موقع الفيتامينات في المنظومة الغذائية

الفيتامينات مجموعة مستقلة من المواد العضوية، يحتاج إليها الإنسان كجزء غذائي مُكمِّل للبروتينات والدهون والمواد الكربوهيدراتية والأملاح المعدنية إضافة إلى الماء. ويؤدي نقص هذه الفيتامينات في الجسم إلى ظهور أعراض مرَضيّة. واحتياج الإنسان إلى الفيتامينات -من وجهة الكمية- ضئيل ولكنه مهم جدًّا للنمو، وتجديد خلايا الجسم، والوقاية من الأمراض المختلفة، فضلاً عن تعزيز وظائف الجهاز المناعي وتقويته.

في إندونيسيا، تمكَّن طبيب هولندي اسمه “كريستيان إيكمن” بمحض الصدفة، من الكشف عن ماهية الفيتامينات لأول مرة؛ فقد كان يدرس لدرجة الدكتوراه في علم وظائف الأعضاء، وكانت الدراسة بعنوان “حول استقطاب الأعصاب”، وكانت حيوانات تجاربه هي الدجاج. ولنقص ميزانية البحث العلمي في ذلك الوقت، كان “إيكمن” يغذي دجاجه بفضلات طعام رخيصة كانت في معظمها الأرز المضروب (أيْ الخالي من القشر)، فمَرِض الدجاجُ بمرض أشبه بمرض “بري بري” (Beriberi)، الذي انتشر في أواخر القرن التاسع عشر وأدى إلى وفاة الكثير من البشر. فخطر على “إيكمن” أن يغذي دجاجه بأرز طبيعي غير مضروب فشُفِي الدجاج. وليتأكد من هذه النتيجة قام “إيكمن” باستخلاص المواد من قشر الأرز مباشرة، وعالج بهذا المستخلص الدجاجَ المصاب فشُفِي أيضًا. ونشر بحثه هذا في مقال علمي ظل مدة طويلة في مكتبة مدينة “أترخت” الهولندية دون اهتمام؛ بسبب الموجة العلمية التي انتشرت آنذاك من أن الأمراض تسببها الميكروبات، وهي النتيجة التي توصل إليها العالم الفرنسي الشهير “باستير”.

وعلى الرغم من أهمية كشف “باستير” في مجمله، إلا أن ثمة حقيقة أخرى كانت في طريقها للإعلان والرسوخ، هي أنه ليس كل الأمراض تسببها الميكروبات؛ فنقص بعض العناصر الغذائية يمكن أن يتسبب عنه أمراض، ومنها هذا المرض الذي كشف عنه “إيكمن” وهو الـ”بري بري”. وقد تأكد أن علاجه عن طريق فيتامين ب1، أحد أعضاء فيتامينات ب المركبة. والجدير بالذكر أن “إيكمن” قد اقتسم جائزة “نوبل” في الفسيولوجيا والطب قبل رحيله بعام واحد سنة 1929م، مع العالم الإنجليزي “جولاند هوبكنز” لقاء هذا الكشف المهم.

وقد بدأت الدراسات العلمية للتغذية في القرن التاسع عشر، وذلك بفضل تطور علم الكيمياء الحيوية، وقد حُللت كثير من الأطعمة، ووُجِد أنها تحتوي على البروتينات والنشويات والمواد الدهنية، إضافة إلى الأملاح المعدنية والماء. ولكن في سنة 1912م قدّم عالم بريطاني يُدعى “فردريك جولاند هوبكنز” إلى جرذان التجارب (Rats) خليطًا من الطعام، يتألف من مواد نقية من البروتين والدهون والمواد النشوية والأملاح المعدنية والماء. فوجد أن الجرذان لا تنمو كما ينبغي بشكل طبيعي، أما الجرذان الأخرى التي تغذت على الغذاء نفسه إضافة إلى قليل من الخميرة أو اللبن، فقد نمت بشكل طبيعي. استنتج “هوبكنز” من ذلك، أن الخميرة واللبن يحتويان على بعض العناصر الهامة التي خلا منها الطعام النقي، وقد سَمَّى هذه العناصر بالفيتامينات (Vita = Life)، وذلك لأنها ضرورية لحياة خالية من الأمراض، ولكنه لم يكن يعرف حتى ذلك الوقت ماهية هذه الفيتامينات.

يستهلك الإنسان يوميًّا في المتوسط حوالي 500 جرامًا (مقدرة بالوزن الجاف) من المواد الغذائية الرئيسية، بينما يحتاج من عوامل التغذية الإضافية -كالفيتامينات- من 0.1 إلى 0.2جرام فقط، وعلى ذلك، فإن الفيتامينات تقوم بوظائف حفزية في الجسم، أي لا تزود الجسم بالطاقة بشكل مباشر، ولكنها تساعد على استخلاص الطاقة من المواد الغذائية. وتعتبر الفيتامينات في كثير من الأحيان، مكونات لعوامل الحفز البيولوجية المتخصصة، كالإنزيمات والمكونات الضرورية لها.

