عيوب الأطفال الخلقية كيف نعزز ثقتهم بأنفسهم؟

مفاجأة الولادة تضع الأسرة أمام مفترق طرق، فربما تحكم مسبقًا على طفلها الذي جاء مشوَّهًا بأن حياته تعيسة وفاشلة، مع العلم أن من أشهر عباقرة العالم كانوا في حالة تشوهات وإعاقات مختلفة.. وليس شرطًا أن يخلق الطفل مشوَّهًا، فقد يأتي سليمًا، ولكن ربما يتعرَّض للتشوه لأسباب عدة؛ كحادث سيارة -مثلاً- أو حريق أو ما شابه ذلك.. وخير مثال الشابُّ القطري “غانم المفتاح” الذي ظهر في افتتاح كأس العالم في قطر. وكذلك نجد عددًا من الفنانين التشكليين العرب قد عانوا من تشوهات وإعاقات مختلفة، ومع ذلك برعوا في مجال الرسم والنحت والحفر على النحاس المعدني (طرق النحاس بالسكراب). ولا يغيب عن الذاكرة عازف البُزُق السوري “محمد عبد الكريم” الذي لُقِّب بـ”أمير البزق”، والأمثلة كثيرة جدًّا. لذلك وجدنا من المستحسن طرق هذا الموضوع بشكل علمي وخاصة من الناحية النفسية، علّنا نفتح باب الأمل الذي يؤدي إلى طريق النور والسعادة.

العيوب الخلقية من حيث التعريف

هي العيوب التي تسمى الشذوذ الخلقي أيضًا، وهي تشوهات جسدية تحدث قبل ولادة الطفل، وتكون واضحة عادة خلال العام الأول من العمر. وغالبًا ما تكون الأسباب مجهولة في العديد من التشوهات الخلقية، علمًا أنه في بعض الحالات من تعرض الأم للتصوير من خلال الأمواج فوق الصوتية، تزيد نسبة التشوهات عند الجنين، وقد تتسبب بتلف دماغه. ومن المحتمل أن يغيب عن ذهنها أنه يجب عليها تناول لحم صدر الدجاج تحديدًا، فمن شأنه أن يمتص تلك الأمواج التي دخلت جسمها. وهذا ينطبق على كل حالات التصوير بالأشعة وليس على الأم فحسب، بل على كل الأشخاص الذين يخضعون للتصوير الشعاعي.

تداعيات التشوه عند الأطفال

إن وجود أية حالة من حالات التشوه في جسد الطفل، يترك أثرًا سلبيًّا بالغًا على وضعه النفسي، فلا يمكن له أن يتجاهله، حتى إنه قد يمتد إلى سنوات طويلة، ومن الممكن أن يرافقه إلى آخر مراحل حياته، مما يؤدي إلى تدنّي الثقة بالذات والشعور بالنقص والخيبة، وخاصة في مرحلة تكوين الشخصية.

وأول خطوة في التعامل مع الحالة، هي الخروج من الصدمة التي وقعت فيها الأم إثر رؤيتها مولودها غير الطبيعي، فيجب تقبل المشكلة والتعامل معها بحكمة، ثم بعد ذلك ريثما يكبر الطفل قليلاً، يجب على الوالدين أن يعززا ثقة الطفل بنفسه، وبأن هذا التشوه لا ينتقص منه، وما يملكه من مواهب يجعله أكثر قوة في مواجهة المواقف الصعبة. وإن عدم التمكن من تجاوز الصدمة يتسبب في حدوث الاكتئاب، ويمكن أن ينشأ شعور الكره للطفل في كثير من الحالات. ويجب الاهتمام بدعم مواهب الطفل، وتشجيعه على الاستمرار، وإثبات الذات، أي جعل موضوع التشوه أقل أهمية بالنسبة لحياته.

أما فيما يتعلق بالأم، فيمكن لها وقاية جنينها من العيوب الخلقية عن طريق التغذية الجيدة، والابتعاد عن تناول الكحول، وتجنب الأشعة والأدوية والتدخين.. كما يمثل عمر الأم، الجانب الخطر فيما يخص النمو الشاذ للأجنة، فتقدم العمر يزيد من مخاطر التشوهات الصبغية، كما يمكن تصحيح بعض العيوب الخلقية عن طريق الجراحة، أو معالجتها بالأدوية.

دخول الأطفال المشوهين المدرسة

من الضروري تهيئة الطفل المختلف شكليًّا من الناحية النفسية، لمواجهة أسئلة الفضوليين والمتطفلين على وضعه في الشارع أو المدرسة؛ فيتعرض إلى الإحراج والخجل، مما يشعره بالنقص والإهانة، وخاصة عند مواجهته بنظرات الاستغراب أو التنمر، وذلك بتمرين الطفل على كيفية المواجهة من دون أن يشعر بالضعف أو عدم القيمة.

إذن كيف نعزز ثقة الطفل المختلف من الناحية النفسية، لتقلي تعليقات الآخرين المزعجة؟

تقوم الأسرة بتشجيع الطفل غير السليم شكليًّا على أن يكون لديه أصدقاء كي يتجنب الوحدة، وألاّ ينعزل عن الناس. ومن الضروري أن تتاح له فرص المشاركة في العديد من النشاطات داخل البيت، مما يعزز الثقة بنفسه، ويشعره بأهميته وبأنه محبوب من قبل الآخرين.

