متلازمة آسبرجر داء المشاهير والعباقرة

كشف رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك أثناء ظهوره في البرنامج الكوميدي الأمريكي “ساترداي نايت لايف” (أس أن أل) في أحد حلقات البرنامج في مايو عام (2021) عن إصابته بمتلازمة آسبرجر، مثله في ذلك مثل ناشطة البيئة السويدية غريتا ثانبيرغ التي رشحت لجائزة نوبل للسلام مرتين، والعالمة الأميركية تيمبيل غرانديني، التي نشرت 60 بحثًا عن سلوكيات الحيوانات، أما أنتوني هوبكنز النجم العالمي الحاصل على الأوسكار، فأعلن أنه لم يكتشف إصابته بمتلازمة “آسبرجر” إلا بعد أن أصبح كهلاً في الـ 70.فضلاً عن عشرات الأسماء الأخرى من المشاهير والعباقرة في كل المجالات  ومنهم  بيل غيتس، وإسحاق نيوتين، وألبرت اينشتاين، وتوماس أديسون، ونيكولا تيسلا، وأدولف هتلير، نابليون بونابرت، وغراهام بيل، وجورج واشنطون، وهانز اسبيرجر (بنفسهِ)، وليوناردو دا فينشي، ومايكل انجلو، وشكسبير، وبيتهوفين وغيرهم كثيرون كما تم تجسيد هذا المرض في الفيلم العالمي “اسمي خان My name is Khan” للممثل العالمي شاروخان. فما هي تلك المتلازمة؟ وما أسبابها ومظاهرها وعلاجها، وهذا ما ستتناوله السطور الآتية.

ما هي متلازمة آسبرجر؟

تعد متلازمة أحد الاضطرابات النمائية الشاملة التي تصيب الأطفال في مراحل عمرية متقدمة، وتحدث نتيجة اضطراب في الجهاز العصبي، حيث تؤثر سلبًا على وظائف المخ في الطريقة التي يتم من خلالها جمع المعلومات ومعالجتها بواسطة الدماغ، مما يسبب خللًا أو عجزًا في التفاعل الاجتماعي واللغة والتواصل غير اللفظي.

وتنسب هذه المتلازمة للطبيب النمساوي هانز آسبرجر Hans Asperger الذي اكتشفها عام (1944م)، وصنفها على أنها احد اضطرابات الشخصية، وأنها تتشابه في أعراضها مع اضطراب التوحد الذي وصفه الطبيب الأمريكي ليو كانر عام 1943م. وقد أطلق الطبيب آسبرجر على الأفراد الذين يعانون هذه المتلازمة اسم الجائحين ذوي التوحد. كما أشار إلى أن هذه المتلازمة تصيب الكبار أيضًا، وأشار إلى أنها جزء من تكوين الفرد نتيجة عوامل الوراثة.

وتعد الطبيبة الإنجليزية لورنا وينج Lorna Wing أول من أطلق مصطلح متلازمة آسبرجر عام 1981م عندما نشرت دراساتها على بعض الحالات معتمدة على دراسة هانز آسبرجر عام 1944م، وكان يطلق على الحالات التي تعاني من هذا الاضطراب “توحد البالغين” لظهور أعراضها في سن متأخرة، وخلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين مصطلح الشخصية الفصامية Schizoid Personality، كما أطلق عليها في البداية اسم السيكوباتية الذاتوية Autistic Psychopath، وقد صنفتها منظمة الصحة العالمة كاضطراب مستقل ضمن إعاقات النمو البشري في الدليل العاشر لتصنيف الأمراض الخاص بالمنظمة لعام 1994م. وقد أدرجت متلازمة آسبرجر ضمن متلازمة طيف التوحد “إيه إس دي” (ASD) بداية من عام (2013م)، وهذا التقلب في تصنيف متلازمة آسبرجر أدى إلى قصور برامج التعامل معها علاجيًّا لفترة طويلة.

أعراضها:

تبدأ متلازمة آسبرجر في مراحل مبكرة من العمر تتراوح بين فترة الرضاعة وفترة الطفولة المبكرة، وقد يتأخر اكتشافها أحيانًا حتى البلوغ، وتتعدد الأعراض المميزة لمتلازمة آسبرجر، وتختلف من حالة إلى أخرى، لكن أبرز ما يميزها العجز الشديد في التواصل الاجتماعي، وقد لا تظهر جميعها أو معظمها لدى الفرد الواحد، ويتميز أصحابها عادة بالذكاء الحاد، وبالتالي فهي قد ترافق كبار العلماء الذي يقدمون للبشرية إنجازات ضخمة، مما يصعب اكتشافها في مراحل مبكرة، وهذا ما جعل الممثل العالمي “أنتوني هوبكنز” يصرح بأنه اكتشف إصابته بالمتلازمة عند سن السبعين.

