مرض السعار كيف تحمي نفسك منه؟

يشهد العالم تزايدًا في الأمراض التي تسببها الفيروسات المنتقلة من الحيوانات إلى البشر، ومن أمثلتها فيروس كورونا. وسواء كان الإنسان من محبي تربية القطط أو الكلاب وغيرها من الحيوانات الأليفة، فقد يكون أكثر عرضة للإصابة ببعض الأمراض، ومن المحتمل أن يحصل على أشياء كثيرة من حيواناته الأليفة كالحب غير المشروط، والرفقة الجيدة، وتقليل التوتر، لكن يمكن أيضًا أن تنتقل العديد من الكائنات الحية الممرضة والمعدية من الحيوان الأليف إليه، ابتداء من البكتيريا إلى الفطريات إلى الطفيليات إلى الفيروسات.

إن أي مرض حيواني المنشأ، عبارة عن مرض معدٍ قفز من غير الإنسان -خاصة الحيوانات الفقارية- إلى البشر والعكس صحيح. هذه الأمراض تشمل عوامل غير تقليدية بإمكانها الانتشار بين البشر من خلال المخالطة المباشرة، أو بواسطة الغذاء أو الماء أو البيئة. وهي تمثل مشكلة كبيرة من مشاكل الصحة العمومية في جميع أنحاء العالم، بسبب علاقتنا الوثيقة بالحيوانات، سواء في مجال الزراعة أو كحيوانات رفيقة موجودة في البيئة الطبيعية. كما أن الخفافيش، تعمل كمستودعات للعديد من الفيروسات التي تصيب البشر -وقد عُرف البعض منها منذ فترة طويلة مثل فيروس داء السعار- لكن العديد منها ظهر في العقود الأخيرة، مثل الإيبولا وفيروس سارس التاجي.

لقد حذرت دراسة نشرتها المجلة العلمية “نيتشر”، من أن تغير المناخ سيدفع العديد من الحيوانات إلى الفرار من أنظمتها البيئية بحثًا عن المزيد من الأراضي الصالحة للعيش، ومن خلال الاختلاط أكثر، ستنقل الأنواع فيروساتها بشكل أكبر، ما يعزز ظهور أمراض جديدة يحتمل أن تنتقل إلى البشر. كما حذَّر فريق خبراء التنوع البيولوجي التابع للأمم المتحدة، أنه “من دون إستراتيجيات وقائية، ستظهر الأوبئة في كثير من الأحيان، وتنتشر بسرعة أكبر، وتقتل المزيد من الناس، وتؤثر على الاقتصاد العالمي بتأثير أكثر تدميرًا من أي وقت مضى”.

أما داء السعار فهو عدوى فيروسية تصيب الدماغ وتنتقل عن طريق الحيوانات، وتُسبب التهابًا في الدماغ والحبل الشوكي، وبمجرد وصول الفيروس إلى الحبل الشوكي والدماغ، يصبح السعار قاتلًا. يوجد فيروس السعار في العديد من أصناف الحيوانات البرية والداجنة في معظم أنحاء العالم. وقد تكون الحيوانات المصابة بالسعار مريضة لعدة أسابيع قبل أن تموت، وغالبًا ما تقوم بنشر المرض. قد يسبب السعار التململ أو التخليط الذهني أو الشلل، ويمكن التحري عن الفيروس من خلال خزعة للجلد لفحصها تحت المجهر.

في البلدان التي لا يجري فيها تطعيم الكلاب ضد السعار بشكل روتيني -مثل معظم بلدان أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط- تنجم معظم حالات الوفاة عن التعرض إلى العض من قِبل مصاب العدوى. وتنجم حالات قليلة عن التعرض للعض من قبل حيوانات أخرى، بما في ذلك القرود التي يحتفظ بها كحيوانات أليفة في بعض الأحيان.

القتل الرحيم

أوضحت منظمة الصحة العالمية، أن السعار هو مرض فيروسي يمكن الوقاية منه باللقاحات، وخطورته أنه يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، كما أن أكثر ضحايا هذا الداء في العالم، هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا. ويصاب الإنسان عندما يخدشه حيوان مصاب أو يعضه، وغالبًا ما يكون هذا الحيوان كلبًا. كما يمكن أن يصاب الإنسان، إذا لامس لعابُ حيوان مصاب عينَ الشخص أو أنفه أو فمه أو جرحًا مباشرًا في جلده.

