الهشاشة النّفسيّة أزمة الإنسان العصريّة

الهشاشة النّفسيّة: هي نوع من أنواع الاضطراب النّفسيّ، وحالة من الحساسيّة والرّقّة المبالغ فيها، مع سرعة الانهزام والانكسار في مواجهة التحدّيات الاجتماعية المختلفة، وهي عكس المرونة النّفسيّة التي تساعد الشّخص على تخطّي العقبات، وبالتّالي فإنّ الشّعور بالهشاشة النّفسيّة يجعل الفرد يعتقد أن المشاكل التي يواجهها هي أكبر من قدرته على التّحمل، وبالمحصّلة يغرّق الفرد بالأفكار والمشاعر السّلبيّة والأزمات النّفسيّة المتعاقبة، فيبقى رهين الخوف والضّغط النّفسي.

أعراض الهشاشة النّفسيّة:

ومن الأعراض التي تدلّ على هشاشة الفرد النّفسيّة هي: أن يشعر الفرد بالإنهاك النّفسيّ والتّحطّم الرّوحيّ، وفقدان القدرة على المقاومة تمامًا وبأنّه أقلّ شأنًا من الآخرين، ويلوم نفسه على كلّ الأخطاء حتّى وإن كانت لا تخصّه، مع ارتفاع نسبة القلق والانفعال والتّوتر لديه، فيبكي بسهولة ولأسباب بسيطة جدًّا، مع ضعف الثّقة بالنّفس وعدم قدرته على القيام بواجباته المتعدّدة وحاجته الدّائمة إلى دعم شخص آخر له، والشّعور بالإرهاق بسبب المشكلات أو الخلافات البسيطة، مع وجود مشاكل مستمرّة في حياته الاجتماعيّة وعدم القدرة على التّعامل مع الإحباط والفشل، والشّعور الدائم بالفراغ مع انخفاض في مستويات الطّاقة والكآبة المستمرّة…

أسباب تفشّي الهشاشة النّفسيّة:

ومن أهمّ أسباب تفشّي الهشاشة النّفسيّة هي: التّربيّة الأُسريّة من خلال الإهمال المفرط لتربية الأبناء أو الدّلال المبالغ فيه بلا حدود أو ضوابط، والحديث الدّائم عن مصاعب الحياة والأزمات الصّحيّة والمتاعب المهنيّة والاقتصاديّة والدّخول في المشاكل العائليّة أو العاطفيّة أمام الأطفال، كذلك فإنّ بعض الأسر يبخلون على صغارهم بالدّعم العاطفيّ والتّقليل من إنجازات الأولاد وعدم مراعاة مشاعرهم، ممّا يؤدّي إلى حدوث أثر سلبيّ كبير على صحّة أطفالهم النّفسيّة، فتترسّخ لديهم بعض الأفكار الخاطئة، مع سهولة الانسياق وراء آراء الآخرين.

حقيقة لا بدّ من معرفة أنّ الإنسان ينفرد منذ صغره بتفاعله مع أسرته الصّغيرة ثم عائلته الكبيرة ومجتمعه في رحلة عُمريّة تتجدّد فيها العلاقات وتنفصم فيها بعض الرّوابط وتتشكّل أخرى، فهو يتأثّر بما يحصل في محيطه البيئيّ من المنزل إلى المدرسة إلى الجامعة وصولاً للعمل، ويترتّب على هذه التّفاعلات مواقف تؤثّر في نفسيّة الفرد وتعدّ محطات نفسيّة تتراوح فيها معنويّات الفرد بين هبوط وصعود، أفراح وأتراح، وبتكرار هذه التفاعلات السّلبيّة لدى أصحاب الهشاشة النّفسيّة، تتهدّم الرّوابط والأواصر ويدخل الفرد في دائرة مغلقة من الانكسار والضّعف وفقدان الثّقة بالنّفس والآخرين…

عوامل الوقاية من الهشاشة النّفسيّة:

ومن العوامل المهمّة في الوقاية من الهشاشة النّفسيّة هي: أن يشعر الإنسان بالسّعادة رغم الألم وأن يمنح نفسه القدرة والقوّة والصّلابة النّفسيّة ولا يربط سعادته بشخص آخر، وأن يسعى دائمًا لتحقيق هدف في هذه الحياة وعليه أن يعتقد أنّه بإمكانه الوصول إلى هدفه متجاوزًا كلّ العوائق من خلال: ترشيد الموارد وتوظيف المهارات وتعزيز وإظهار المواهب الكامنة، والتّحلي بالصّبر والمصابرة والصّمود النّفسيّ والإيجابيّة وتحمل المسؤوليّة، والحرص كلّ الحرص على التّغذية الرّوحيّة من خلال العمل بكتاب الله وسنّة نبيه صلّى الله عليه وسلّم ولا بدّ من تشجيع الفرد بكافّة الطّرق المعنويّة والحسيّة؛ لأن ذلك يساهم في الكشف عن مواهبه وطاقاته الكامنة ويزيد من استمراريّة العمل الطّيب وتخليصه من الهشاشة النفسيّة ، ومن المهمّ مدح الأطفال والثّناء على تصرّفاتهم الطيبة، فتزهو أرواحهم بهذا الثناء، ويتابعوا العمل بنشاط، وقد أثّر مدح النّبي عليه الصّلاة والسّلام في عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث قال له النبي ﷺ: (نعم الرّجل عبد الله لو كان يُصلي من اللّيل) فكان عبد الله بَعد ذلك لا ينام من الليل إلّا قليلاً . محمّد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، رقم الحديث: (1070).

ولا بدّ للتغلب على الهشاشة النّفسيّة من المواجهة الإيجابيّة بالحديث مع الفرد عما يؤلمه ويعرضه، وفي الحقيقة فإنّ الشّريعة الإسلاميّة مليئة بالتّوجيهات والحكم لبيان كيفيّة التّعامل مع الأشخاص ومنحهم الطّاقة الإيجابيّة، وقد صحّ “أنّ فتى أتى النّبي ﷺ فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزّنا، فأقبل القوم عليه، فزجروه، قالوا:‏ مه ‏مه، فقال(ادنه)، فدنا منه قريبًا قال: فجلس، قال:(أتحبّه لأمّك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا النّاس يحبّونه ‏ ‏لأمّهاتهم) قال: (أفتحبّه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: (ولا النّاس يحبّونه لبناتهم) قال: (أفتحبّه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك.  قال: (ولا النّاس يحبّونه لأخواتهم) قال: (أفتحبّه لعمتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: (ولا النّاس يحبّونه لعمّاتهم) قال: (أفتحبّه لخالتك قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: (ولا النّاس يحبّونه لخالاتهم)، قال: فوضع يده عليه، وقال: (اللّهمّ اغفر ذنبه وطهرّ قلبه وحصّن فرجه)، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء” مسند أحمد، رقم الحديث:( 22112).

وهكذا فإن قوّة الأصل الإسلاميّ تتجلى في مساعدة الفرد على الوصول إلى حكم صائب، وبالتّالي منحه الطّاقة الإيجابيّة وتعزيز ثقته بنفسه والوصول به إلى برّ الأمان، وإنّ التّربية الأسريّة تحتاج إلى إتعاب النّفس وبذل الجهد والعمل الدّؤوب في إصلاح الأطفال وحسن تربيتهم، فصنعة الإنسان غالية، إنّها صنعة الأنبياء، ولقد قرّر الغزاليّ -رحمه الله- في رسالته أيّها الولد ذلك فقال: “إنّ معنى التربية يشبه عمل الفلاح الذي يقلع الشّوك ويخرج النّباتات الأجنبيّة من بين الزّرع؛ ليحسن نباته ويكمل ريعه…” محمّد بن محمّد الغزالي، رسالة أيها الولد، الصفحة: 108.

وبالنّتيجة: فإنّ الطّفل الّذي يتلقّى رعاية وتربية أخلاقيّة سليمة في بيئته المنزليّة، سيكون أكثر قوّة في مقاومة الأمراض الاجتماعيّة المنتشرة في المجتمع، وسيكون محصّنًا من الضّعف والانكسار والهشاشة النّفسيّة.