هذا ويُرمز عادة إلى الفيتامينات المختلفة برموز مستمدة من الحروف الأبجدية للغة، مثل فيتامينات أ (A)، ب (B)، ج (C)، وقد تسمى بأسماء الأمراض التي تنجم عن نقصها؛ مثلاً يسمى فيتامين (أ) بـ”الفيتامين المضاد لجفاف القرنية”، وفيتامين (ب1) بـ”الفيتامين المضاد للبَرِي بَرِي” أو المضاد لاضطراب الأعصاب، أما فيتامين د (D) فيسمى بـ”الفيتامين المضاد للكساح”.

أقسام الفيتامينات

الفيتامينات دهنية الذوبان، وهي التي تذوب فقط في الدهون، مثل فيتامينات أ، د، هـ، ك. أما المجموعة الثانية فهي الفيتامينات مائية الذوبان، مثل ج، ب المركب.

١- الفيتامينات دهنية الذوبان: منها فيتامين (أ)، وهو يتكون من خليط من كحولات حلقية غير مشبعة، توجد في الأنسجة الحية كالكبد على هيئة استرات مع أحماض الخليك والبالمتيك، حيث يمكن اختزانه في هذه الصورة الأكثر ثباتًا، ويمكن تحريره وإطلاقه في حالة الحاجة إليه. ويوجد هذا الفيتامين في زيت كبد الحوت، وفي صفار البيض، وفي بعض الخضراوات والفواكه، خاصة الجزر والطماطم والخس والمشمش. وتتلخص أهميته في تكوين الأرجوان البصري، الذي يساعد على الرؤية الجيدة في الضوء الخافت. كما يمنع جفاف الأغشية المخاطية، مثل أغشية القرنية والأنف والحلق. وهو أيضًا ضروري للنمو الطبيعي للأنسجة العصبية والأسنان والعظام. أما نقصه فيسبب العمى أو العشى الليلي وجفاف القرنية وبعض الاضطرابات العصبية.

أما فيتامين (د) فهو عبارة عن مجموعة من الفيتامينات، أهمها د2، د3، ويتولدان من الإرجوستيرول والكوليستيرول على التوالي، نتيجة لتأثير ضوء الشمس (الأشعة فوق البنفسجية) على الاستيرولات الموجودة تحت الجلد. وتوجد هذه الفيتامينات في زيت كبد الحوت، وصفار البيض، واللبن، والكبد. ومن وظائفها تسهيل المساعدة على امتصاص الكالسيوم والفسفور في الأمعاء، وتنظيم أيْضِهما البنائي في الغضاريف الواقعة عند نهايات العظام الطويلة.

أما فيتامين (هـ) أو التوكوفيرول فيوجد في بادرات القمح والخس والخضروات. ويؤدي غيابه إلى نقص الخصوبة في حيوانات التجارب، وقد يؤدي نقصه إلى إجهاض الإناث، وهو لذلك يسمى بالفيتامين المضاد للعقم، كما يدل اسمه أيضًا على أنه الفيتامين الذي ينظم التكاثر (توكوس = نسل، فيرو = حمل).

وبالنسبة لفيتامين (ك) فيوجد في الخضروات، خاصة السبانخ والفول والطماطم، كما يوجد أيضًا في الكبد وصفار البيض. وهو ضروري لتكوين مادة البروثرومبين في الكبد، ويتسبب عن نقصه حدوث نزيف نتيجة انخفاض معدل التجلط الدموي، ولذلك يسمى أيضًا بالفيتامين المضاد للنزيف.

٢- الفيتامينات مائية الذوبان: ومنها مجموعة فيتامينات (ب) المركبة، وهي تضم 12 ڤيتامينًا يُرمز إليه بحرف الباء (ب) مقترنًا بالأرقام من 1 إلى 12؛ مثلاً هناك فيتامينات ب 1، ب2، ب3.. وكلٌّ منها يذوب في الماء. وأهم هذه الفيتامينات، فيتامين ب 1 أو مادة الثيامين، ويوجد في اللحوم، وصفار البيض، والكبد، والسبانخ، ويقوم بدور أساسي في أيض المواد الكربوهيدراتية، حيث إنه يكون جزءًا من المرافق الأنزيمي لأنزيم بيروفات كاربوكسيليز ويساعد على النمو السليم. وعلى سلامة عمل الأنسجة العصبية، ويتسبب عن نقص هذا الفيتامين مرض الـ”بَرِي بَرِي”، ومن مظاهره الشعور بالإرهاق، وفقدان الشهية، واضطراب الهضم والهزال، وقد ينتهى الأمر بالإصابة بالشلل والوفاة. وتعتبر قشور الأرز والقمح (الردة) من المصادر الغنية بهذا الفيتامين.