أما إيلون ماسك الملياردير الأمريكي الشهير فقد أكد أنه أحيانًا يقول أو يكتب أشياء غريبة، لكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقله، ولعل آراءه الغريبة وطريقته غير الاعتيادية هي التي جعلته محط اهتمام الإعلام الأميركي بل والعالمي الذي لم يكتفِ بسؤاله عن شركة “تسلا” (Tesla) للسيارات الكهربائية التي أسسها، ولا عن صفقة شراء “تويتر” (Twitter)، أو عن تصريحه برغبته في شراء “كوكا كولا” (Coca-Cola) وإعادة الكوكايين إليها، إنما سلط الضوء على آرائه عن موضوعات لا تتصل بتخصصه كالكائنات الفضائية وبناء الأهرامات.

ويجد المصاب بمتلازمة آسبرجر صعوبة في الأداء على المستوى الاجتماعي وفي التكيّف مع الحالات الشعورية المختلفة، ويتميّز بأنماط سلوكية غير شائعة أو استخدام لغة غير نمطية في الحديث، وقد يوصف المصاب بآسبرجر بأنه نشيط لكنه غريب، أو لطيف لكنه انطوائي، أو ذكي ودقيق الملاحظة لكنه مهووس، أو لا يستطيع التعبير عن ذاته.

وتظهر أبرز الأعراض السلوكية لمتلازمة آسبرجر في اللغة والكلام، فهناك صعوبات في استخدام الضمائر، وفي تكوين الجمل، وفي فهم مضمون الكلام المسموع والمقروء، ولغة لفظية تتسم بالرتابة والتكرار الممل، والتكلف والسطحية، وبعض الصفات الصوتية في الكلام مثل المط والتطويل في نطق الألفاظ، والتفوه ببعض العبارات غير الواضحة، وغير المتناسقة، كما يشيع لدى المصابين بآسبرجر كثرة الكلام بحماس حول موضوعات ليست لها أهمية، وانتقالهم من حديث لآخر دون اعتبار لمتابعة الآخرين لحديثهم، ولا ينتظرون سماع تعليقات الآخرين.

وعلى أية حال، يجمع المتخصصون على أن الأعراض الأكثر انتشارًا للمتلازمة تشمل:

  1. صعوبة تكوين الصداقات: يجد المصابون بمتلازمة آسبرجر صعوبات جمة في تكوين الصداقات، وقد لا يستطيعون التواصل مع أقرانهم بسبب افتقادهم للمهارات الاجتماعية اللازمة للتعامل مع الآخرين ومهارات التكيف الضرورية للاشتراك في العمل الجماعي أو للانخراط في المجموعات، ويريد الشخص المصاب بآسبرجر في أعماقه التواصل والانخراط في المجموعة رغم أنه لا يستطيع ذلك.
  2. الصمت الانتقائي: يظهر لدى المصابين بآسبرجر فيقصرون حديثهم مع من يرتاحون له، وقد يتجنبون الحديث مع الغرباء مطلقًا أو قد يتنحون جانبًا في المجموعات ويكتفون بالابتسامة أو يلهون أنفسهم بعمل أشياء أخرى، ويحدث الصمت الانتقائي في الأماكن العامة وفي المجموعات الجديدة أو عند دخول أفراد جدد إلى المجموعة التي يجلس فيها الشخص المصاب.
  3. القلق الاجتماعي: يجد المصابون بمتلازمة آسبرجر صعوبة في تفسير تعابير الوجوه أو فهم المشاعر والعواطف وردود الأفعال وهذا يؤدي إلى قلق اجتماعي من شأنه أن يسبب صعوبة في اختيار العبارات الصحيحة أو ردود الفعل الصحيحة لبعض المواقف فيختار المصاب بآسبرجر الانطواء والحياد.
  4. صعوبة الاتصال البصري أو الاحتياج الشديد له: هنا يقع المصاب بمتلازمة آسبرجر على طرفي نقيض، فقد يجد صعوبة شديدة في الاتصال البصري أو الحفاظ عليه، وقد يشعر بانزعاج شديد وقلق في حال لم يتمكن المتحدث إليه من إجراء الاتصال البصري. وقد تظهر هذه الأعراض للآخرين على أنها عدم ثقة بالنفس، لكنها في الحقيقة ناجمة عن حاجة المصاب بآسبرجر للتوكيد الفعلي على ذاته وعلى أن الشخص الذي يتحدث إليه متاح له تمامًا.
  5. التركيز الشديد على اهتمامات محددة: تكون لدى المصابين بمتلازمة آسبرجر اهتمامات محددة وواضحة يركزون عليها لأنها تدفع عقولهم للتركيز وتخلصهم من حالة التشتت والقلق الاجتماعي فتبث فيهم شعورًا بالراحة، وهذه الاهتمامات تتركز عادة في نشاطات فردية كالرسم أو الكتابة أو النحت أو التكنولوجيا، وتكون مصدر راحة كبير إذا لاقت نجاحًا، إلا أنها تسبب الفجيعة والكرب إن فشلت أو إن أجبروا على تركها.
  6. البحث عن الأنماط والتماثل: يتميز المصابون بمتلازمة آسبرجر بالقدرة على فهم الأنماط وملاحظتها، فتحاول عقولهم دائمًا إيجاد نمط أو حالة من التماثل يستكينون لها في محاولة للبحث عن الراحة، حيث يقومون بترتيب أغراضهم في خطوط مستقيمة أو بحسب الألوان أو أي نمط آخر يرتاحون له بصريًّا ونفسيًّا. ويعد ذلك تحديًا وموهبة في الوقت ذاته، فنجد أن المصاب بآسبرجر يتميز في الرياضيات والفيزياء والقدرة على التحليل ورصد الظواهر والسمات المشتركة، فهي موهبة جديرة بالتنمية لأن المصاب يحاول إيجاد معنى للأشياء والظواهر، مما يدفعه للتميز.
  7. الالتزام بالروتين: يضع المصاب بآسبرجر لنفسه روتينًا معينًا يجد فيه نظامًا للدعم ومصدرًا للراحة، فاتباع جدول صارم نوعًا ما يعالج مشكلة القلق والإرباك التي يعاني منها المصاب الذي يشعر بضغط كبير إذا حصل أي تغيير على الروتين أو يفزع في حال تم تعريضه لموقف جديد.