يجب شد انتباه الطفل إلى ضرورة مواجهة الشخص الذي يحاول إزعاجه، وتدريبه قدر الإمكان على تعزيز هذه الفكرة، فيمكن أن يقول له وهو ينظر إليه بثقة وبهدوء واحترام ودون خوف: إنني آخذ علاجًا لحالتي، وسوف أشفى، وهذا أمر لا يشغلني، فدراستي هي من أولويات حياتي ولا مشكلة لدي. كما يمكن لفت انتباهه إلى عدم الاسترسال في الحديث عن حالته، وذلك بتغيير الحديث نحو موضوع آخر.

من المهم أن تقوم الأسرة بتربية أولادها على احترام الآخرين، ومراعاة الأشخاص الذين لديهم تشوهات أو إعاقات، وذلك باحترامهم وعدم الاستهزاء والانتقاص من شأنهم، وهذا ينطبق على الإدارة المدرسية في لفت الاهتمام نحو هذا الموضوع. كما يجب توعية الطفل بأن يحكي للأهل أو معلميه عما يحدث معه من مشاكل في هذا الصدد، مما يجنبه عملية الكبت النفسي. كذلك تعليمه كيفية الدفاع عن نفسه، ومواجهة التنمّر بشكل محترم دون خوف. وعندما يرى الشخص المعتدي أن ذلك الطفل لديه من يدافع عنه، فسوف يتراجع عن إيذائه، وبالتالي سيحسب ألف حساب قبل أن يتصرف معه بسوء، وقد يتراجع عن فكرة التنمر نهائيًّا.

دور الأسرة في التعامل مع الطفل المختلف شكليًّا

لفت انتباه الطفل ومصارحته بأنه ليس مذنبًا لأنه خُلق هكذا، هو فقط مختلف عن الآخرين، ولديه أفكار جميلة ومواهب يمكن تنميتها.. ويكون هذا الكلام بأسلوب يناسب عمر الطفل، وبث الأمل والتفاؤل في نفسه وطمأنته، وأنه ليس الوحيد الذي يعاني من مشاكل صحية، وهذا مهم جدًّا لتقويته، لأنه في حال شعوره بعدم القيمة، قد يُطوّر حالة الشعور بالانكسار، وبأنه أقل شأنًا من غيره.. والأخطر من ذلك قد يشعر بالذنب وأنه يستحق كل هذا وهي مرحلة خطيرة، ربما تأتي بعواقب وخيمة قد تصل إلى الاكتئاب وأذية الذات أو الانتحار. ومن المهم زيارة الطبيب النفسي لإعطاء الطفل جلسات من الدعم النفسي، لمساعدته على تجاوز مشكلته بقوة وصلابة، ومتابعة التطورات التي تحدث لديه.

ما إن يصبح الطفل في عمر مناسب لدخول المدرسة، حتى يصبح بحاجة إلى توعية نفسية تمكنه من التعامل مع الآخرين بصورة تحميه من أسئلتهم المحرجة ونظراتهم الغريبة. وهنا يكمن دور الأهل في توعيته، وذلك بإفهامه العالم الخارجي، وأن يتوقع مسبقًا ما سوف يُسأل عنه أو يتعرض له. من هنا يجب توجيهه وتعليمه بعض الإجابات الحاضرة، لمواجهة الآخرين عند سؤالهم إياه عن تشوهه أو إعاقته، إضافة إلى تعليمه بعض السلوكيات أيضًا، وخاصة الهدوء الذي يساعد على التخلص من استفزازات الآخرين. ومن الضروري زرع القيم في النفوس، وتعزيز التربية الأخلاقية الصحيحة التي من شأنها أن ترسم طريقًا إيجابيًّا نحو تجاوز المشكلات النفسية. هذا بالإضافة إلى تعزيز المواهب والأهداف التي من شأنها إبعاد الشخص المشوَّه عن مشكلاته، وتوجيهه نحو طموحاته لتحقيقها.

الصحة النفسية عند الطفل المختلف جسديًّا والغذاء

من المعروف أن الطفل المشوه يكون شديد الحساسية وكثير الحزن، هذا ما يؤثر سلبًا على تناوله الطعام، ويجعل صحته الجسدية في تراجع شبه دائم، مما يجعل شهيته للطعام قليلة، وخاصة عندما يسمع من الناس بعض العبارات المزعجة حول مشكلته.. في هذه الحالة، يمكن استخدام أدوات من ملاعق وصحون جميلة وملونة تلفت انتباهه، وتجعله يستعملها وبالتالي يطلب تناول الطعام، إضافة إلى تقديم طعام فيه ألوان جذابة للطفل، وتكون مزينة بطرق لافتة مثيرة للشهية، على ألا تحتوي على ملونات صناعية ضارة بالصحة.. وكذلك الاهتمام بتزيين المائدة بشكل عام، أضف أيضًا تشجيع الطفل على تناول الطعام، وإغرائه ببعض المكافآت في حال تناوله كما يجب.

ومن الضروري مشاركة الطفل الطعام والاستماع للموسيقى الهادئة. ومن المستحسن تغيير أماكن تناول الطعام، فمرة في حديقة المنزل وأخرى على الشرفة، ومرة في المطبخ.. فكسر الروتين يجعل الطفل في حالة نفسية جيدة.

من الصعب إذن، الحكم على الطفل المختلف جسديًّا -وخاصة منذ الولادة- بأنه لن تتوفر له فرص حياة ناجحة آمنة، فقد يفاجئ من حوله بما يملك من قدرات ومواهب، وخاصة إذا توفرت له الظروف لتطويرها والعمل عليها إلى حد التميز. من هنا يجب علينا الاهتمام بالطفل مهما كان وضعه الجسدي، وبث الثقة بنفسه وحثه على تجاوز الصعوبات، حتى يصل إلى غايته المرجوة.

 

(*) كاتبة وصحفية سورية.