فيتامين ب 2 أو مادة الرايبوفلافين؛ تكمن أهمية هذا الفيتامين في أنه يدخل في تركيب عوامل الحفز البيولوجية المتخصصة، التي تكفل السير الطبيعي لتفاعلات الأكسدة والاختزال في خلايا الجسم، كما أنه هام في عمليات النمو. ويوجد في اللبن والخضروات والكبد والكلاوي والخميرة. ويؤثر نقص هذا الفيتامين على الطبقات الإكتودرمية، فيسبب التهابات الجلد والأغشية المخاطية، وخصوصًا في زوايا الفم واللسان والقناة الهضمية.

أما فيتامين ب 3 فيدخل في تركيب الأنزيمات التي تساعد في نقل الهيدروجين في الخلايا الحية، وهو لذلك هام لكثير من العمليات الحيوية بالجسم، ونقصه يسبب مرض “البلَّاجرا” (Pellagra)، ومن أعراضه خشونة الجلد، لاسيما جلد اليدين والذراعين والقدمين والوجه والرقبة، وحدوث إسهال، مع ظهور بعض الاضطرابات العصبية والعقلية، وقد يؤدي عدم العلاج إلى الجنون والوفاة. ويوجد هذا الفيتامين في الكبد والكلية واللبن والبيض. ويمكن أن يتولد هذا الفيتامين من الحمض الأميني تريبتوفان، الذي يقل كثيرًا في بروتين الذرة؛ ولهذا فإنه قد ينتشر بين الطبقات التي تعتمد في غذائها على الذرة بصفة أساسية. وعلى ذلك فالدراسات الحديثة الخاصة بالتغذية والصحة العامة، توصي بخلط القمح بالذرة عند تصنيع الخبز للاستهلاك العام.

ويوجد فيتامين ب 6 أو مادة البيريدوكسين في اللحوم، والكبد، والخميرة، والحبوب، ويقوم بدور حيوي في عمليات التنفس الداخلي للخلايا، وفي عمليات أيض الأحماض الأمينية، ويسبب نقصه التهاب الجلد، وبعض الاضطرابات العصبية، وضعف العضلات.

أما فيتامين ب 12 أو مركب سيانو كوبالامين فضروري لعملية النمو، كما يدخل في تركيب كريات الدم الحمراء، ويوجد في اللحوم والكبد والأسماك والخميرة. ويتسبب نقصه في حدوث الأنيميا الخبيثة وتدهور النمو في الصغار. والكمية اللازمة منه حوالي ملليجرامين يوميًّا.

وأما فيتامين ج فهو أيضًا من الفيتامينات مائية الذوبان، ويوجد في الموالح والخضروات الطازجة، كما يوجد في الطماطم والكرنب، والكبد، والكلاوي. ويشبه في تركيبه السكر الأحادي، وهو ضروري لالتئام الجروح وتكوين الخلايا والأجسام المضادة (زيادة المناعة عمومًا ضد الأمراض والغزوات الميكروبية)، ومن ثم زيادة مقاومة الجسم للعدوى بالأمراض الميكروبية، ونزلات البرد والإنفلونزا. ومن وظائف هذا الفيتامين أيضًا سلامة الأنسجة الطلائية التي تغطي الجسم من خارجه وداخله، ولذلك فإن نقصه يؤدي إلى سهولة غزو الجراثيم والميكروبات للجسم. كما يؤدي إلى ما يُعرف بمرض “الإسقربوط”، ومن أهم أعراضه النزيف الدموي في أماكن عديدة من الجسم، وخصوصًا تحت الجلد، وفي اللثة، وبذلك يؤدي إلى تخلخل وتساقط الأسنان.

وكما يتسبب عن نقصان الفيتامينات أو بعضها في أمراض خطيرة، فإن زيادة بعضها يؤدي إلى ظهور بعض الأمراض. والقاعدة العامة، أن زيادة الفيتامينات دهنية الذوبان لها تأثيرات خطيرة على الجسم، وقد يودي بعضها إلى هلاكه. أما زيادة الفيتامينات مائية الذوبان فزيادتها يتخلص الجسم منها بسهولة، ويطرحها في البول والعرق. إلا أن الزيادة الكبيرة في فيتامين ب 6 فيمكن أن يتسبب عنها تلف خطير في الأعصاب الطرفية.

 

(*) أستاذ علم الحيوان، جامعة المنوفية / مصر.