ينتقل فيروس السعار من نقطة الدخول (العضَّة عادة) إلى الأعصاب ثم إلى الحبل الشوكي، ومن ثم إلى الدماغ حيث يتكاثر. من هنا ينتقل مع أعصابٍ أخرى إلى الغدد اللعابية وإلى داخل اللعاب، وبمجرد وصول الفيروس إلى الحبل الشوكي والدماغ، يصبح قاتلًا في معظم الأحيان. لذا يجري فحص عينات من اللعاب للتحري عن وجود الفيروس، ويجرى البزل القطني بالحصول على عينة من السائل النخاعي (السائل الذي يجري عبر الأنسجة التي تغطي الدماغ والحبل الشوكي).

لا يمكن للفيروس أن يمر من خلال الجلد السليم، حيث يستطيع دخول الجسم فقط من خلال ثقب أو شِقٍّ في الجلد، أو من خلال الأنف أو الفم عندما يجري استنشاق الكثير من الفطريات المحمولة بالهواء التي تحتوي على الفيروس.

أعراض السعار

أعراض السعار تبدأ بحمى وصداع وشعور عام بالمرض (التوعك). ويصبح معظم الأشخاص متململين ويعانون من التخليط الذهني والهياج غير المضبوط، وقد يكون سلوكهم غريبًا، وقد يصابون بالهلوسة ويعانون من الأرق. ويزداد إنتاج اللعاب لديهم بشكل كبير، وتحدث تشنجات في عضلات الحلق والحنجرة، لأنه يؤثر في منطقة الدماغ التي تضبط البلع والتحدث والتنفس. يمكن أن تكون التشنجات مؤلمة بشكل لا يطاق. ويمكن أن يجري تحريض التشنجات من مجرد التعرض إلى نسمة هواء أو محاولة شرب الماء، وبذلك لا يستطيع المرضى الشرب، ولذا في بعض الأحيان يسمى هذا المرض بـ”رهاب الماء” أي الخوف من الماء.

في الدول المتقدمة يستند قرار إعطاء لقاح السعار لشخصٍ عضَّه حيوان، إلى نوع الحيوان وحالته. أما بالنسبة للأشخاص الذين تعرَّضوا إلى عضِّ كلب أليف بدا سليمًا، فهذا يعني أنها لم تكن مصابة بالسعار في وقت العضة، ويمكن مراقبته لمدة 10 أيام، فإن ظهرت عند الحيوان أية أعراضٍ تشير إلى السعار، يُعطَى الأشخاص اللقاح والجلوبولين المناعي على الفور. كما يستخدَم القتل الرحيم مع الحيوانات التي تظهر لديها أعراض الداء، ويجري فحص أدمغتها للتحري عن الفيروس.

إذا لم تكن هناك إمكانية لتحديد حالة الحيوان، -بسبب هروبه مثلًا- تجري استشارة مسؤولي الصحة العامة، لتحديد مدى احتمال وجود السعار في هذه المنطقة، وما إذا كان ينبغي إعطاء اللقاح أم لا. في حال عدم وجود مسؤولين وكان السعار محتملًا، يُعطى اللقاح على الفور، وفي حالات نادرة جدًّا، إذا كان الحيوان مصابًا أو يبدو عليه ذلك، يُعطى اللقاح والجلوبولين المناعي للداء على الفور.

بالنسبة للأشخاص الذين عضتهم الثعالب، أو معظم الحيوانات آكلة اللحوم الأخرى أو الخفافيش، تعد مثل هذه الحيوانات مصابة بالسعار ما لم يكن بالإمكان فحصها حتى لو كانت النتائج سلبية، فيعطى اللقاح والجلوبولين المناعي على الفور، ولا يوصى بالانتظار لمراقبة الحيوانات البرية لمدة 10 أيام. عندما يكون ممكنًا، يستخدم القتل الرحيم مع هذه الحيوانات، ويجرى تفحص أدمغتها للتحري عن الفيروس بأسرع وقت ممكن، كما يتم إيقاف اللقاح إذا كانت نتائج اختبارات الحيوانات سلبية.

المحافل الدولية تتحد ضد المرض

نظرًا إلى أن الأشخاص قد لا يلحظون عضة الخفاش، يتم إعطاؤهم اللقاح إذا كانت العضة محتملة. فمثلاً، إذا استيقظ الشخص من نومه وكان هناك خفاش في الغرفة، فينبغي إعطاؤه اللقاح.