العلاج:

لا يوجد حتى الآن علاجات مؤكدة لمتلازمة آسبرجر، لأن مسبباتها لا زالت غير معروفة، وتنوع التفسيرات لها، لكن علاجها بشكل عام يجمع بين العلاج الدوائي والسلوكي والوظيفي، ويهدف العلاج بصورة عامة إلى تخفيف الأعراض، والتقليل من حدتها.

ويركز العلاج السلوكي على معالجة العجز في مهارات التواصل، والأفعال الروتينية المتكررة والمهارات الجسدية، ومن أساليب العلاج الحديثة استخدام تمرين المرآة لتدريب الشخص بالوقوف أمام المرآة وإعادة المحادثات التي لم يستطع المشاركة فيها، أيضًا تمارين التنفس والاسترخاء عن طريق إغماض العينين والتنفس العميق قبل الذهاب إلى أي لقاء اجتماعي لمدة خمس دقائق، ويمكن للمريض الذهاب إلى مكان يجد فيه الخصوصية، ويكرر التمرين إذا شعر بالإجهاد أو القلق أثناء اللقاء، وكذلك تستخدم التمارين الحسية الحركية وذلك بتركيب المجسمات، واستخدام الألعاب المختلفة أو اللعب بقطع المكعبات، والعلاج بالرسم والتلوين، والمعروف بفن المانديلا، أو حل بعض المسائل الرياضية والمعادلات مما يعطي الشعور بالراحة، وكذلك العلاج الجسدي والرياضي من خلال ممارسة الرياضة مما يقلل التوتر، ويضيف حالة من الثقة للمريض.

أما العلاج الدوائي فيعتمد على استخدام العلاج بالهرمونات، وذلك لتحسين مهارات التواصل، والتفاعل الاجتماعي لدى المصابين بمتلازمة آسبرجر، ومن أشهر أمثلة هذه الهرمونات هرمون الفاسوبريسين Vasopressin وهو هرمون يعمل على تعزيز عمل النواقل العصبية، مما يساعد بدوره الخلايا العصبية، والناقلات العصبية في الدماغ ويحفزها على التوصل مع بعضها البعض، ومن ثم يزيد مهارات التواصل الاجتماعي بين الإنسان وبيئته المحيطة. وهرمون الأوكسيتوسين Oxytocin والذي لاحظت الدراسات انخفاض مستوياته في المصابين بالتوحد، وتأثير هذا الهرمون على توليد الشعور بالثقة، وقد أشارت الدراسات إلى أن هذا الهرمون يقلل من المخاوف الاجتماعية، ويحث على التفاؤل، ويزيد من احترام الذات، ويبني الثقة. وهرمون السيروتونين والذي يطلق عليه هرمون السعادة، وهو مسؤول عن نقل الإشارات العصبية بين الخلايا العصبية وإنتاج الاستجابات المختلفة، ويؤثر هذا الهرمون في الشعور بمزيد من النشاط والطاقة، ويزيد من الإيجابية والاسترخاء.

المراجع

الموقع الرسمي لقناة بي بي سي عربي (2021). متلازمة آسبرجر، https://www.bbc.com

نجلاء محمد سويف (2023). متلازمة آسبرجر.. الأعراض وبروتوكولات العلاج، مجلة العربي، العدد (769)، ص 138.

نداء عوينة (2021). متلازمة آسبرجر.. ما هي؟، موقع ويب طب، https://www.webteb.com/، تم الرجوع في 4/2/2023.