أما بالنسبة للأشخاص الذين تعرضوا للعض من المواشي أو القوارض الصغيرة أو القوارض الكبيرة مثل المرموط الأمريكي أو القندُس، أو الأرانب المدجنة أو البرية؛ تجرى دراسة كل حادثة عضّ على حدة، وتتم استشارة مسؤولي الصحة العامة، ولا يحتاج الأشخاص الذين تعرضوا للعض من قِبل خنازير غينيا أو اليرابيع أو السناجب أو الجرذان أو الفئران أو القوارض الصغيرة الأخرى أو الأرانب المدجنة أو الأرانب البرية، إلى استعمال لقاحٍ ضد الداء على الإطلاق في معظم الأوقات.

منتدى متحدون ضد السعار

عند التعرض لأيٍّ من تلك المخاطر، يجب على المصاب أن يتخذ عدة إجراءات سريعة، مثل:

غسل الجرح جيدًا بالماء والصابون لمدة 15 دقيقة على الأقل، وطلب المشورة الطبية بشكل فوري، والحصول على الجرعة المقررة من لقاح السعار، والحصول على الجلوبولين المناعي أو الأجسام المضادة الوحيدة النسيلة في الجرح عند الحاجة إلى ذلك.

ونظرًا لخطورة الإصابة، أكدت “الصحة العالمية”، أن هناك عددًا من الخطوات التي تسهم في الوقاية من السعار، كتطعيم الكلاب لإيقاف انتقال الفيروس، والتطعيم المسبق للأشخاص المعرضين للإصابة به، والتطعيم الطارئ لجميع الأشخاص المعرضين للإصابة. الأهم من ذلك كله، تثقيف الناس بكيفية تجنُّب عضات الكلاب، وطلب العلاج العاجل في حال التعرض لعضات الكلاب أو خدوش منها.

إن السعار مرض يمكن الوقاية منه باللقاحات، ويعد تحصين الكلاب من أكثر الإستراتيجيات الفعالة من حيث التكلفة للوقاية لدى البشر. كما يقلل تطعيم الكلاب من الوفيات التي تعزى إلى الإصابة، ويعد التثقيف بشأن سلوك الكلاب والوقاية من العض لكل من الأطفال والبالغين، امتدادًا أساسيًّا لبرنامج التطعيم ضد السعار، ويمكن أن يقلل من حدوث المرض في البشر والعبء المالي لعلاج العضات. كما يجب تطوير أنظمة لمكافحة السعار في العديد من نواقل المرض من الحيوانات البرية، مثل الذئاب والثعالب الحمراء والنمس.. بل هناك حاجة إلى إجراء بحوث مستقبلية، لتطوير طرق فعالة من حيث التكلفة وفعالية مكافحة السعار في أنواع مثل الثعالب والذئاب وابن آوى، وكذلك في النواقل غير الأرضية مثل الخفافيش.

لقد استجابت المنظمات الدولية، وتم تضمين السعار في خارطة الطريق الجديدة لمنظمة الصحة العالمية (2021-2030م)، كمرض حيواني المصدر يتطلب تنسيقًا وثيقًا عبر القطاعات على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية. وقد أعطت منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، الأولوية للسعار، وأطلقت منتدى متحدون ضد داء الكلب، وهو عبارة عن منصة لأصحاب المصلحة المتعددين.

كما تدعو المنظمة العالمية لصحة الحيوان، إلى الاستثمار في مكافحة داء السعار، وترتيب أولوياته وتنسيق الجهود العالمية للقضاء على الداء، لتحقيق صفر وفيات بشرية منه بحلول عام 2030. ويوفر التقدم في القضاء على الداء، مؤشرًا لتفعيل نظام الصحة الواحدة وتعزيز أنظمة صحة الإنسان والحيوان.

كما تعمل منظمة الصحة العالمية مع الشركاء، لتوجيه البلدان ودعمها أثناء تطويرها وتنفيذها لخططها الوطنية، للتخلص من السعار.. بالإضافة إلى الحاجة إلى رصد برامج ومراقبة المرض، لقياس التأثير، ولزيادة الوعي، والدعوة والتوسع في إنتاج لقاح للسعار، من أجل التحصين الآمن والفعال، ونشرها في جميع أنحاء العالم بغرض تحقيق صفر وفيات بشرية من داء السعار. 

(*) أستاذ ورئيس قسم جراحة العظام والتقويم سابقًا، كلية الطب بجامعة الإسكندرية / مصر.

المراجع:

(1) https://www.everydayhealth.com/

(2) “Dog Bite Prevention”, American Veterinary Medical Association, 2017.

(3) Centers for Disease Control Prevention (CDC), “Dog-bite-related fatalities–United States”, Morbidity and Mortality Weekly Report.